عزيز الخزرجي

كثيرون ممن ضحوا بأنفسهم في سبيل العدالة ولا يُعرف عنهم الكثير, حيث هُضم حقّهم ولم يظهر من حقيقتهم سوى القليل و للقليل و بعد شهادتهم, لا أثناء حياتهم, و المهندس المظلوم كان سيدهم ولم يعلنوا – حتى الشيوخ و السادة و الآيات العظام – عن سيرته الكونية إلا بعد شهادته, لأنه الآن في عداد الشهداء ولا يمكن أن يرجع ليُضيق على مناصبهم الزائلة لهذا لا بد من قتله وتطويقه و مَنْ على شاكلته كي يُضمن الفاسدون مواقعهم ورواتبهم و تقاعدهم!؟ قبل سرد قصة واحدة من قصص العظمة التي تدين كل مُتحاصص؛ أقول؛ والله إنه لعارٌ وشنار كبير على جبين السياسيين خصوصا المدعيين للمذهب الشيعي وللدعوة أو المقربين من المهندس من أمثال المستشار القانوني الشويلي الذي لم يذكر الموقف – الوارد أدناه – إلا بعد شهادته لتأكده من عدم رجوعه ثانية .. حسداً و خبثاً و غيرةً و خوفا من ثورة الناس و مطالبتهم بآلأقتداء بالشهيد العظيم في حال إعلان الحقيقة للناس فيخسرون مناصبهم وإمتيازاتهم و رواتبهم .. لأن موقف المهندس لم نشهده سوى في سيرة شهيد عظيم سبقه وهو الدكتور جمران و صحبه الذين تخرجوا من مدرسة الأمام الراحل, و إستشهد و صحبه في جبهات الحرب العراقية – الأيرانية عام 1980م حيث تركوا الدنيا بحالها و مالها, ولم يأخذوا لأنفسهم راتبا شهرياً واحداً حتى شهادته!
و هذا هو المهندس يبرهن للعالم بشهادته؛ وجود من يشببه في العراق وإن قلّوا وإنزووا, وهذا بفضل مدرسة جمران و الولاية التي آمن بها وتعلم منها التضحية والأيثار و النبل و آلشجاعة!
السيد المستشار القانوني الشويلي تحدث في مقال عن جانب هام من سيرة المهندس و الذي كتمه 15 عاماً للأسف خوفاً على راتبه و مخصصاته وبآلتالي مطالبة الناس له ولأقرانه على الأقل بآلتشبه بسيرة المهندس ليثق الناس بهم, لا نبذهم و كما فعلوا أخيراً بسبب فسادهم, لتنطلق ثورة الفقراء التي ما زالت تمثل ناراً تحت الرماد تخبو أحياناً و تظهر في أحيان أخرى.
يقول هذا المستشار الغير المنصف: في عام ٢٠٠٥ م عندما فازت قائمة الائتلاف العراقي الموحد في انتخابات الجمعية الوطنية العراقية بنظام القائمة المغلقة في حينها كان اسم ( جمال جعفر محمد علي ) يتردد كثيرا عند احتساب النصاب القانوني لجلسات الجمعية الوطنية حيث كان من ضمن الأسماء الفائزة في تلك القائمة, تصور لم يكونوا يعرفوا حتى كنيته ولقبه بـ ( أبو مهدي المهندس ).
حيث لم يحضر الا نادراً في اجتماعاتهم كونة كان يقاتل المحتليين و الدواعش معاً و مطلوب للاعتقال او الاستهداف في كل لحظة من قبل الامريكان المتواجدين بحرية في العراق تلك الفترة لمواقفة البطولية والفدائية ضدهم باكثر من مكان في العالم.
وكانت امتيازات اعضاء (الجمعية الوطنية العراقية) في وقتها كبيرة جدا ويسيل لها لعاب الجميع من حيث الاموال و المخصصات والحمايات والسيارات المصفحة والجوازات الدبلوماسية والاراضي وغيرها, بحيث كانت تصل لأكثر من خمسة ملايين دولار شهرياً
علماً أن تلك الرواتب و الأمتيازات كانت تصرف لاعضاء الجمعية الوطنية سواءاً حضروا أو لم يحضروا كما حال النواب و الوزراء و غيرهم في عراق الفساد.
وفي نهاية كل شهر تقوم الدائرة المالية بحسم هذه الرواتب والامتيازات وترسلها الى اعضاء الجمعية الوطنية اينما كانوا بأعتبارها حقوقا لهم, لضعف الجانب الرقابي للدولة في حينها على هذه الممارسات الفاسدة.
الا انه وفي كل شهر كان يقوم المهندس بأعادتها الى الدائرة المالية في الجمعية الوطنية ولا يستلم شيئا منها لا له ولا لحماية و موظفيه ولا جواز دبلوماسي ولاسيارة مصفحة ولا ولا أية إمتيازات..
و كان يعتبر هذا الموقف شرعي قبل ان يكون موقف قانوني وبالتالي فهو يقدم الجانب الشرعي على الجانب القانوني .. بينماجميع زملائه و رفاقه في القائمة الشيعية في تلك الجمعية كانوا يتكالبون على المناصب وذاقوا حلاوتها غير مصدقين بذلك ولم يتركوها ابدا وفي أكثر من دورة حتى ان بعضهم بدأ يقفز من منصب لاخر لايفرق بينها سواء كان هذا المنصب تشريعي ام تنفيذي ام غيره لأجل الرواتب بل ذهب بالبعض الى ان يتولى ثلاثة او أربعة وزارات تختلف احداها عن الاخرى من حيث الاختصاص والمهام, يعني نهب واضح بخلاف الشرع و حتى القانون, بينما كانوا يدّعون إنتمائهم للأسلام و الدعوة لعنة الله عليهم!!
وأستمر هذا الامر الى نهاية اعمال الجمعية الوطنية ممّا ادى الى ان يعلن نائب رئيس الجمعية الوطنية في حينها ( حسين الشهرستاني ) من على منبر الجمعية بدعوة الحاج ابو مهدي المهندس الى استلام مستحقاته وامتيازاته التي بلغت عشرات الملايين من الدولارات قبل حلّ هذه الجمعية وانتهاء مهماتها وهو مبلغ كبير من المال بجانب الامتيازات و الأراضي و المكاتب.
لكن موقف الحاج الشهيد بقي ثابتاً كموقف السيد الصدر(قدس) ولم تُؤثّر فيه تلك الاموال الحرام و لم يتغيير ولم يستلم دينارا ًواحدا من تلك الأموال والمستحقات ليقينه بأن تلك الأموال كانت للفقراء و المساكين و اليتامى, لا لهأو لعائلته بينما السياسييون كانوا ينهبون تلك الرواتب لشراء الفلل و القصور و السيارات و إرسال أبنائهم للدراسة في أمريكا و أوربا, بلا حياء أو ضمير! و بهذا العمل الفاصل : شخص الشهيد المنهندس جميع الذين تصدوا للسياسة في الحكومات المتعاقبة حتى جعلوا العراق بآلأضافة لما ورد من النفط ؛ جعله مديناً للعالم بمئات الترليونات و العراق خال من مدرسة نموذجية أو مستشفى أو عيادة طبية صالحة أو وزارة محترمة أو شارع نظيف, بل نصف الشعب اليوم يعيشون في أو تحت خط الفقر, لهذا كانت ثورة الفقراء نتيجة طبيعة لفساد الطبقة السياسية.
وهكذا ختم المهندس(جمال جعفر محمد علي) حياته الطاهرة البريئة التي إبتدأها بآلجهاد لله منذ صباه أيام الأعدادية ثم الجامعة و حتى شهادته المباركة قرب مطار بغداد بصاروخ سياسي وجّههُ الأمريكان إنتقاما منه لعدم إنخراطه بل رفضه للسياسيين الفاسدين ..
نسأله تعالى أن يرحم الباقيين من وراءه؛ أؤلئك الذين لم يجاهدوا مثله و رضوا بأن يكونوا مع الخوالف من أحفاد هند و معاوية وحتى البعض من مدّعي التّشيع و الموالاة لأهل البيت(ع) و آلمشتكى لله. لهذا كنت الوحيد الذي أصبتُ و لم أشارك فساد السياسيين الذين ماتت ضمائرهم, و بقيتُ صامداً أعاني لليوم و لم أستلم حتى تقاعدي الذي ينص عليه القانون والشرع والعرف والأنسانية, لكني أنام الليل رغم كل الآلام بضمير مطمئن وبلا خوف على عاقبتي وأسفي على مستقبل العراق الغامض و المخيف, و العار و النار لمن شارك في دماره بسرقة الناس بشتى الوسائل وبآلقانون الوضعي. الفيلسوف الكوني