“سارق القمر” قصة خيالية قرأتها مبكرا وعلقت بمخيلتي، تقول: يحكى أن سكان قرية نائية كانوا يحتفلون بالقمر منتصف كل شهر حين تكتمل دورته ويصبح بدرا، وكان هذا التقليد سلوتهم المحببة، فأراد أحدهم إطفاء البهجة في عيونهم حسدا من نفسه واستئثارا بالقمر دون غيره، فسرق ليلتها القمر في غفلة منهم وخبأه في الكوخ، في اليوم التالي غاب القمر، وفجع الناس بسرقة قمرهم محط بهجتهم، وصاروا يبحثون عنه ويفتشون القرية بيتا بيتا، خشي السارق على نفسه وقرر الخلاص من القمر، فحفر له قريبا من كوخه ودفنه على أمل أن تسجل الجريمة ضد مجهول، حزن الفلاحون لقمرهم حزنا شديدا، وبعد أيام فوجئ السارق بأن غرسة نبتت في مكان دفن القمر وصارت تنمو وتكبر بسرعة، حتى إذا حل منتصف الشهر أثمرت الشجرة بدل القمر أقمارا، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.
الثورة لا تموت وإذا سرقت تثمر ثورات، ويستطيع الظالم أن يقطع ورد البستان ولكنه لا يستطيع أن يحجب الربيع. وسواء من أفلح في سرقة ثورة الربيع في مصر أو من يحاول سرقتها في تونس أو ليبيا واليمن، لن يبوء إلا بالفشل، ولاسيما بعد أن قلبت الموازين السحر على الساحر، من سرق الربيع هم دعاة الحرية والديمقراطية من الليبراليين العلمانيين، ومن الثوريين اليساريين انكفأوا على أنفسهم ورفسوا بأرجلهم المبادئ التي ادعوا أنهم أفنوا العمر في سبيلها وضحوا لأجلها، فبرهنت الأيام أنهم مدعون وطلاب كراس ومصالح، وأنهم هم الرجعيون الحقيقيون الذين عرتهم التجربة، وكشفت عما تكن دواخلهم، وما تضمر من طويا وخبايا النفس الأمارة بالسوء.
كيف اجتمع اليمين واليسار على سرقة الربيع وما اجتمعوا يوما قط على هدف ولا على وسيلة؟ ولسنا ممن يود إثارة زوابع الماضي والبحث بمزابل التاريخ، إيثارا منا لذكر محاسن الموتى، وسنقتصر على التساؤل، ماذا تعني مطالبة الليبراليين دعاة التغريب وحرية أن ينتخب الإنسان من يثق به رئيسا وفق تقاليدهم الديمقراطية والثورية، وحين تحقق لهم ما أرادوا تراجعوا وكفروا بمبادئهم بعد أن فرزهم الشعب ونحاهم جانبا، ليرجعوا بعد الخيبة إلى ذريعة المطالبة بالتوافق والإجماع اللذين يتنافيان مع حكم الصندوق والديمقراطية، إذا كانوا يريدون التوافق لماذا لجأنا إلى الانتخابات؟! فكيف ارتدوا وكفروا بمبادئهم التي صدعوا رؤوسنا بها زمنا؟
ثورة الربيع العربي التي أزاحت أربعة رؤساء، تونس ومصر وليبيا واليمن، وأوشكت أن تطيح بأربعة رؤساء آخرين سوريا والسودان والجزائر وموريتانيا لولا تخلي الغرب الليبرالي الديمقراطي والروس والصينيون معا عن القيم الإنسانية التي يدعون بها ويتشدقون، وتركوا هذه الدول وخصوصا سوريا تحت رحمة حكام جلاوزة جزارين؛ لأن التغيير لا يخدم مصالحهم، الشرق والغرب المتصارعون على المصالح والنفوذ هم أول من تآمر على ثورات الربيع العربي من الخارج، ولم يكتفوا بذلك، بل دفع كل فريق بأنصاره في الداخل لتلتقي الأضداد على هدف واحد، وبعد أن بدأت مصر تستقل بقرارها، بادر العسكر والفلول بسرقة ربيعها بالتعاون بين الليبراليين الديمقراطيين والاشتراكيين اليساريين وعادوا بها إلى مربع الصفر تحت مظلة الدعوة إلى التوافق التي لم يؤمنوا بها يوما.
وفي تونس تشترك القوى “التقدمية”؛ للنيل من حصيلة الصندوق والديمقراطية، ويرجعون إلى فرية التوافق والإجماع وأنصاف الحلول والتهرب من تحمل المسؤولية، وتحت خيمة التوافق والمصالحة يشارك أنصار صالح باليمن في الحكومة الجديدة؛ لتعطيل مسيرة الربيع وكبح نتائج الصندوق وتخريب الحوار، ومازال الغرب يمارس لعبته القذرة في محاولة تقسيم الأمة لضمان مصالحهم النفطية والإستراتيجية. وللحقيقة التي ينبغي لكل عربي فهمها، أن كراهية العروبة والإسلام والحقد على الإسلاميين هي وراء اجتماع الغرب والشرق اليسار واليمين على سرقة الربيع العربي وتعطيل مسيرته وإبقاء المنطقة تحت رحمة الدول العظمى، ولكن العاقبة للمتقين، (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)، الرعد 17