لطالما كانوا يتحدثون عما يجري في العراق ليس اليوم وإنما منذ مذبحة الحسين وحتى الأنفال والمقابر الجماعية، فيقولون إن ثقافتكم ثقافة دموية تتصف بالعنف والتقاتل،..
وكثيرا ما كنا نناقش الأخوة المصريين والسوريين واللبنانيين وغيرهم، بان ما يجري ليس حصريا بأهل العراق أو هي ثقافة خاصة بهم، وإنما مخزونات بدائية تكمن في تكوينات هذه المجتمعات بشكل عام ليس في العراق فقط بل في معظم المجتمعات المتخلفة حضاريا ومدنيا. ولسنوات طويلة اقتنع الكثير بان المجتمعات المصرية أو السورية أو غيرها مجتمعات مسالمة لا تقبل العنف بأشكاله البربرية التي رأيناها منذ سنوات سواء في ليبيا أو سوريا أو مصر اليوم، وان العراقيين فقط أطباعهم حادة واختلافهم شرس وتقاتلهم دموي ومأساوي، ونسينا تراث من الغزو يمتد لمئات السنين يبيح القتل..
والاغتصاب واستعباد الأطفال وبيعهم مع النساء في سوق النخاسة، وهذه الطباع ليست وليدة سنوات عديدة بل هي نتاج مئات السنين من التربية والتعليم وأدلجة المجتمع بعقلية العدو المفترض وإبادة الآخر ووجوب سيادة رأي واحد وشرع أوحد وعقيدة لا تقبل النقاش، وان قبلت فالآخر دونها وعبد أو ملحق لأتباعها؟ وهنا علينا أن ندرك بأن الموضوع ليس موضوع السنة والشيعة أو المسلمين والمسيحيين أو اليهود والمسلمين، بل إن الكارثة أعمق بكثير من هذه التوصيفات وتكمن أساسا باولائك الذين يؤدلجون الرعاع والغوغاء من الطبقات السفلى في المجتمعات وهي الأغلبية للأسف الشديد في معظم مجتمعاتنا، وهم بالتأكيد الأكثر عوزا وفقرا وتخلفا وأحيانا كثيرة انحطاطا، وتبرز في كثير منهم أيام الانفلات وغياب القانون مظاهر الحقد الطبقي والحسد الاجتماعي فيخرج مارد تلك العقد السيكولوجية ليخرب كل شيء ويقتل كل حياة، ولقد رأيناهم هنا في العراق أبان سقوط النظام ورأيناهم في مصر وليبيا وكثير من البلدان التي انهارت أنظمتها أو توقف القانون ورجاله عن السيادة. ما حصل في غزوة مصر ضد رجل الشيعة حسن شحاته وقبلها ضد كنائس الأقباط وفتياتهم، وما يحصل في كثير من هذه البلدان يظهر حقيقة تلك النوازع الرهيبة التي تكمن في تفاصيل الشخصية التي ما أن انزاحت عنها كوابح القانون وسادت نواميس الأديان والمذاهب وثقافة البداوة والغزو والقبيلة، حتى ظهرت صيحات الله اكبر على عمليات الضرب.
حتى الموت أو السحل حتى تلاشي الجثة كما حصل قبل أكثر من نصف قرن هنا في العراق في مذابح 1959 و 1963واليوم في مصر الحضارة والفن والإبداع وبينهما في لبنان التسامح والتعايش في صبرا وشاتيلا، وفي حلبجة والأنفال وحماه وكل المدن السورية والليبية واليمنية والقادم اكبر وأكثر مأساة.
من قتل حسن شحاتة وكل الذين ذكرتهم والذين تعرفونهم سنة كانوا أم شيعة، مسلمين كانوا أم مسيحيين ويهود، عربا كانوا أم كوردا أو تركمان وامازيغ وغيرهم من الأعراق والأقوام، هي تلك البنية الفكرية والقيمية والتربوية التي ما تزال تنتج الاستبداد والإلغاء حد الإبادة للمختلفين إيديولوجيا عن تلك البنية في المفاهيم العقائدية والقومية تخليد للماضي العتيد وتاريخه، وستبقى هذه البنية وهذا السلوك وسيقتل ويسحل الآلاف..
مثل حسن شحاته ومن ماثله في المذاهب الأخرى طالما بقيت دوائر الوعي مسجونة في أروقة التطرف الديني والمذهبي والعنصرية القومية والثقافة البدوية، وطالما بقيت تلك البنية الدينية والقومية والقبلية مدموجة مع مفهوم الحياة المدنية وبناء الدولة، وحتى نبدأ عصرا جديدا وثورة عارمة في الوعي الشعبي وتغييرات هائلة في بنية المجتمعات سيبقى الحال على ما هو عليه، وتسجل القضية في جريمة قتل حسن شحاته مع معرفة القاتل ضد مجهول!؟