من وحي أرض الطفوف / 6 والأخير
بقلم : عبود مزهر الكرخي

ولنتابع في تقديم الأدلة والبراهين في أن كل ما قام به الإمام الحسين هو أمر إلهي وتدبير من الله سبحانه وتعالى لجعل الإسلام ان يكون على المحجة البيضاء وكان هذا الدور قد كلف به أبي الأحرار والضيم الإمام الحسين(عليه السلام).
ولهذا تشير روايات الشيعة أنه الامام الحسين يري اصحابه منازلهم في الجنة !
” لما رأى الحسين عليه السلام ذلك منهم ــ أي من اصحابه العزم و الصمود ــ قال لهم: إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم و انظروا إلى منازلكم.
فكشف لهم الغطاء ـ بإذن الله ـ و رأوا منازلهم و حورهم و قصورهم.
فقال لهم الحسين: يا قوم إني غداً أقتل و تقتلون كلكم معي، و لا يبقى منكم واحد.
فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، و شرّفنا بالقتل معك، أو لا ترضى أن نكون في درجتك يابن رسول الله؟
فقال: جزاكم الله خيراً ” (1).
” وليس ذلك في القدرة الإلهية بعزيز ولا في تصرفات الامام بغريب، فإن سحرة فرعون لما آمنوا بموسى عليه السلام وأراد فرعون قتلهم أراهم النبي موسى عليه السلام منازلهم في الجنة ” (2).
فلذلك كل ما جرى على الإمام الحسين هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، وهو أبتلاء ابتلى الله جل وعلا الحسين(عليه السلام)واهل بيته وأصحابه المنتجبين لكي يكونوا هؤلاء الثلة الطيبة في أعلى منازل الجنة وفي الفردوس الأعلى.
ومن هنا كان لا بد من الاشارة الى جانبين مهمين يجب الوقوف عندها وهي :
الجانب الأول :
أن كل الظروف التي رافقت خروج الحسين(عليه السلام)من المدينة إلى مكة المكرمة ثم إلى العراق ، لو لاحظها كل شخص خالي من النظرة يعتبرها لا تناسب انتصاره مادياً. ولهذا كان عليه وأقل ما يقال أنه يقتضي مزيداً من التلبث والاحتياط ، ويشهد على ذلك بذلك أجماع آراء من نصحوه ، وهذا ما ذهب العديد من الكتاب والعلماء من فرق الجماعة والسنة ، ولكن ذكروا ذلك لتوجيه آرائهم أموراً لا تخفى على كثير من الناس من التعتيم على أهداف ملحمة الطف الخالدة والدور المهم في تقويم الرسالة المحمدية وفضح بنو أمية وما قاموا في تشويه الدين الإسلامي والرجوع به الى الجاهلية الأولى ، فضلاً عن الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، فإقدامه مع ذلك على تلك النهضة وما استدعته من تضحيات جسام لابد أن يكون لهدف آخر غير الانتصار المادي المنظور لهم.
الجانب الثاني : معرفة الإمام الحسين(عليه السلام)بمصيره المحتوم
لقد حفل التاريخ الإسلامي على الكثير من الأمور التي تشهد بمعرفة الحسين(عليه السلام) وكثير من الناس بالمصير الذي ينتظره ، فقد استفاض عن النبي (صل الله عليه واله وسلم) ، وأمير المؤمنين ـ بل عن الإمام الحسين (عليه السلام )نفسه ـ الإخبار بمقتله في هذه
النهضة، بل الإخبار ببعض تفاصيلها وخصوصياتها والتهيئة لذلك . فلو لم يكن موفق في ذلك لوجب على النبي محمد(صل الله عليه واله)وأمير المؤمنين(عليه السلام)أن يحذراه من تلك النهضة ،بل ويمنعاه عن القيام بها ، وما كان(عليه السلام)أن يقوم والأهم انه لن يخالف أمر جده وأبوه في ذلك الأمر قطعاً ، لما معروف عن الحسين(عليه السلام)رشده ودينه وورعه ، والتي قد شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء ومنهم معاوية الذي قال عنه “… وما عسيت أن أعيب حسينا، ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت أن لا أفعل ولا أمحكه ” (3).
وهذه دحض لكل من يقول بأن الحسين (صلوات الله عليه) كان مصمماً على التضحية، ولا يريد التشبث بأسباب العافية والسلامة. ولا يسعنا تفصيل الكلام في ذلك في هذه العجالة.
ولا بد أن نشير وننوه بأن(التخطيط البشري لا يتعارض مع الصيغة العقائدية) ، ومن هنا لا يتعارض التخطيط الإلهي اي حكم الله سبحانه وتعالى مع الصيغة العقائدية ، وهذا ما اكده الحسين بن علي عليه السلام حينما قال ( شاء الله ان يراهن سبايا )وهذا اكبر دليل على تخطيط الله عز وجل واما (ومجرد زيارة الانبياء (ع)لكربلاء لا يدل على التخطيط الالهي للواقعة ) ، فلنتأمل هذا الأمر والذي هو اكبر دليل من الله لأنبيائه بان يزوروا ارض الطف لأنها اشرف بقعة على وجه الارض وسوف يستشهد على ترابها ابن بنت نبي اخر الزمان هو الحسين بن علي(عليه السلام)اليس هذا تخطيط من الله ( ولهذا فالعلم الإلهي بواقعة الطف وما سيجري على سيد الشهداء(عليه السلام) وشهادته مع كربلاء ، وأهل بيته ، وأصحابه المنتجبين ، لا ينافي في تخطيط الإمام لغرض طلب الإصلاح في أمه جده .
ومن هنا فأن تخطيط الإمام السين(عليه السلام)حتماً يدخل في أطار تخطيط الله سبحانه وتعالى ضمناً وفعلاً ، وهو ليس تخطيط مستقل قطعاً ، بل هو المنفذ حرفياً للتخطيط الإلهي ، والذي يسير في خطى هذا التخطيط قولاً وفعلاً ، بل والممتثل لهذا الأمر الإلهي بقوله (لك العتبى يا ربّ، صبرا على قضائك، يا غياث المستغيثين، لا معبود سواك، إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ) (4).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1. مقتل الإمام الحسين عليه السَّلام للخطيب العلامة السيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله). ليلة عاشوراء في الحديث والأدب – الشيخ عبد الله الحسن – الصفحة ٣٤. منشورات المكتبة الشيعية.
2 ـ نفس المصدر. خبار الزمان للمسعودي: ص 274، مقتل الحسين للمقرم: ص 215.
3 ـ العوالم ، الإمام الحسين (ع) – الشيخ عبد الله البحراني – الصفحة ٩٣ . منشورات المكتبة الشيعية. نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 327 الطبعة الأولى أو ج18، ص327، الطبعة الجديدة وناسخ التواريخ ج 1 ص 195. اختيار معرفة الرجال ج1، ص252-259، رقم 99 والإحتجاج ج2، ص19. بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 44 – ص 212 – 215 محمّد الباقر البهبودي ـ الثانية المصححة ـ1403 – 1983 م ـ مؤسسة الوفاء – بيروت – لبنان ـ دار إحياء التراث العربي، عن رجال الكشي.
4 ـ انظر: شجرة طوبى 2: 409، مقتل الإمام الحسين عليه السلام (المقرّم): 357، ينابيع المودّة 3: 83.