منعطف شعبي
سلام محمد العامري
Salam599@yahoo.com
جاء اللغة العربية ” الطّاغُوتُ الطاغي المعتدي، أو كثيرُ الطغيان, والطّاغُوتُ كلُّ رأُس في الضلال, يصرف عن طريق الخير.”
اِستبشر العراقيون خيراً, عندما سقط صنم الطاغية صدام, فتنفسوا الصعداء من فضاء الحرية, ومع مرارة الإحتلال الأمريكي, فقد كان الأمل بمن عاد لأرض الوطن, واعداً المواطن العراقي, الذي قاسى الظلم والفاقة, لتحسين أحواله المعاشية.
كل مرحلة من المراحل, تظهر حالات سلبية, جعلت من الشعب العراقي, يفقد ثقته بالحكومات المتعاقبة, ساعد على ذلك تصريحات بعض الساسة, التي كان هدفها إحباط همة المواطن, بعدم مشاركة واسعة في الانتخابات, فزرعوا حالات من اليأس, في نفوسهم لإدامة الفساد, الذين كانوا يروجون, بعدم إمكانية القضاء عليه.
قبيل انتخابات عام 2018, كان شعار الإصلاح هو السائد, من قِبل أغلب القوائم, المشاركة في الانتخابات, ولعدم حصول أي قائمة على أغلبية, تؤهلها لتكوين حكومة, وهبوطٍ لنسبة ما حصلت, عليه بعض القوائم, التي كانت تراهن على شعبيتها, من خلال الوعود الكاذبة, والاستخفاف بالمنتخب, بعملية منح بعضهم مبالغ مالية, فعمد أعوانهم لحرق مخزن صناديق الإقتراع, ليعودوا للفرز اليدوي, ليكملوا عملهم عن طريق تزوير النتائج, ثم التحالف لتكوين الكتلة الأكبر, التي تفلح الجهود السياسية بتكوينها.
إحراجٌ أصاب الكتل السياسية, لقرب انتهاء الفترة المحددة دستورياً, ليصار إلى عملية التفاف, وترشيح رئيس مجلس وزراء, من قبل كتلتين هما فتح وسائرون, والتوافق مع كتل برلمانية أخرى, لتمرير تشكيل الحقيبة الوزارية, برئاسة السيد عادل عبد المهدي, ما بعث الأمل عند كثيرين, من الساسة والنخب الوطنية, فوصفوه برجل المرحلة الشجاع, إلا أنه سرعان ما تبدد ذلك الاعتقاد, فقد فرضت الأحزاب السياسية, مرشحين من قبلهم يمتاز بعضهم بالفساد, والضعف في الأداء, بعد أن أعطوا الضوء الأخضر لعبد المهدي, باختيار حقيبته الوزارية, ويكون المسؤول عن أدائها.
عملية امتازت بالإرباك, فوزير الصحة يكتشف, فساد بمليارات الدولارات باستيراد اللقاحات, ليتعرض للتهديد فيقدم استقالته, وباتت وعود الإصلاح هواءٌ في شبك, ما أدى لامتعاضٍ شعبي, استغله بعض الحاقدين, على العملية السياسية, على الصعيدين, داخلياً وخارجياً, ليشيعوا بين صفوف الشعب, أن ثورة شعبية ستتفجر لإسقاط الحكومة, والعملية السياسية برمتها في أيلول, ثم غيرت التوقيت الى1/10/2019, لتتخلل برامج بعض القنوات, أناشيد توحي لانطلاق تلك الثورة.
الساعة الرابعة عصر اليوم الموعود, انطلقت التظاهرة السلمية في بغداد, لتعود في اليوم الثاني أكثر حدة, فما بين قناني المولوتوف والحجارة, وحرق بعض المكاتب الحزبية, وقسم من الدوائر الحكومية, مؤشر خطير كانت نتيجته, استعمال القوة المفرطة, من قبل بعض القوات الأمنية, التي كان من المفروض, أن تحمي المتظاهرين, فسقط الشهداء من الطرفين, وآلاف من الجرحى, توزعوا بين منتسبين ومتظاهرين, ما سبب فرض حالة الطوارئ من قبل الحكومة.
بسبب عدم إيفاء الحكومة بوعودها, لم تتوقف التظاهرات, فقد انتشرت في محافظات, الجنوب والفرات الأوسط, ولم تلتزم القوات الأمنية, بأوامر رئيس مجلس الوزراء, بعدم اللجوء للقوة المفرطة, بل أن الدور الاستخباراتي, كان ضعيفاً جدا, ليظهر على المشهد المتأزم, خبر يفيد بوجود قناصين مجهولين, ودراجات تجوب العاصمة, يحمل من يقودوها قنابل يدوية! لتزداد نسبة الشهداء والجرحى.
ما كان من الحكومة البرلمان, إلا أن تقوما بإجراءات متسرعة, من خلال اجتماعاتها ورئيس الجمهورية, والقيادات الأمنية كافة, فمُمنع التجوال وقُطع الإنترنيت, وأصبح العراق منقطعاً عن العالم الخارجي, ولعدم السيطرة على الوضع الداخلي, بالرغم من تلك الإجراءات, فقد عملت الحكومة والبرلمان, على إجراء حزمة من الإجراءات الإصلاحية.
عملت الحكومة مؤخراً, على اِستكمال الحقيبة الوزارية, فهل سيتم تنفيذ هذه الوعود المتأخرة؟ أم إنها ستكون محدودة للتوقف, بعد فترة من انتخابات مجالس المحافظات, تحت ذرائع عدم وجود, الميزانية الكافية, وتخمة الدوائر الحكومية, وخوف المستثمرين والفساد؟
طغاة جدد ينتظرون الوثوب, وهم يمهدون لذلك عن طريق شعار, الغاء العملية السياسية تدريجياً, فما بين إلغاء مكاتب المفتشين العموم, وتجميد عمل مجالس المحافظات, فإنهم يلوحون بإلغاء البرلمان, ليعود النظام جمهورياً دكتاتورياً, بصبغة ديموقراطية.
” ألحكم دائماً على سلوك الآخرين بقسوة, هو جزء من الطبيعة البشرية, وعندما تتحول الرياح لتكون ضدنا, ونرتكب نحن هذه الأخطاء, نجد دائماً الأعذار, أو نُلقي اللوم على شخصٍ آخر” باولو كويلو/ روائي وقاص برازيلي.