مسجد براثا وديمومة الخطاب التحريضي ‏
والفتنة الطائفية

علي الكاش
قال تعالى في سورة التوبة/ 18(( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ ‏وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا ٱللَّهَ ۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ)).‏

الكثير من القراء لا يعرف حقيقة مسجد براثا الذي أحتله ـ بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 ـ ‏المجلس الاسلامي الاعلى التابع لولاية الفقيه، ويسيطر عليه العميل الايراني شيخ الطائفية بلا ‏منازع (جلال الصغير)، وقد أحسن من سماه الصغير لأن العملاء صغار دائما وأبدا، بل هم أقزام ‏سفلة. سبق لهذا المسجد ان فجره ثلاثة إرهابيين في 4/4/2006 وأسفر التفجير عن مقتل (85) ‏شخصا وجرح ثلاثة أضعاف الرقم، وظهرت فضيحة بجلاجل، فقد وجدت اشلاء بشر كانوا مقيدين ‏بالسلاسل وهم من أهل السنة، لذلك أطلق عليه في حينه (مسلخ براثا)، ومؤخرا ظهرت فضيحة ‏أخرى، حيث وجدت فيه مطبعة لطبع النقود المزيفة، فقد أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات ‏المسلحة يحيى رسول في 7/11/2020، ضبط مطبعة نقود مزيفة للعملة العراقية في منطقة ‏الشالجية، بالعاصمة بغداد. وتم العثور بداخلها على أموال مزيفة تقدر بثلاثة عشر مليار دينار ‏عراقي وثلاثة وعشرين الف دولار أمريكي، بالإضافة إلى ورق خاص نسيجي وماكنة تستخدم في ‏عملية تلوين العملة وقصها. وتكتمت الحكومة على الأمر كالعادة، عندما يتعلق الأمر بطرف شيعي. ‏ويعتبر هذا المسجد منبر للطائفية المقززة، وجلال الصغير كما هو معروف من عناصر الحرس ‏الثوري الايراني، وخطبه تحريضة ضد أهل السنة، بل خلال الحرب الأهلية عام 2006 ـ 2007 ‏كان يركب سيارة مكشوفة مع عدد من العناصر الميليشاوية المسلحة للقتل على الهوية.‏
ولهذا المسجد محطات تأريخية يمكن التوقف عندها، وسيتبين ان المسجد شهد أحداثا عجيبة لا تقل ‏غرابة عن وضعه الحالي من حيث إرادة الشر، كما ان نشر الفكر الطائفي متأصل فيه وليس بجديد، ‏وربما لهذا السبب اختاره جلال الصغير لديمومة طرح الأفكار الطائفية، وما يتحدث البعض عن ‏قدسيته بإختلاق قصة ملفقة عن زيارة علي بن ابي طالب وصلاته فيه لا صحة لها البتة.‏
ذكر إبن بابويه القمي عن النبي عيسى (ع) وإبراهيم الخليل (ع)” عن جابر بن عبد‎ ‎الله الأنصاري ‏قال: صلى بنا علي (ع) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراه،‎ ‎ونحن زهاء مائة ألف رجل فنزل ‏نصراني من صومعته فقال: أين عميد هذا الجيش،‎ ‎فقلنا هذا، فاقبل إليه فسلك عليه ثم قال: يا سيدي ‏أنت نبي؟ فقال: لا النبي‎ ‎سيدي قد مات، قال: فأنت وصي نبي؟ فقال: نعم! ثم قال: أجلس كيف ‏سألت عن‎ ‎هذا؟ قال: إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثاً وقرأت في‎ ‎الكتب ‏المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي،‎ ‎وقد جئت أنا أسلم، فأسلم، ‏فخرج معنا إلى الكوفة فقال له علي (ع) فمن صلى‎ ‎هاهنا قال: صلى عيسى بن مريم وأمه فقال له ‏علي (ع): فأفيدك من صلى هاهنا؟‎ ‎قال: نعم، قال: الخليل (ع)”.‏‎ ‎‏(من لا يحضره الفقيه 1/ 232). ‏
ـ أي مسجد براثا الذي يعظمه الشيعة أصلة صومعة لراهب نصراني. ‏
ـ لا نعرف هل جلال الصغير نبي أو وصي نبي، فقد ورد في الحديث ” لا يصلي في هذا الموضع ‏بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي”؟ ‏
ـ ان بغداد لم تك قد بنيت بعد، فقد بناها ابو جعفر المنصور بمرحلتين انتهت الأولى عام 146هـ، ‏وانتقل اليها عام 149هـ.‏
ذكر ياقوت الحموي” رَاثا‎:‎‏ بالثاء المثلثة، والقصر: محلة كانت‎ ‎في طرف بغداد في قبلة الكرخ ‏وجنوبي باب محوّل، وكان لها جامع مفرد تصلي فيه‎ ‎الشيعة وقد خرب عن آخره، وكذلك المحلّة لم ‏يبق لها أثر، فأما الجامع‎ ‎فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الأبنية، ‏وفي‎ ‎سنة 329 فرغ من جامع براثا وأقيمت فيه الخطبة، وكان قبل مسجدا يجتمع فيه‎ ‎قوم من ‏الشيعة يسبون الصحابة فكبسه الراضي بالله وأخذ من وجده فيه وحبسهم وهدمه حتى سوّى به ‏الأرض، وأنهى الشيعة خبره‎ ‎إلى (بجكم الماكاني) أمير الأمراء ببغداد فأمر بإعادة بنائه وتوسيعه‎ ‎وإحكامه، وكتب في صدره اسم الراضي، ولم تزل الصلاة تقام فيه إلى بعد‎ ‎الخمسين وأربعمائة ثم ‏تعطلت إلى الآن‎.‎‏ وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية‎ ‎يزعمون أن عليّا مرّ بها لما خرج لقتال ‏الحرورية بالنهروان وصلى في موضع من‎ ‎الجامع المذكور، وذكر أنه دخل حماما كان في هذه ‏القرية، وقيل: بل الحمام‎ ‎التي دخلها كانت بالعتيقة محلة ببغداد خربت أيضا”. (معجم ‏البلدان1/363)‏
وذكر مؤرخ بغداد ابن الجوزي” في هذا الشهر من سنة 398: ‏‎ ‎كثرت العملات ببغداد، وكبس ‏الذعار عدة مواضع، وقصد قوم منهم مسجد براثا‎ ‎ليلة الجمعة و أخذوا حصره و ستوره و قناديله، ‏فجد أصحاب الشرطة في طلبهم‎ ‎فظفروا ببعضهم فشهروا و عرفوا و كحلوا و قطعوا”. ‏‏(المنتظم15/58).‏
وأضاف ” عرف المقتدر أن الرافضة تجتمع في مسجد براثا فتشتم الصحابة، فوجه نازوك‎ ‎للقبض ‏على من فيه، و كان ذلك في يوم الجمعة لست بقين من صفر، فوجدوا فيه‎ ‎ثلاثين‌ إنسانا يصلون ‏وقت الجمعة، ويعلنون البراءة ممن يأتم بالمقتدر، فقبض عليهم، وفتشوا فوجدوا معهم‎ ‎خواتيم من ‏طين أبيض. يختمها لهم الكعكي عليها (محمد بن إسماعيل الإمام المهدي ولي اللَّه)، فأخذوا وحبسوا‎ ‎وتجرد الخاقاني لهدم مسجد براثا، وأحضر رقعة فيها فتوى جماعة‎ ‎من الفقهاء أنه مسجد ضرار ‏وكفر وتفريق بين المؤمنين‎ ‎وذكر أنه إن لم يهدم كان مأوى الدعاة والقرامطة، فأمر المقتدر بهدمه‌‏‎ ‎فهدمه نازوك، وأمر الخاقاني بتصييره مقبرة ندفن فيه عدة من الموتى، وأحرق باقيه‎ ‎وكتب الجهال ‏من العوام على نخل كان فيه هذا مما أمر معاوية بن أبي سفيان بقبضه على علي بن أبي طالب ‏‏(رض) “. (المنتظم13/248). ‏
وأضاف ابن الجوزي” كان ابن عقدة يجلس‌‏‎ ‎في جامع براثا يملي مثالب‎ ‎أصحاب رسول اللَّه (ص)، ‏أو قال: الشيخين يعني أبا بكر وعمر- فتركت حديثه، لا أحدّث عنه بشي‌ء، وتوفي ابن عقدة في ‏ذي القعدة من 332هـ”. (المنتظم14/37).مضيفا ” كان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته ‏مذهبا فاحشا من مذاهب‎ ‎الشيعة، فقبض عليه في دار الخلافة، و تقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ‏ذي‎ ‎القعدة إلى أبي منصور لخطيب ليخطب بدلا عن الخطيب الّذي كان مرسوما به، فلما صعد ‏المنبر دقه بعقب‎ ‎سيفه، على ما جرت به العادة، والشيعة تنكر ذلك، وخطب خطبة قصر فيها عما‎ ‎كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب، وختم قوله بأن قال: اللَّهمّ‎ ‎اغفر للمسلمين، ومن ‏زعم أن عليا مولاه، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا‎ ‎وجهه، ونزل من المنبر ووقف المشايخ‎ ‎دونه ‏حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه واحفظه، وخرج‎ ‎أمره باستدعاء ‏الشريفين أبي القاسم المرتضى، وأبي الحسن الزينبي، نظام‎ ‎الحضرتين محمد بن علي القاضي أبي ‏صالح، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية‎ ‎في هذا المعنى ‏بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب‎:‎
‏”بسم اللَّه الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر، أطال اللَّه بقاء صاحب الجيش،‎ ‎إلى الجرأة على الدين و ‏سياسة الدولة و المملكة، ثبتها اللَّه من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية ‏وبغير شك أنه قد بلغه ما‎ ‎جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الّذي يجمع الكفرة ‏والزنادقة، ومن قد تبرأ اللَّه منه فصار أشبه شي‌ء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان‎ ‎فيه يجري ‏إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب‎ ‎‏(ع)‏‎ ‎ما لو كان حيا، فسمعه لقتل قائله ‏وقد فعل مثل ذلك في‌ الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون للَّه، ما تكاد السموات يتفطرن منه،‎ ‎فإنه ‏كان في بعض ما يورده هذا الخطيب قبحه اللَّه بعد الصلاة على النبي‎ ‎‏(ص)، فيقول وعلى أخيه أمير ‏المؤمنين علي بن أبي طالب‎ ‎مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم فتية أصحاب ‏الكهف، إلى‎ ‎غير ذلك من الغلو المبتدع الّذي تقشعر منه الجلود، ويتحرك منه المسلمون، ‏‎ ‎تنخلع ‏قلوبهم، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر، فلما ظهر‎ ‎ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد ‏إقامة الخطبة القويمة، فأورد‎ ‎الرسم الّذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللَّهمّ ‏صلى على‎ ‎محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه الطاهرات‌‏‎ ‎أمهات المؤمنين،. ‏وذكر العباس وعليا عليهما السلام‎ ‎ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صلى على محمد وعلى ‏آل محمد‎ ‎إمام أئمة الهدى، وعن يساره اللهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى‎ ‎أقام الدعوتين ‏الجليلتين، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه و كسر أنفه ‏‎ ‎أدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه ‏لو لا أنه كان هناك أربعة من الأتراك‎ ‎أيدهم اللَّه فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك، وهذه ‏هجمة على دين‎ ‎اللَّه و فتك في شريعة سيدنا رسول اللَّه (ص) وخلاعة‎ ‎في ذكر الربوبية، والحاجة ‏صادقة، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض‎ ‎البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها ‏الكفرة الفجرة، وأقدموا‎ ‎على ما أقدموا عليه، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البري‌ء بالسقيم، ‏إباحة الدماء الواجب سفحها، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن‎ ‎أجسادها والشد على ‏أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك، والعمل على‎ ‎ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء ‏العسكر أدام اللَّه عزهم في يوم الجمعة‎ ‎الآتية ليكون الخطيب أيده اللَّه في صحبتهم، ويجري الأمر في ‏الخطبة‎ ‎الإسلامية على تقويمها، ورغم من رغم، ولا يكون ذلك إلّا بعد نكاية تظهر وتعم، فإن هؤلاء ‏الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية، وإن لم يدفع‎ ‎هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام ‏وإلّا هدم وذهبت هذه البقية، وله‎ ‎أدام اللَّه تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة ‏في‎ ‎كفاية هذا لمهم، واجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد‎ ‎عليه إن شاء اللَّه ‏بعد فقد لحق تماما الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر‎ ‎معرفته، وقد انهتك‎ ‎محرمه، ويحتاج أن ‏يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الّذي‎ ‎جنى هذه الجناية، ويتعرف من ‏الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا، ويتعرف ذلك من حراس الدروب ‏بعد الإرهاب الّذي يعمل في‎ ‎مثله ويطالع بما ينتهي إليه الاجتهاد إن شاء اللَّه‎.‎‏ وكان الّذي لحق ‏الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلا في داره ليلة الإثنين‎ ‎بالمشاعل، وأخذوا ما كان في داره ‏وأعروه وأعروا ولده وحرمه، وأشفق‎ ‎الوزير والاصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة ‏بركوب الغلمان مع‎ ‎الخطيب، فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم‎ ‎إلى أن تسكن الثورة، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد، فلم يحضر خطيب ولا ‏أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا، وقد كان‎ ‎شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث ‏والسفهاء للفتنة”. (المنتظم15/199)‏
هذا هو مسجد براثا، إستمرار للإساءة لرموز الاسلام، ونشر بذور الفتنة والطائفية.‏

علي الكاش