لقد تغيرت… كلمة تقولها الأم لولدها بعد زواجه الذي كانت تتمناه، وتقولها العروس لعريسها قبل انتهاء شهر العسل، ويقولها الزوج لزوجته بعد ولادة أول طفل، ويقولها الموظف لزميله الذي أصبح رئيسا أو مديرا، ورب العمل للعامل بعد انتهاء فترة التجربة، ويتداولها الأحباب ما تقطعت بينهم الأسباب، ورد كثير على حبيبته عَزة حينما نعتته بالتغيير قائلا:
وقد زعمت أني تغيرت بعدها ومن ذا الذي يا “عز” لا يتغير…
فالحديث عن “قواعد” التغيير من حيث المبدأ: تفترض بدءا التسليم أن التغيير ضرورة نواكب بها سنة الحياة وإيقاعها المستمر المتجدد، فهو سر من أسرارها وأصل في أسس تطورها، وطبيعة فطرت عليها الحياة الإنسانية البيولوجية حيث يولد الإنسان ويموت ويبعث من جديد، يتناسل بتتابع وتوال، التغيير ظاهرة تعلن عن نفسها بعمق في اختلاف الليل والنهار وفي تتابع الفصول، وتفتح الأزهار وذبولها. وتناغم إيقاع حياتنا مع إيقاع الطبيعة يفجر في دواخلنا الحيوية ويثمر التحول الإيجابي، وشبهت “الحياة بزهرة باطنها يتغير ببطء وثبات ليتمخض في كل يوم عن حركة، وفي كل أسبوع عن وثبة، وفي كل شهر عن طفرة” وكل دقيقة تمر بلا تغيير انتصار للذل والتعاسة على النجاح والسعادة، وليس التغيير هدفا لذاته؟ إنما نتيجة طبيعية لحياة إيجابية تتسع للاختلاف، وتستجيب للتدافع. “وما ينفع الناس يمكث في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء” ومثلما نطمع أن يكون التغيير للأفضل هناك احتمال أن تكون نتيجة التغيير إلى الأسوأ أحيانا، وعليه يجب التفرقة بين التغيير الإيجابي، والتغيير السلبي، ولذلك لابد للتغيير من شروط ينبغي توافرها إذا كان هناك طموح للأفضل؟
التغيير مشروع حياة يدخل الإنسان الفعال ضمن حلبة التنافس الحضاري على مستوى المجتمع والأمة والعالم، والله خلق الإنسان في أحسن تقويم، ومكنه في الأرض، ومنحه الإرادة والهمة والعزيمة وهي أركان مقاربة تقترن في الثقة بالنفس والقدرة على التغيير وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”، فإن لم نتغير نحو الأفضل فنحن في تراجع مستمر، يقول سقراط “لكي نحرك العالم علينا أن نحرك أنفسنا” ومن يريد أن يغير العالم عليه أن يبدأ بنفسه فمن نفس كل منا يبدأ التغيير، وتغيير النفس يكون بإعادة هندستها وألا تتعامل مع النجاح والثروة والسعادة على أنها أحلام غير متاحة ومستحيلة وتختلق الأعذار وتتخلى عن الأمل، فأسوأ مشهد هو وجه يأس ليس به ذرة من الأمل.
التغيير الإيجابي يحتاج إدارة تنقلنا من وضع قائم إلى آخر مستهدف عن تخطيط بإرادة وتصميم وقيادة في إطار رؤية واضحة وطريق يمكن التحكم به وفق استراتيجيات تحدد سلفا تنتشلنا من حالة نعيشها واقعا إلى حالة نسعى إليها، فالتغيير الإيجابي أصبح مشروعا حتميا في ظل الانفجار العلمي والتكنولوجي وتحديات العولمة وأثرها في تحديث النظم والإجراءات وليس استثناء طارئا، والمنطق اليوم يفرض التغيير باعتباره مظهرا من مظاهر الحياة المعاصرة.
ومن لا يمتلك هدفا يستقطب قناعاته، لا يمتلك القدرة على التخطيط لغده، ولن يستطيع تأمين قوت يومه، ومن لم يخطط لنفسه ترك غيره يخطط له، والحياة في ظل المستجدات تبدو كرمال متحركة، والوقاية من محاولات الاختراق بل الاجتياح الثقافي والاجتماعي لا تقاوم بغلق الأبواب والانطواء على النفس، ولا تعالج بالأوامر والقوانين واللوائح، إنما المرونة المعهودة في استراتيجيات التنوع، وأي تغيير في البيئة يؤثر مباشرة في الحياة، فما بالك والتغيير اليوم احدث شروخا وتصدعات في بنيتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية فنحن بحاجة إلى إعادة التفكير، وأية قناعات جديدة في اتجاهات التفكير لا تتطلب تغييرا شكليا فحسب، إنما تغييرا جذريا يتناسب ومقتضيات التحديث والمستجدات والتغلب على الجمود والسكون والاستسلام، ومن لا يسعى للتغيير يسعى للفناء، فمن أجل نفسك غير نفسك لتعيش كما تريد لا كما يراد لك.