مهزلة مراكز الدراسات والبحوث في العراق

علي الكاش

من الظواهر المعاصرة توفرعدد كبير من مراكز الدراسات والبحوث العلمية في الولايات المتحدة و ‏الدول الأوربية، وتُعرف بالـ‎(Think Tanks). ‎، وهي ترتبط مباشرة بصناع القرار السياسي ‏والاقتصادي والأمني، وتقدم لهم الرؤى والأفكار الملائمة التي تساعد في إتخاذ القرار وفق معطيات ‏وتحليلات علمية. وسرعان ما لقت هذه الظاهرة صدى في الدول العربية، وانتشرت بشكل كبير ‏سيما في الشقيقة مصر، ومما يؤسف له ان غالبية مراكز الابحاث في الدول العربية لم تأخذ الدور ‏الصحيح، وتؤدي الغرض المأمول منها.‏
اتخذت هذه المراكز شكالا منها:‏
ـ مراكز بحثية رسمية تعود الى الدولة من خلال التمويل والتوجيه، وغالبا ما توفر لها الدولة ما ‏تحتاجه من صحف ومجلات وإصدارات مجانا.‏
ـ مراكز بحثية أكاديمية، وهذه المراكز ترتبط بشكل مباشر بالجامعات والمعاهد العلمية، وتخصص ‏لها الجامعات ما تحتاجه من تمويل مادي ومعرفي، وتفرض على طلاب الدراسات العليا تزويد هذه ‏المراكز بنسخ من الإطروحات والسائل الجامعية المنجزة.‏
ـ مراكز بحثية خاصة، لا علاقة لها بالدولة والجامعات، وغالبا ما تؤسسها مؤسسات بحثية مستقلة ‏ومفكرون وعلماء وبعض الأكاديمين المتقاعدين، ولها خط خاص مستقل.‏
ـ مراكز دراسات ذات طابع ديني أو عنصري أو مذهبي تخص شريحة معينة من المجتمع.، ‏وتعبر عن رؤية تخص هذه الشرائح فقط وتخدم أهدافها.‏
ـ مراكز بحثية شبحية يديرها فرد واحد، ولا توجد فيها كوادر أخرى، وهي محدودة الأفق تعبر عن ‏رأي شخصي، وليس لها أهمية تذكر على الصعيد العلمي والفكري. وتتخذ هذه المراكز سبيلسن اما ‏معارضة الحكومة، او موالاتها بشكل مطلق.‏
ومن أهم المراكز البحثية في العالم العربي مركز دراسات الخليج العربي، المعهد العربي لبحوث ‏السياسات ، مركز الدراسات الفلسطينية. مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر، مركز دراسات ‏الوحدة، مركز البحوث والدراسات، مركز التأصيل للدراسات والبحوث في جدة عام 2006 ، ‏مركز تكوين هو مركز بحثي غير ربحي، تأسس عام 2014، مركز الفِكر المعاصر، ومراكز ‏أخرى وطنية واقليمية وعالمية. وتعتبر مراكز البحوث مختبرات علمية وبحثية تعكس توجه ‏الشعوب لحفظ التراث والانطلاق العلمي، وتوليد مفاهيم ورؤى فكرية تسهم وتعمق الخطاب ‏المعرفي والعلمي الفكري بشكل يتفاعل مع المستجدات الفكرية.‏
ومن أهم نشاطات وأغراض هذه المراكز:‏
ـ معالجة القضايا الفكرية المعاصرة وبيان الرأي فيها على نهج موضوعي، ونقد الانحرافات الواقعة ‏في المجال الفكري ومناقشة أصحابها بعلم وعدل وموضوعية
ـ جمع المعلومات وتحليلها ومتابعة الأحداث الجارية وتقديم صورة واقعية عن تفاعلاتها وآفاقها ‏المستقبلية.‏
ـ تقديم النصح والمشورة للمؤسسات والجهات ذات العلاقة بالبحوث للإستفادة منها في تطوير ‏عملها.‏
ـ دفع عجلة العلم والمعرفة الى الأمام، والمساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ‏والثقافية، وتطوير المجتمع على نحو أفضل.‏
ـ جمع وخزن وارشفة المعلومات السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية المتعلقة بالتحولات ‏والتطورات المجتمعية، فتشكل ذاكرة فاعلة للمجتمع.‏
ـ العمل على توفير قاعدة بيانات علمية رصينة من المعارف والعلوم الاجتماعية والإنسانية تفيد ‏أصحاب العلاقة، والتعبير عن آمال الأمة وفق منظور علمي يعبر عن ثقافة الأمة وتطلعاتها.‏
ـ رصد الحالة الفكرية وتوضيح قضاياها الفاعلة وتقديم الرؤى العلمية تجاهها، واغناء المواقع ‏المعرفي بمستحدثات فكرية عميقة، والمساهمة في تشكيل الوعي المسؤول للمجتمع. ‏
ـ تقديم الاراء والمشورة والتوصيات المتعلقة بسياسات الدولة الداخلية والخارجية.‏
ـ نشر البحوث وإصدار الدراسات ونشر الكتب التي تتضمن آخر التشاطات الفكرية، وإقامة ‏الندوات والمحاضرات والدورات المختلفة‎.‎
ـ العمل على إشاعة وتعميم المنجزات العلمية وتطويرها حتى تصبح متاحة على المستويات ‏التطبيقية المختلفة
معوقات في طريق مراكز الدراسات والبحوث
ابرز العوامل التي قد تؤدي الى ضعف وتغييب دور مراكز الدراسات والابحاث.‏
ـ عدم وجود قانون ينظم عمل هذه المراكز، فيمكن تأسيس هذه المراكز بشكل كيفي كما هو الحال ‏في العراق.‏
ـ عدم قيام الحكومات العربية تخصيص نسبة مالية من موازنة المؤسسات للبحث العلمي لاسيما ‏الاكاديمية منها‎.‎‏ وقد أشارت منظمة اليونسكو الى أن ” مخصصات العالم العربي واحد في الألف ‏من الدخل القومي، ونسبة التمويل العربي للبحث العلمي تتراوح بين 0.1% و0.3% من إجمالي ‏الناتج المحلي لمعظم الدول العربية”.‏
ـ محدودية مساحة الحرية التي تقدمها الأنظمة لهذه المراكز، فهي تدعم عادة المراكز التي تتوافق مع ‏سياستها، وتُضيق على المراكز المستقلة أو المعارضة لسياستها.‏
ـ تَغلب النزعة الدينية والعنصرية والطائفية على العديد من هذه المراكز، وهذا ما يتعارض من ‏الهدف من تأسيسها.‏
ـ لا يوجد تنسيق وتناغم وربما إتصال بين هذه المراكز، وهي بحاجة الى مركز يستقطب المراكز ‏الوطنية على أدنى تقدير، لتحقيق نوع من التكامل المعلوماتي، بما يخدم الجميع، ويساهم في ‏تطويرها.‏
ـ صعوبة توفر الوثائق والبيانات الرسمية، حيث تخشى الحكومات من تسرب الوثائق الى هذه ‏المراكز علاوة على صعوبة الحصول على الكتب والمصادر والدوريات، سيما ان بعض الحكومات ‏تضع قيودا على الكتب الواردة للبلاد.‏
ـ خلط الأوراق، فبعض هذه المراكز لا قيمة لها مطلقا، في الوقت الذي تحظي بعض المراكز ‏بأهمية قصوى، مما يضيع الفرصة على القاريء لتمييز جودة هذه المراكز إدراك أهمية هذا الحقل ‏وتأثيره في المعرفة.‏
ان معظم مراكز البحوث والدراسات في العراق تثير الغربة، فهي الأبعد عن العلوم والمعارف ‏والمنهج التحليلي والاستقرائي، بل بعيدة عن المنطق السليم، فبإستثناء بعض الشخصيات المؤثرة ‏في المشهد السياسي مثل د. يحى الكبيسي مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، ‏والسياسي المعارض احمد الأبيض والأكاديمي د. أياد العنبر والسيد نجم القصاب رئيس مركز ‏المورد للدراسات والإعلام، ود. إحسان الشمري. رئيس مركز التفكير السياسي. والسيد نزار حيدر ‏مدير مركز الاعلام العراقي والسيد منقذ داغر رئيس المجموعة المستقلة للبحوث. والسيد باسل ‏حسين رئيس مركز كلواذا للدراسات. ‏
ما عداهم لا تجد مركزا يفيد المتابع للشأن السياسي العراقي غير هذه النخبة الممتازة في طروحاتها.‏
بل ان بعض المركز تمتاز بالطائفية والعنصرية بشكل مثير. والأطرف منه انه لا توجد كوادر ‏فيها، بل متحدث واحد، وهذه حالة يرثى لها لأنها تعبر عن إفلاس معرفي، بل وأخلاقي، ومن ‏هؤلاء:‏
هاشم الكندي. رئيس مجموعة النبأ للدراسات الاستراتيجية.‏
طارق المعموري. رئيس مركز نحو الغد للدراسات الاستراتيجية.‏
خالد السراي رئيس المرصد الوطني للاعلام.‏
حيدر البرزنجي رئيس منظمة حوار.‏
عدنان السراج. رئيس المركز الاعلامي للتنمية الاعلامية.‏
عباس العرداوي. رئيس مركز إرتقاء للبحوث والدراسات.‏
لو تابعت أي منهم ستجد ان الرجل العامي يمكنه ان يعبر بطريقة أفضل منهم، فهم غير قادرين ‏على تحليل المعلومات ولا يجيدوا اللغة العربية، ولا يمكنهم ان يستشهدوا بما ورد في القرآن او ‏السنة النبوية أو أقوال المشاهير من الفلاسفة والعلماء مما يدل على فقر معلوماتهم، أو ضحالتها، ‏علاوة عل النفس الطائفي المقزز بحجة نصرة المذهب او الدفاع عن الطائفة. بل بعضهم يعبر عن ‏مصالح ايران وليس العراق، وهذه كارثة.‏
ينطبق عليهم قول المتنبي:‏
إِنْ مَاتَ مَاتَ بِلا فَقْدٍ وَلَا أسَفٍ … أو عَاشَ عَاشَ بلا خَلْقٍ وَلَا خُلُقِ
‏(ديوان المتنبي بشرح العكبري2/359)‏

كلمة أخيرة
أقول للإطار التنسيقي الخاسر في الانتخابات: تذكروا القاعدة السياسية المهمة ( الخاسر لا يضع ‏شروطا على الغالب).‏

علي الكاش