نتائج الاصلاح المعكوس اقمار في سماء المجتمعات وشموس !
احمد الحاج
قبل ان تتلوث الاخلاق والعقول ، وقبل ان تنهار النفوس والمجتمعات لتتسيد الاذناب والذيول ، وقبل ان يصبح الناس فوضى لاضابط لايقاع حياتهم كمزرعة البصل..كلهم رؤوس ” رؤوس مسلحة سلاحا منفلتا تزعم انها تمثل مشيخة العشائر وزعامة القبائل وقبلة القبليات ، ورؤوس مسلحة سلاحا مؤدلجا تزعم انها قادة ميليشيات ، ورؤوس مسلحة سلاحا موازيا تزعم انها تمثل الطوائف والاقليات والمكونات ، ورؤوس مسلحة سلاحا مأفونا من اذناب البنوك والمصارف والشركات ، ورؤوس مسلحة سلاحا ملعونا يمثل فرقا مارقة وجماعات ، علينا الاتعاظ بعراق مابعد الفوضى اللاخلاقة واللا اخلاقية العارمة ولابد من استلهام الدروس من وضع العراق المزري الحالي تلو الدروس فالعراق اليوم وبوضعه الحالي انما يمثل ” انموذجا حيا للدستوبيا ” والمجتمع الفوضوي غير الفاضل بما يصلح للعبرة والاعتبار !
قديما قال الشاعر العربي الافوه الاودي :
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم ..وَ لا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت …فَإِن تَوَلَّوا فَبِالأَشرارِ تَنقادُ
إِذا تَوَلّى سَراةُ القَومِ أَمرَهُمُ ..نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَاِزدادوا
بمعنى ان احوال البلاد والعباد لاتنصلح بغير قادة اتقياء انقياء شرفاء ، ولن تحلق عاليا الى افاق ارحب بغير زعماء حكماء واصلاء ، فاذا ما تولى زعامة القوم جهالهم واراذلهم ، واذا ما تسيد سفلتهم وسوقتهم من متعددي الاهواء والانتماءات والولاءات ومن مزوري الشهادات والجوازات والعملات ، فسيقع المحذور وان كان المتسيدين – المتصيدين – قد صعدوا الى كرسي الحكم بالانتخابات ، أو بالثورات ، أو بالانقلابات ، او انهم جاؤوا على ظهور دبابابات الغزاة ليحكموا شعبا من المظلومين الجياع فزادوهم جوعا وعطشا ومرضا وجهلا وظلما وظلاما ورهقا ، وكأن القوم في نهاية المطاف وبرغم القيادة والزعامة الموهومة ، فإنهم بلاقيادة ولازعامة واقعا وهم كجسد بلا رأس اساسا ، وكأنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وكأنهم كمجير ام عامر ، وكأنهم كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى !
بالامس اثار الاستاذ الفاضل وثاب خالد آل جعفر ، على صفحته موضوعا في غاية الاهمية يتحدث عن وجوب وحتمية الاصلاح المجتمعي الشامل ولكن بعيدا عن التسييس وقد كان موفقا في الطرح ، عميقا في المضمون ومن جميل ما لفت اليه في تعليق على تعليق نصيحة بورقيبة للقذافي ، وخلاصة شاهدها وليس منطوقها هو ان ” الاهتمام بالمجتمع تجعله حتى وهو في اتون الثورة على الطغيان بمرحلة ما بعد الغليان ، فارسا ونبيلا ومحترما واخلاقيا وانسانيا ” بمعنى انه وفي خضم الثورة لن يسحل الملك ولا ولي عهده ولا وزرائه كما حدث في العراق بعد اسقاط الملكية وما بعدها من سحل وظلم وتقتيل وتعذيب في العهود الجمهورية المتتالية وصولا الى الحقبة المظلمة الحالية ..” ولعل ما كتبته آنفا في المقدمة وما سأكتبه لاحقا في صلب الموضوع هو جانب من تعليقي على موضوعه المهم والجميل ..واضيف :
لاشك ان اصلاح المجتمع هو الاساس المتين والطريق القويم الى اصلاح الحكم والحاكم على سواء وليس العكس ، فالحاكم حين يفرض الاصلاح بالقوة والنفوذ والسلطان بعد تمكنه من الحكم ” غلبة ، توريثا ، انتخابا ، انقلابا ، ثورة ، تنصيبا ” فإن السواد الاعظم من الناس ستستجيب له رغبا أورهبا ، لا حبا ولا اقتناعا بما يفرضه على الناس ، ولكن ويمجرد ان يزول هذا الحاكم او يضعف بآخر صائل فستجد ان من كانوا يعلقون لافتات الاصلاح ويدعون له صباح مساء خوفا من الحاكم او طمعا بما عنده ويتراقصون بين يديه كاالنعاج ويلهجون بأسمه وهو في اوج قوته ، فإنهم اول من سيهاجمون قصره لينهبوه اسوة بالمستشفى والمدرسة والجامعة والجامع المجاور والقريب ولن يبقوا فيها حجرا على حجر ، فيما لوكان الاصلاح مجتمعيا فإنه سيكون عن قناعة تامة تمنع ولادة – فاسد – فضلا عن حكم مفسد …الامر الذي لم تعيه كثير من الاحزاب السياسية وخلاصته هو ان ” إصلاح المجتمع دون كرسي الحكم ، اهم بكثير من انتظار الوثوب الى الكرسي لاصلاحه = لاحظت برجيلها ولا خذت سيد علي ….اما قولهم ان الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقران فهذا مقيد بمجتمع لم يصل الى مرحلة الانهيار بعد وفيه من بذور وثمار واشجار الخير الكثير بما يمكن للسلطان سقيها وتنميتها واكثارها وغرس وبذر المزيد منها ..اما في مجتمعات فاسدة فقدت بوصلتها كليا فلا السلطان ولا ابو السلطان بإمكانه اصلاحها فيما بعد ولو كان حسن النية لاسيما وان هذا السلطان نفسه مولود من رحم المجتمع الفاسد ذاته وهو ملوث بكل افاته الاجتماعية والاخلاقية والفكرية ويحمل كل عقده النفسية ..فأنى لهذا الحاكم – الحاقد وغير المتزن والمضطرب اخلاقيا وفكريا – ان يكون شريفا وعفيفا ، عادلا ورحيما ، حكيما وحليما ؟!
ونصيحتي لكل مصلح ومثقف او سياسي – اذا اكو سياسي حقيقي في العراق – اصلح شعبك ومجتمعك ، تصلح زعماءك وقادتك وحكامك .. اما ان تجعل من الحكم غاية ووسيلة لمصالحك ومصالح من يقف وراءك بزعم الاصلاح والتغيير من دون اصلاح نفسك ولامجتمعك قبلها ، فإنك ستفسد ولن تصلج ابدا ولو خضع لك الشعب كله خوفا وطمعا ظاهريا وتقية …وضع نصب عينيك انه لو دام التصفيق والتهليل والرقص بين يدي الحكام السابقين لما وصل الحكم – التصفيقي – اليك ، فلاتغتر بكثرة القطعان المنومة مغناطيسيا التي تسير خلفك على غير هدى ظنا منك بانهم حائط الصد الاول والاخير عنك …هؤلاء وعلى كثرتهم سيكونون اول من يطلق الالعاب النارية فرحا بزوالك واول من سينهب قصرك ويحرق صورك ويمزق لافتاتك ويلعنك ، واول من سيسحلك في الشوارع ، وسيبرر اكثرهم حينها بعيد توبيخهم ولومهم – على رقص عقود – بانهم انما كانوا يلعقون يدك وحذاءك ويرقصون بحضرتك مجاملة وخوفا وتقية وتملقا ونفاقا ليس الا ، لا حبا بك ولاطاعة لك ولاقناعة ولا وفاقا ! اودعناكم اغاتي