في أشارة واضحة الى غريمه التقليدي الأتحاد الوطني الكردستاني أشار السيد مسعود البارزاني في رساله له مؤخرا الى خطر أندلاع حرب أهلية في كردستان العراق، واصفا حزب الأتحاد الوطني الكردستاني بشكل واضح ” بالتيار اللاوطني والخطير الذي يسعى لاشعال فتيل الحرب الاهلية وتجزئة الاقليم الى ادارتين”. وجاءت رسالته هذه إثر تصاعد الخلافات بين الحزبين بسبب تمديد ولاية السيد مسعود البارزاني التي ستنتهي في شهر آب الجاري بعد أن تم تمديها لمدة سنتين في العام 2013 . وكان البارزاني قد أنتخب رئيسا للأقليم في دورتين متتاليتين في الأعوام 2005 – 2009 و 2009 – 2013 وهي التي يجيزهما الدستور الكردستاني من مادته 103 في فصله الثاني الذي ينص على أن ” تكون ولاية رئيس اقليم كوردستان أربع سنوات ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية”.
على الشعب الكردي أن يأخذ رسالة البارزاني هذه وعمق الخلافات بين طرفي النزاع في كردستان العراق على محمل الجد وهي تهدد تجربة عمّدها ” الشعب الكردي” بدماء أبناءه لعقود طويلة. فالخلافات بين الحزبين لم تأتِ من فراغ أو هي وليدة اليوم، بل أسبابها عديدة منها ما يتعلق بأعادة صياغة الدستور الكردستاني، وأخرى تتعلق بأحتكار المناصب، ومنها ما يتعلق بالعلاقة مع المركز، ومنها ما يتعلق بحقوق الأنسان، ومنها ما يتعلق بتوزيع الواردات بين الأطراف الحاكمة. وأهمها على الأطلاق هو التهرب من تطبيق أهم مبدأ بالديموقراطية وهذا ما يفعله السيد مسعود البارزاني اليوم أي العمل على عدم تبادل السلطة بشكل سلمي و التهرب من هذا المبدأ بحجة ظروف سياسية غير مؤاتية، لأن هذه الظروف السياسية غير المؤاتية أو غيرها قد تظهر مستقبلا بشكل آخر وهذا يعني توفر فرص غير معلومة للأمساك بقبضة من حديد على السلطة وعدم التنازل عنها حتى مستقبلا.
إن العمل بالدستور يعتبر المفتاح الرئيسي لحل العديد من الملفّات الشائكة من تلك التي تهدد تجربة الشعب الكردي بالفشل عن طريق أندلاع صراع غبي لا يبتعد في أسبابه عن صراعات سابقة بين الطرفين من اجل مصالح حزبية ضيقة دفع ثمنها الشعب الكردي دماء كثيرة وأثّرت طويلا على تبلور ونجاح تجربته، ومن هذه الصراعات هو صراع عام 1996 ودخول القوات العراقية الى كردستان العراق بطلب من الحزب الديموقراطي الكردستاني وانكفاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وانسحابه الى داخل الأراضي الأيرانية. ومن هذا المنطلق فعلى السيد مسعود البارزاني وهو يتوق الى ولاية ثالثة مخالفة للدستور أن يضع مصلحة الشعب الكردي وتاريخه السياسي وعائلته في كفتي ميزان. إن التجاوز على الدستور سيكون مقدمة لمشاكل جدّية في الأقليم متأثرة بمحيطها الجغرافي، خصوصا وأن العراق الذي لازالت كردستان جزءا منه معرّض بعد تحرير أراضيه من تنظيم داعش الأرهابي الى صراعات شيعية – شيعية وأخرى سنّية – سنّية، فهل يريد القادة الكرد أستباق هذه الصراعات بصراع كردي – كردي سببه تمديد فترة حكم السيد مسعود البارزاني وأستئثار أفراد من عائلته بمناصب مهمة وحسّاسة للغاية، وهل هناك نية التوجه الى التوريث ليكون منصب رئاسة الأقليم حصرا على عائلة السيد البارزاني؟
من المفروض على حكومة الأقليم وهي تخوض تجربة سياسية ناجحة الى حد ما مقارنة بتجربة الحكومة الفدرالية العراقية الفاشلة أن تتعلم من أخطاء المركز، الا اننا نرى ان الاداء الحكومي فيها له نفس أمراض الأداء الحكومي في بغداد، فالفساد على سبيل المثال منتشر كما في بغداد وإن بنسب أقل في الكثير من الوزارات والمؤسسات مما أثّر ويؤثّر على عمل وفاعلية هذه الوزارات والمؤسسات. وهذا الفساد والهدر المالي دفع حكومة الأقليم أن تعلن عجزها عن دفع رواتب موظفيها حالما أوقفت حكومة بغداد المستحقات المالية ضمن موازنة الأقليم لفترة إثر الخلاف على تصدير النفط، ما تسبب بأندلاع مظاهرات وأحتجاجات وأعتصامات في الأقليم ما أثّر سلبا على حياة المواطنين.
أن أحتكار المناصب وتوزيعها لا تختلف بشيء عن توزيع المناصب في حكومة المحاصصة ببغداد لا بل أسوأ في بعض الحالات، فرئاسة حكومة الأقليم هي من نصيب عائلة البارزاني ممثلا بـ”نيجرفان” وليس الحزب الديموقراطي الكردستاني و مركز نائب رئيس وزارء الأقليم هو من نصيب عائلة الطالباني ممثلا بـ”قباذ” وليس بحزب الأتحاد الوطني الكردستاني، أما المناصب الأمنية الحسّاسة والتي تتعلق بالأمن القومي الكردي فأنها من نصيب عائلة البارزاني تحديدا، وهذا التوزيع غير العادل الذي أمتد الى العديد من المؤسسات يثير العديد من الأسئلة وسط الشارع الكردي، كما أثار ويثير حفيظة الاتحاد الوطني على رغم انجراره هو الآخر الى سياسة أشبه بسياسة التوريث، فهل خلت قيادة الحزب وقواعده من الذين قاتلوا نظام البعث لعقود ، من شخصيات قادرة على أن تستلم مهمة قباذ الطالباني!.
أن أحدى نقاط الخلاف الكبيرة بين الحزبين هي نوع العلاقة مع المركز، فالأتحاد الوطني الكردستاني يميل الى بناء علاقات كردية – عراقية في ظل هذه الظروف السياسية المعقدة على اساس أن كردستان ، جزء من العراق وعليه يجب العمل على ان تكون العلاقة بينهما مرنة ومتواصلة، في حين أن الحزب الديموقراطي الكردستاني يميل نوعا ما الى علاقات متشنجة مع بغداد مستغلا ضعف حكومة المحاصصة وطائفيتها خصوصا عهد حزب الدعوة الأول والثاني، هذا التشنج دفع بالسيد مسعود البارزاني مرارا الى أن يصرّح بتصريحات ذات سقف عال وغير قابلة للتحقيق في ظل الظروف الموضوعية التي يمر بها العراق والمنطقة، ومن هذه التصريحات تهديده بالأنفصال عن العراق إثر كل خلاف وخصوصا حول ملفّات النفط والميزانية والمادة 140 . علما أن حق تقرير المصير هو حق طبيعي للشعب الكردي كما هو هدف مشترك بين جميع الفصائل الكردية ومنها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني نفسه. وقد وصلت مناكفة حكومة الأقليم للسلطات الفدرالية ببغداد حدّاً أن تكون أربيل مأوى للخارجين عن القانون والمتهمين بالأرهاب والبعثيين ممّن ساهموا ويساهمون في إذكاء نار الحرب الطائفية ومن أولئك الذين يمجّدون تنظيم داعش الأرهابي، كنائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي الذي كان ضيفا عليها والعشرات من رجال “الدين” والقبائل الذين يصرّحون بتصريحات مؤذية ضد كامل العملية السياسية بالبلد ولا يخفون حنينهم للنظام البعثي المنهار.
إن الحفاظ على نجاح التجربة السياسية في كردستان العراق لا يأتي بمعزل عن نجاح التجربة السياسية في العراق فمن غير الممكن بناء نظام سياسي اجتماعي اقتصادي محمي من خلال وضع أمني مستقر، وبقية العراق يعاني من سوء الأوضاع السياسية والأجتماعية والأقتصادية ومن عصابات داعش وميليشيات طائفية تهدد واقعه الأمني الهش بشكل مستمر ومؤثر. علما أن الواقع الأقتصادي ممثلاً بالجانبين الزراعي والصناعي البائسين في كردستان العراق لا يختلف بشيء عن مثيله في العراق الفدرالي. لذا فهناك ضرورة حتمية تقع على عاتق الساسة الكرد وهي العمل على بناء نظام ديموقراطي حقيقي قادر على أيجاد حلول جذرية للمشاكل السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي يمر بها الأقليم بعيدا عن الهيمنة الحزبية أو المناطقية أو القبلية، وبناء علاقات طبيعية ومتوازنة مع بغداد وذلك بالأبتعاد عن التصريحات المتشنجة والغير مبررة أحيانا كثيرة والتي يتم أستغلالها لتهييج الشارع العربي ضد الشعب الكردي كونها مضرّة على كامل المشهد السياسي العراقي ومنه المشهد الكردي.
وعودة الى رسالة السيد مسعود البارزاني حول خطر أندلاع حرب أهلية أقول، لا يجب أختصار نضال الشعب الكردي وتضحياته بشخص فرد أو عائلة، فالشعب الكردي قدّم من التضحيات ، الكثير وينتظر من قادته الكثير. فلتحتكم القوى الكردية الى الدستور والى أسس النظام الديموقراطي في حل مشاكل الأقليم وهي ليست بالقليلة وليس الى السلاح، كون الحرب هذه المرّة ليست بالنزهة وستطيح بتجربة الشعب الكردي هذه لسنوات طويلة من الصعب التكهن بها.