د.حسن الياسري
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)
* رداً على أسئلة بعض الإخوة الأعزاء؛ ونهوضاً بالواجب الوطنيِّ والقانونيِّ، وإبراءً للذمَّة، وإحاطةً لكم علماً، فإنِّي أضعُ بين أيديكم بعضَ الحقائق – من مصدرها- في حديثِ صراحةٍ ومكاشفةٍ، آملُ أن تحتملوه… وَاللَّهُ وليُّ التوفيق ..
لقد كان من منهاج عملنا أن نفتح أذرعنا لكلِّ من يرمي معنا إلى مكافحة الفساد، بحسب موقعهِ وما يمتلك من اختصاصاتٍ قانونيَّةٍ ..
وهكذا انفتحنا على كلِّ البرلمانيِّين والإعلاميِّين وغيرهم، ولم نستثنِ أحداً، ولم نضع خطاً أحمر على أحدٍ، ما دامت النيَّة منصرفةً إلى مكافحة الفساد..
فماذا كانت النتيجة؟!
(أسمعُ جعجةً ولا أرى طحيناً) !!!!
فكثيرٌ من البرلمانيِّين والسياسيِّين يتكلَّمون، ليلاً ونهاراً، عن الفساد في المؤسَّسات والوزارات وغيرها،
فكُنّا نقوم بالاتصال بهم؛ لغرض مساعدتنا في تقديم بعض الأدلة التي يتحدثون عنها، علّها تفيدنا في محاسبة الفاسد، ثمَّ تأتيك المفاجئة.. فواحدٌ يقول: ” الله كريم” وثانٍ يقول:
إن شاء الله، وثالثٌ يقول: سأزورُكم وأقدِّم الادلة، ورابعٌ لا يردُّ علينا، ووو ..
ثمَّ لا نرى شيئاً من أحدٍ ، إلا من عَصِمَ ربي، وقليلٌ ما هم!!! والأسباب معروفةٌ لديكم، والدوافع معلومةٌ!!!
فقلتُ في نفسي: لعلها استثناءٌ وليست قاعدةً، فعَليَّ الانتظار قليلاً.. فتريَّـثتُ وتربَّصتُ ولبثتُ أمداً، وها أنا ذَا قد مكثتُ عامين في الهيئة، وأقولها لكم بصراحتي المعهودة، إنَّ أكثرَ أصحابِ الصوت العالي لكاذبون!!!
وفي الاتجاه الآخر، بقينا مستمرين في عملنا وطريقنا – بشكلٍ ذاتيٍّ – ولم نعتمد إلا على الباري عزَّ وجلَّ!!!
وعلى الرغم من خذلانِ الناصر، وكثرةِ الكاذبين، وتغاضي وسائل الإعلام عن الإشارة الى عملنا وتقاريرنا الدورية بقصدٍ، وتشويشِ الصورة، وتضليلِ الرأي العام، فإنَّنا نهضنا بواجبنا بقدر ما منحنا القانون من صلاحياتٍ، ففتحنا آلاف القضايا، بين كبرى ووسطى وصغرى، ويكفيك أن تعلم أنَّ إحصائيَّة هيئة النزاهة في عام 2016 فقط شملت تفاصيل متعددةً، ففي الجانب التحقيقيِّ بلغت القضايا الجزائيَّة التي حقّقت فيها الهيئة قرابة الاثنتي عشرة ألف قضيةً، أحلنا الى القضاء منها قرابة التسعة آلاف قضيَّة، وقد استصدرنا عن قضاء النزاهة أكثر من ثلاثة آلاف أمر قبضٍ، منها عشرات أوامر القبض التي صدرت بحقِّ وزراء ومن بدرجتهم ودرجاتٍ خاصَّةٍ، واستصدرنا عن قضاء النزاهة أكثر من خمسة آلاف أمر استقدامٍ، منها مئات الأوامر التي صدرت بحقِّ الوزراء ومن بدرجتهم وذوي الدرجات الخاصَّة، وأصدرت هيئة النزاهة -لأول مرة في تأريخ العراق- مئات قرارات منع السفر منها ما تعلق بمسؤولين كبار -وهي غير قرارات منع السفر الصادرة عن قضاء النزاهة – وأحلنا إلى القضاء عشرات القضايا الكبرى المتعلقة بوزراء ونوَّاب رئيس الوزراء ودرجاتٍ خاصَّة، وحاسبنا بعض المسؤولين الكبار عن جريمة الكسب غير المشروع -لأول مرة في تأريخ العراق-، واستطاعت الهيئة أن تستردَّ وتوقف هدر المال العامِّ بما يزيد على تريليونين ونصف – دينار عراقي- والكلام ما زال في إحصائية عام 2016 فقط، هذا فضلاً عن متابعة ملف عقارات الدولة، واسترداد الموجودات التي ما زالت بحوزة المسؤولين السابقين – التي لم يجرؤ عليها أحدٌ من قبل -، وأعددنا مُسوَّدات مشاريع الكثير من القوانين، وفي مقدمتها قانون الكسب غير المشروع وقانون حماية الشهود وقانون حقِّ الاطلاع على المعلومة، وأكملت الهيئة كذلك إنجاز مئات الملفات المتعلقة باسترداد الأموال والمُتَّهمين في الخارج، حيث تُعدُّ الهيئة المؤسَّسة الوحيدة التي أكملت وأنجزت مهمتها هذه بإقرار الخبراء الدوليِّين، ولم يبقَ أمامنا سوى تعاون الدول الأخرى في هذا الملفِّ، وذلك أمرٌ سياسيٌّ لا علاقة للهيئة به… وغير ذلك الكثير الكثير من الأعمال التي نهضت الهيئة به، فمن شاء الاطلاع فليراجع تقاريرنا الكثيرة المنشورة في الموقع الرسميِّ للهيئة، ولا سيما التقرير السنويَّ لعام 2016 …
لم يكتفِ المُدَّعون وبعض أصحاب الصوت العالي بالكذب، بل طرأت مفاجئةٌ أخرى، تمثَّـلت بأنَّ بعضاً منهم، من الذين أبرمونا بكثرة صراخهم في الفضائيَّات ووسائل الإعلام، قد تحوَّلوا الى أعداء للنزاهة!!! والأسباب معروفةٌ لدينا، إذ إنَّنا فضحنا ممارسات بعضهم، وتابعنا ذممهم لمالية، وربما نذكر ذلك في مناسبةٍ أخرى..
ومن هذا وذاك، ممّا قيل وَمِمَّا لم يُقَل، بات يقيناً لديَّ التسليم بالحقائق الآتية التي لا بدَّ من إحاطتكم بها:
1- (إنَّ العبرة في مكافحة الفساد بالأفعال لا بالأقوال)..
2- (إنَّ مكافحة الفساد ليست شعاراً يُرفع، ولا صوتاً يعلو، إنَّما هي إجراءاتٌ عمليةٌ وآلياتٌ قانونيَّةٌ، تركنُ إلى الجديةِ وتستلزمُ توافرَ الإرادة السياسيَّةِ الحقيقيَّة لدى الفرقاء السياسيِّين).
3- (كم من صوتٍ عالٍ تحسبونهُ من الدعاةِ الى النزاهةِ والأمانة ، وهو من الفاسدين)..
4- (كم من صامتٍ يعملُ بصمتٍ، ولعلكم تحسبونهُ فاسداً، أو لعلكم تشتمونهُ في الــ(facebook) وإخوانه، وهو أفضلُ من أولئك المُدَّعينَ وأقربُ إلى النزاهة)..
5- (إنَّ الخير ما زال قائماً في هذا البلد، وثمة عاملون في القطاع العامِّ يتمتعون بالأمانةِ والنزاهة، وأنتم تقتلونهم كلَّ يومٍ وتقتلون الحافز لديهم بقولكم: كلُّهم حرامية!!!)..
6- (إنَّ كثرة النقد والتهجُّـم، المبنيَّ على أسسٍ غير علميةٍ وغير حقيقيةٍ، بل سماعيةٌ لا أكثر، من إحدى وسائل التواصل الاجتماعيِّ، أو إحدى الفضائيَّات، ولعلكم تنقلون عن أحد مصادر الفساد وأنتم لا تشعرون، كل ذلك سيُسهم في انزواء كثيرٍ من الكفاءات، وهو أمرٌ كائنٌ لا محالة، ولتعلمُنّ نبأهُ بعد حينٍ)..
7- (إنَّ بعض الفاسدين يُسهم عن عمدٍ في إعمامِ ظاهرة الفساد على الجميع، كي ينسحبَ الكفوء، وتخلو الساحة له، ويومئذٍ يفرحُ الفاسدون، الذين يُؤْمِنُون ألا طريقَ لوصولهم إلا بإزاحة الجميع، وعلى رأسهم الكفوء، وإنَّ ممّا زاد الطينَ بلةً أنَّ هذا الأمر أضحى منهجاً معتمداً من طوائفَ شتى، سياسيةً وغير سياسيةٍ)..
8- (إَّن الدِّين باتَ شكلياً وطقسياً لدى الكثيرين – أعني شرائح المجتمع بصورةٍ عامةٍ – ولم يعدْ ثمَّة جوهرٌ للدين في نظرهم، ذلك الجوهر المبنيُّ على أسس التسامحِ والعفةِ والأمانة والنزاهة ونبذِ الفساد واحترامِ الآخر وعدم إسقاط الشخصيَّة بمجرد السماع المبنيِّ على مقولة: يگولون)..
9- (إنَّ المواطن-إنساناً ومؤمناً- لم تعدْ له حرمةٌ البتة لدى الكثيرين، ما دام كلُّ مناصرٍ لجهةٍ او فئةٍ معينةٍ يرى صلاحَ قومهِ وفسادَ الآخرين، وما دام كلُ حزبٍ وكلُّ مجموعةٍ بما لديهم فرحون)..
10- (إنَّ أيَّ اختلافٍ في وجهات النظر يكون كافياً في توجيه السبابِ والشتائمِ وإسقاطِ الشخصيَّة، بلا ورعٍ، وبلا مراعاةٍ لحقوق المواطنة)..
11- (إنَّ الفنَّ الذي باتت تجيده بعضٌ من شرائح المجتمع يتمثَّل بالنقدِ الفارغ دون الإسهام في تقديم أيَّة برامج، وإسقاطِ الشخصيَّة، والتعاونِ على التشهيرِ ونشر الفضائح وهدمِ أسس الوطن لا على البرِّ والتقوى وبناء الوطن)..
12- إنَّ أيَّة ظاهرةٍ سلبيةٍ في المجتمع أمست تنتشر انتشار النارِ في الهشيم خلال دقائق معدودةٍ، ويتمُّ التركيز وتسليط الأضواء عليها، حتى لو كانت وليدةَ شبهةٍ أو عدمَ إدراكٍ للتفاصيل، أمَّا الظواهرُ الإيجابيَّة – والإنجاز – فإنَّها يتيمةٌ لا أحدَ لها، وثمة تعمّدٌ في تهميشها وتقزيمها والتشكيكِ بها، بل وتحويلها إلى ظاهرةٍ سلبيةٍ)..
13- (لم تعدْ مشكلة البلد الآن – فيما يتعلق بقضيَّة مكافحة الفساد – مشكلةً سياسيَّـةً فحسب، بل أضحت مشكلةً مجتمعيَّـةً، بعد أن تأدلجت بعض شرائح المجتمع وأصبحت جزءاً من الصراع).
14- (إنَّ الفساد لم يعدْ مقتصراً على طبقةٍ أو فئةٍ معيَّنةٍ، ولم يعدْ فساداً إدارياً ومالياً كما يدَّعي البعض، بل توسَّعَ وتمدَّدَ ليصبحَ فساداً مجتمعياً تورَّطت به بعض فئات المجتمع، ونحن نتحدثُ بأدلةٍ وإثباتاتٍ، ولسنا في مقام التنظير)..
15- ( وليس ببعيدٍ عمّا ذُكر ، ثمة فسادٌ آخر مسكوتٌ عنه ، ولئن كان الآخرون يخشون الحديثَ عنه، فإنَّنا لا نخشى ذلك التزاماً بواجبنا .. إنَّه يتمثل بـ” بعض وسائل الإعلام” بمسمَّياتها المختلفة، إذ تُعدُّ أحد مصادر الفساد ، بل إنَّ وجه الحقِّ إنَّها كانت سبباً رئيساً للفساد !!!
فكم من وسيلةٍ إعلاميةٍ يديرها فاسدون، وكم من أخرى تُخْفِي وراءها فاسدين، تغطيِّهم وتوفّرُ لهم المظلَّة !! . وبدأت موجةٌ جديدةٌ من فساد الإعلام تمثَّـلت بإنشاء مواقع الــ(facebook) ووكالات إخباريةٍ عبر الإنترنت تُدار من فاسدين، أو من أذنابهم ، وهي عبارةٌ عن موقعٍ بسيط لا يحتاج مزيدَ مالٍ ، وربما لا يعمل به سوى واحدٍ أو اثنين، وما عليهم “الوكالات الإخباريَّة” سوى إطلاق عبارة ( … بريس ) أو ( … نيوز ) ويبدؤون بالنشر تحت مسمَّى قضايا الفساد؛ بغية ابتزاز البعض – وهو الراجح – أو لإسقاطهم سياسياً !!!
فأضحت هذه المواقع والوكالات أشبه ما يكون بـ” دكاكين الفساد” !!! وعند متابعتنا مع القضاء – للوكالات الإخباريَّة – وجدنا أنَّ معظمها غير مُسجَّلٍ في هيئة الإعلام والاتِّصالات، وإنَّ الهيئة اعتذرت عن محاسبتها لهذا السبب !!!!
إنَّ الأدهى والأمرَّ في فساد الإعلام أنَّه يدَّعي محاربة الفساد في العلن، وفي السِّرِّ يوجِّـهُ سِهامهُ للابتزاز ، أو لإزاحة من يقف بوجه مخطَّطات ربِّ نعمته .. والنَّاس بعد هذا “في حيصٍ وبيصٍ يأخذون أخبارهم من هذه المصادر، ويتناقلونها كأنها حديثُ الثقةِ ابن عباس” !!!
ولا يقدح كلامنا هذا في قيمة وسائل الإعلام الأخرى الوطنيَّة، ولا ينتقص من قيمة الإعلاميِّين والصحفيِّين الوطنيِّين ، الذين فيهم قاماتٌ شامخةٌ يفتخر بهم الجميع، وتتواصل معهم الهيئة باستمرارٍ، وتُطلعُهم على مجريات الأمور عبر لقاءاتٍ مباشرةٍ بين الفينة والأخرى؛ إقراراً بدورهم الوطنيِّ ..)
16-( ويسألونني عن اللجان الاقتصاديَّة، فأقولُ: إنَّما عِلمُها عندكم، ومردُّها إليكم، ولقد يعلمُ المُتخصِّصون المتابعون أنَّنا والقضاءُ لم نتوصَّلْ الى نصٍّ صريحٍ للعقاب؛ كونها أشباحاً – كما أطلقنا من قبل – فلا ترى لهم توقيعاً ولا من وجودٍ قانونيٍّ، وإنَّ القضاء يُرِيدُ نصاً واضحاً وقطعياً لا لَبْسَ فيه للتجريم وللعقاب على حدٍ سواء، إذ لا جريمةَ ولا عقوبةَ إلا بنصٍّ، وإنَّ الشكَّ ليُفسرُ لمصلحةِ المُتَّهم، ومع هذه الحيثيات التي لا يدركها سوى المتخصِّصين من أهل الصنعة، فقد تصدّينا لوحدنا – على ما واجهنا من صعوباتٍ – وطالبنا الجميعَ بإلغاء هذه اللجان من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرى قدَّمنا حلاً يكمنُ في أحدِ طريقين يقوم بهما البرلمان:
أما الأولُ فهو إجراءُ تدخلٍ تشريعيٍّ في قانون العقوبات ، بالإضافة أو التعديل ، يكفلُ وضعَ نصٍ صريحٍ بالتجريم والعقوبة ..وأمَّا الآخرُ فهو تخويلُ هيئة النزاهة – تشريعياً – عبر تعديل قانونها ليتضمَّن نصاً يجيزُ لها وللقضاء، إلغاءَ ومحاسبةَ تلك اللجان .. وإلى أن تتحقَّق تلك الأمنية – ولن تتحقَّق – طرحنا فكرةَ تخويل المُفوَّضية العليا المُستقلَّة للانتخابات أخذَ تعهدٍ من الأحزاب كافَّة قبل الانتخابات يتضمَّن إقرارها بعدم امتلاكها لجاناً اقتصاديةً، وعند المخالفة يتمُّ حجبُ الحزب عن الاشتراك في الانتخابات!! كلُّ هذه الطروحات سبق أن سطّرناها وقلنا مراراً، وكنّا نحن المُتصدِّين ، ثمَّ يأتي من بعد ذلك من يسألُنا منهم عنها، والمشتكى إلى الله !!! )
17-(ما يزالُ الكثيرون يسيرون في خُطى مكافحة الفساد، قولاً لا عملاً؛ واستقطاباً للناس انتخابياً لا أكثر!!
وإنَّ منهم من يقولُ بمكافحة الفساد، ثمَّ يطالبُ بشمول جرائم الفساد بقانون العفو بذرائع شتَّى- بحُسن نيَّةٍ أو بسوئها- وإنَّ منهم من يطالبُ بالقضاءِ على الفساد، وتحسبهُ شديداً على الفاسدين، ثم تراهُ – عملياً – يحاربُ المُفتِّـشينَ العموميِّين ويطالبُ بإلغاء مكاتبهم بذريعة الترهُّل والترشيق .. فيذرُ الفاسدينَ ويناصبُ العداء للمُفتِّـش العامِّ، وما ذلك إلا ليفسحَ المجالَ أمامَ الفاسدين ليسرقوا أكثر مع غياب المُفتِّش العامِّ، ومن ثَمّ يصبحُ من يُلاحقُ السُرّاقَ هو السارق!! وإنّكَ أسمعتَ لو ناديتَ حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي !!
وإنَّ منهم من يظهرُ أمامكم بصورة البطل، وعندما نطلبُ منه التعاون معنا لتنظيم عملية ضبطٍ بالجرم المشهود لبعض الفاسدين، يتراجع ولا يتعاون، وكم من حالةٍ مرَّت علينا في هذا المقام ،حيث رفضوا التعاون معنا رغم انفتاحنا عليهم وتقديم كلِّ الضمانات الكافية. فنُدركُ آنئذٍ أنَّ هؤلاء ما تحدَّثوا إلا لحاجةٍ في أنفسهم معلومة لديكم، وليس لمكافحة الفساد )!!
18-( لقد أمسى بعضُ الفاسدين مُتفنِّـناً ومُتمرِّساً في إخفاء الدليل، بل وفي عدم تركِ الدليل بالأساس، زدْ على ذلك أمراً قد لا يعلمهُ كُثر، وهو أنَّ معظمَ حالاتِ الفساد الكبرى لا تظهر على الورق ولا بصورةٍ رسميَّةٍ؛ كونها ناجمةً عمّا يُسمَّى بالعمولات “الكوميشنات” التي تسبقُ عملية التعاقد، من هنا يصعبُ على ديوان الرقابة الماليَّة، وهو المعنيُّ بمتابعة هذه الحالات، كشفها، بل ويصعبُ أيضاً على الأجهزة المحاسبيَّة والرقابيَّة في الدول الأخرى؛ الأمر الذي يُؤكِّـدُ مرةً أخرى نجاعة عمليَّات الضبط بالجرم المشهود في مثل هذه القضايا، بيد أنَّ أحداً لم يتعاون معنا بهذا الصدد من المؤمنين بمكافحة الفساد قولاً، ولم يتعاون معنا سوى بعض المواطنين، ولكن في قضايا تُصنَّفُ بكونها صغرى )!!
19-(ولقد نعلمُ أننا ما زلنا نقاتلُ لوحدنا، وما من ناصرٍ إلا اللهُ والقلةُ القليلة من الوطنيِّين الشرفاء، وإنَّ اللّهَ يدافعُ عن الذين آمنوا، ولئن كُنّا ماضينَ في استقالتنا التي سبق أن قدَّمناها، ولم ولن نتراجع عنها، بل أرجأناها مدَّةً محدودةً؛ بناءً على طلب السيِّد رئيس الوزراء، فإنَّـنا نُؤكِّـدُ أنَّـنا ما قدَّمناها إلا لتكونَ تنبيهاً للغافلين، وصرخةً بوجه الفاسدين)!!!
20- (لعلَّ قتالنا ومحاربتنا للفساد ليس معلوماً لدى غالبية الناس؛ ذلك أنَّنا، ومن معنا من ديوانِ الرقابة الماليَّة ومكاتبِ المُفتِّـشين العموميِّـين، نسلكُ المنهجَ القانونيَّ في عَملِ الأجهزةِ الرقابيَّة، ولا نسلكُ سبيلَ التشهيرِ ونشر الغسيل في وسائل الإعلام؛ لأنَّ القانونَ لا يُتيحُ لنا ذلك، إذ التحقيقُ من الناحية القانونيَّة سرِّيٌ، في جميع دول العالم، والمحاكمةُ علنيَّـةٌ، والكثيرون لا يُميِّـزون بين التحقيق والمحاكمة، ولا يعلمون أنَّ عملنا هو التحقيق السريُّ، وليس المحاكمة.
إنَّ أسلوبَ عملنا هو الأسلوبُ المُعتمدُ في جميع الدول المحترمة، مُتحضِّرةً كانت أو متأخرةً، بيد أنَّه أسلوبٌ قد يُعَـدُّ غريباً في واقع مجتمعنا، الذي تعلَّم على منهج بعض البرلمانيِّين والسياسيِّين القائمِ على التشهيرِ والتسقيط ونشر الغسيل، بعيداً عن الأطر القانونيَّة)..
21- (إنَّ ما ذُكِـرَ في الفقرات السَّابقة لا يُمثِّـل إحباطاً، ولا يُعَـدُّ نظرةً تشاؤميَّـةً، إنَّما قراءةٌ واقعيةٌ تركنُ إلى الأدلةِ وتستندُ إلى الإثباتات، وإنَّ الإصلاحَ يمكن أن يتحققَ إذا سكتَ الــ(facebook) وإخوانُه ومن يُغذِّيه من الإعلام الفاسد، وسكت بعض البرلمانيِّين والسياسيِّين عن الخوضِ في أمور الدولةِ الإداريَّة والقانونيَّة الصرفة، التي لا يُدركون تفاصيلها، ولا يعلمون حيثيَّاتها، ولا يُحيطون بكنهها، وتفرَّغوا لإنجازِ المهمَّاتِ القانونيَّة الملقاة على عاتقهم، وسُمِحَ للكفاءاتِ أنْ تنطقَ وتأخذَ دورها، وتمَّ انتهاجُ الطرقِ القانونيَّة، التي ذكرنا بعضها في رؤية مكافحة الفساد سابقاً، فذلك كفيلٌ بتحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، عملاً لا قولاً)…
و(لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمَْ)..