Jun 9, 2004
بقلم: محمد كاظم الجادري

( املاها وهو مقال من مناصبه في الجزائر وكانت احدى اسباب اغتياله وتصفيته في الكويت من قبل المخابرات العراقية ) انشر هذه المذكرات لما تحتويه من فوائد, واسرار تاريخية حول ارهاب, ومؤامرات البعث الاسود من جرائم قتل, وتعذيب, وتهجير جماعي قل نظيرهما في الحكومات, و الانظمة السالفه, و على لسان احد اقرب الناس انذاك من الرئيس المقبور احمد حسن البكر واحد رموز وقادة ,ومؤسسين هذا الحزب الاسود. املا في استفادة الشعب العراقي وغيره من هذا الحقبة التاريخية الهامة من تاريخ العراق. …… ( محمد كاظم الجادري ) ….. ابوميثم الحياوي المقدمه :- 1/ اب / 1971 عبدالله طاهر التكريتي تعرفت على المرحوم حردان الحاج عبد الغفور التكريتي في المدرسة الابتدائية الوحيدة التي كانت في تكريت حتى مدينة سامراء الاثرية الشهيرة لقد كان المرحوم الطفل الاذكى بين كل اولاد الصف وكنا نهابه لبطشه وقوته …

واذكر انني كنت منذ الطفولة من اصدقائه والمقربين اليه فقد كانت المدرسة مقسمة بين حردان الحاج كما كنا نسميه – والمرحوم عبد الله السوفي وكان كل واحد منا يجمع (( زلمته )) ويريد ان يفرض سيطرته على المدرسة كلها وكانت علاقات حردان غير طيبة مع المعلمين وقد تلقيت مرة صفعة شديدة منه عقب مبارات بكرةالقدم اجرينها مع جماعة عبد الله جعلتني انسحب لمدة شهر كامل من(( زلامة)) حردان وانخرط في جماعة عبد الله ولكن الخوف ظل يلازمني طوال ذلك الى ان ((تبت )) الى حردان ودخلت مرة اخرى تحت (( بيرقه )).

لا اريد هنا التحدث عن تلك الفترة ولا عن الفترة التي تلتها في المدرسة الثانوية في سامراء ثم دخولنا الكلية في بغداد انما فقط اريد ان اكشف عن الصداقة المتينة التي كانت تربطني منذ الطفولة بالمرحوم حردان الحاج عبد الغفور والتي امتدت الى زمان رئاسته للاركان في عهد عبد السلام عارف ورئاسته للاركان في سنة 68 ثم توزيره بعد ذلك … وقد تنقلت في عدة مناصب هامة سنة 63 احلت بعدها الى التقاعد بعد الاطاحة بالبعث على يد عبد السلام عارف في 18 / تشرين الثاني 1963 . من ذلك اليوم عرفت ان مصيري يرتبط – شئت ام ابيت – بمصير المرحوم حردان الحاج عبد الغفور التكريتي فتوثقت صداقتي معه عندما كان انسانا عاديا خلال الفترة بين 63 الى 68 وفي الايام العصيبة التي عشناها بعد الاطاحة بالبعث كان المرحوم ياخذني الى بيت (( ابو هيثم )) احمد حسن البكر الواقع في محلة علي الصالح في بغداد وكان احمد حسن البكر يتظاهر اذ ذاك بانه بياع الحليب حيث كان قد اشترى بقرة – (( هايشة )) حسب التعبير العراقي الدارج – واعلن انه اعتزل السياسة نهائيا بعد قضاء 9 اشهر في رئاسة الوزراة العراقية في حكومة عبد السلام عارف . ولكن (( هايشه )) لم تكن الا تغطية للاجتماعات السرية التي كانت تتم في بيته ويتدارس فيها الامور ))

وفي احدى الاجتماعات التي حضرتها بدوري تقرر : – تنظيم اكبر عدد ممكن من الشباب العراقي واللبناني لانه كان قد حصل على (( مال )) من بيع احدى ممتلكاته كما تقرر اجراء اتصالات مع السياسين السابقين لاجل تدبير انقلاب عسكري ضد عبد الرحمن الذي قال عنه ابو هيثم انه (( اجبن )) رئيس يراه العراق في تاريخه . في غضون الايام الاولى من سنة 1965 ارسل صدام الى لبنان ليقوم بتنظيم الشباب اللبناني وليجري اتصالات مع بعض الدول بشان الانقلاب كما كلف بالتنسيق مع عفلق الذي كان انذاك يقيم في فرنسا وياتي الى بيروت بجواز سوري مزور باسم (( انطوان طعمة )) ولقد عرفت خلال اتصالاتي بابو هيثم الكثير من صفاته وعقده النفسية وترجع معرفتي به الى ايام المرحوم (( مولود مخلص التكريتي )) الذي كان يخطط لعشائر تكريت الاربعة الرئيسية لكي تصل الى مستوى السيطرة على العراق كله وكان لذلك ينظم شباب تكريت الذين كانوا يتلقون دروسهم في بغداد ينظمهم في الاحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها السياسية : اثنان في الحزب الشيوعي … اربعة في حزب البعث خمسة في الحزب الوطني الدمقراطي .. الخ ليضمن لنا الوصول الى الحكم عن اي طريق يحتمل . وفي الواقع فان الرئيس لم يكن ذكيا الى درجة ان يولي المرحوم مولود مخلص اهتماما كثيرا به ولكنه كان خبيثا الى درجة كبيرة ولانني لا اكتب مذكراتي الخاصة فانني لا اكشف عن مدى خباثة ابو هيثم وساكشفها في مذكراتي انشاء الله .

اما هذه المذكرات فهي تعتبر بحق تحليلا صادقا عن جزء متقلب من تاريخ العراق الدامي وانا وان كنت اختلف مع المرحوم صاحب المذكرات في بعض وجهات نظره ولكنني لن اغير فيها لان ضمير الذي ظل مستقظا رغم الركام الكبير الذي يتحمله ويحملني على ان لا اخون كلمة واحدة من المذكرات التي لم اكن اعزم على نشرها بعد ان عرفت السلطات العراقية بها فاخذت تلاحقني وذلك حفظا على عائلتي التي تتالف من زوجتي وابنتي (( هدى )) و (( ابتسام )) وابني الصغير (( شاكر )) غير ان اقدام السلطات العراقية باغتيال اخي (( محمد طاهر التكريتي )) واعتقال رفاقي والملازم اول اسماعيل عبد الجبار غزاوي والعقيد هادي خماس والعقيد عبد العزيز احمد هو الذي دفعني الى نشرها رغم انني اعرض حياتي وحياة عائلتي لخطر جدي بذلك كما عرض المرحوم حياته للخطر وقدمها هدية متواضعة للشعب العراقي الذي لا اضن انه يكن كثيرا من العداء للمرحوم وقصة هذا المذكرات تبتدا من اليوم الذي وصل فيه المرحوم الى الجزائر العاصمه بعد اعفائه من مناصبه وترحيله الى هناك بعد رجوعه من جولة استجمامية في اسبانيا .. فقد بدا المرحوم يكتبها فور وصوله الى الجزائر ويسجل رؤوس نقاط المواظيع وعندما لتحقت به بعد ابعادي من العراق واعفائي من جميع مناصبي بسبب صداقتي الخاصة معه اخذ المرحوم يملي علي بعضها ويكتب هو القسم الاخر … انني في هذه المذكرات وان كنت اخون صداقتي الشخصية مع كبار قيادة البعث ولكنني حقا لا اخون ضميري الذي يعرفني ان السكوت على الجريمة جريمة كبرى لا يغفرها التاريخ . وطبعا ان هذا القسم هو جزء من ثلث المذكرات التي ستنشر تباعا وهي عبارة عن مجموعات احداث جرى تسجيلها بصورة متفرقة . (( 1 / اب / 1971 عبد الله طاهر التكريتي )) . حردان عبد الغفار التكريتي :-

المذكرات : – بعد اسبوع واحد من حركة 30/ تموز / 68 ذهبت الى (( ابو هيثم )) احمد حسن البكر وقلت له بالحرف الواحد – : انا لا اشك في اننا يجب ان نبذل الكثير لكي نستمر في الحكم وقد يتم لنا ذلك ولكن الذي اشك فيه هو ان نظل مخلصين لبعضنا البعض ولهذا فان علينا- ان نحصل على ضمان لاستمرار صداقتنا الحاضرة … اجاب : – الا يكفي ان القوات المسلحة كلها تحت تصرفك الان ؟ . قلت – : ان الذي اخافه هو ان تطغني انا القوات المسلحة انت تعلم ان الزمان متغير . قال – : لا باس .. هل انت توافق على (( الحلف )) ؟ قلت موافق بمن تؤمن ؟ قال -: بمن تؤمن انت . قلت – : ابو حنيفة كيف ترى ان نحلف عنده ؟ قال اؤمن كثيرا بابو حنيفة ولكن اظن ان (( ابو الفاضل العباس ) بن علي المدفون في مدينة كربلاء خير من يمكن ان يشد تحالفنا كيف ترى ان نذهب اليه الليلة ؟ قلت ليس لدي مانع . الحقيقة فان ابو هيثم كان يبحث هو الاخر عن ضمان يحافظ على ولائنا له بعد ان تمت الخيانه برفيق انقلابنا الدكتور عبد الرزاق النايف وعلى ايدينا : انا وعماش والشيخلي . وفي تمام الساعة الثامنة من نفس الليلة ركبنا سيارة عادية متجهين نحو كربلاء وكنا اربعة : الرئيس ونا واحد المرافقين والسائق ولكي لا ينكشف الرئيس وانا فقد حملنا تابوتا فارغا على سقف السيارة باعتبارها جنازة عادية نحملها لدفنها في النجف . وكنا نلبس اذ ذاك (( الكوفية والعقال )) على الطريقة البدوية . وصلنا مدينة كربلاء في اللحظة التي كان خدام روضة العباس يشتغلون باقفال ابواب الصحن, ولذلك فقد حاولوا منعنا من الدخول وبعد اصرار جدي من قبلنا على اساس اننا بصراويون نريد التوجه الى النجف ليلا لدفن جنازتنا فتحوا لنا الابواب فتوجهنا نحو الراس ووضعنا الجنازة امامنا وبدانا نحلف وكانت العملية مخالفة للاعراف القائمة عند الشيعة في زيارة الجنائز لمرقد العباس مما اثار الشكوك لدي بعض الخدم فتقدم الينا قالا – : هل تريدزن شيئا ؟. قلنا – : لا .. نريد ان نحلف فقط . قال – : تسمحون ان (( احلفكم )) ؟ قلنا – : لا نحن نعرف ذلك . فتركنا حيث حلفت انا اولا – ان لا اخون ابو هيثم وان واجهت ملء الدنيا ذهبا وفضة , وحلف هو ثانيا ان لا يخون بي كذلك … ولقد ارتحت كثيرا عندما تمت عملية (( الحلف المقدس )) فقد ظننت بسذاجة انني كسبت صداقة (( ابو هيثم )) الى الابد والم اكن اعرف ان الحلف لم يكن الا خداعا جربته انا على نفسي واستسلت له بناءا على اقتراحي انا … والان اذ تعود الذاكرة الى تلك الليلة اتصور ان الحلف المقدس انما كان لخيانتي والا فلمادا سفرني الى هنا ؟ ولماذا بعد ذلك قتل زوجتي ؟ والطريف ان الرئيس حلف بعد اسبوعين فقط من بعد تلك الليلة مع صدام حسين للابقاء على الصداقة وجرى الحلف في نفس المكان الذي حلفنا فيه .. وعلى كل حال .. فقد انكشفت لعبتنا تلك الليلة وعرف احد الخدم ( ابو هيثم ) فتقدم اليه وطالبه ان يسمح له باعلان المحافظ ولكن ابو هيثم رفض ذلك باعتبار انه مستعجل للرجوع الى بغداد وفعلا فقد رجعنا الى بغداد ووصلنا الى القصر الجمهوري قبيل الفجر بلحظات . ويجدر بالذكر ان الرئيس رفض تلك الليلة ان يقوم بزيارة سيدنا الحسين رغم اصراري عليه مؤكدا بالحرف الواحد : انا لا اعتقد بالحسين فهو كان يستحق القتل بسبب تمرده على حكومة يزيد . وعندما قلت له – : ولكن العباس كان مع الحسين في كربلاء وقد قتل معه . وربما في سبيله ؟ قال -: هذا صحيح ولكني اعتقد ان الحسين غرر باخيه العباس .. فقد جلبه معه على اساس ان يصبح وليا للعهد , ولم يكن اخلاصه الا للنخوة العربية التي كان يتمتع بها . ولا ادري بالضبط من اين كان ياتي بمثل هذه النظريات التي كان يتحفنا بها من حين لاخر ؟ . ان التاريخ يكشف عن تفاصيل قضية الحسين ولكن الرئيس كان يصر على مخالفة التاريخ وليس هنا فقط بل في كل تحليلاته التاريخية تقريبا , فقد كان يعتقد مثلا ان الخوارج كانوا يمثلون الروح الثورية العربية وكان يقول : لو كنت في عصر علي ابن ابي طالب لما وسعني الا الانخراط في صفوف الخوارج . والواقع , فان الرئيس متاثر جدا بشخصية معاوية بن ابي سفيان , ولذلك فانه يحمل حقدا اسود لعلي بن ابي طالب وليس اهماله لمدينة النجف الا نتيجة هذا الحقد . واظن انه لا يعتقد بالعباس ايضا الا بمقدار ما يجلبه العباس له من ثقة اصدقائه ولا فما معنى قتل زوجتي وابعاد اولادي واعفائي من جميع مناصبي كلها بشخطة قلم ؟ . صحيح انني قلت لرفاقي بعد العودة مباشرة من القاهرة التي حضرتها لامثل الرئيس في تشيع جنازة جمال عبد الناصر – : انني لا استطيع التعاون معهم طويلا بسبب التصرفات الخارجية غير المسؤلة التي جلبت لنا عداء كل الدول العربية وسبب الفساد العريض الذي يلف العراق كله . ولكن هل كان على الرئيس ان يناقشني في ذلك ؟ ام ان يعاملني معاملة عدو ؟ ولو فرضنا انني اصبحت عدوا – كما اتهموني – اريد التقارب مع مصر فهل زوجتي اصبحت عدوة ايضا ؟ فلماذا قتلوها وهي حامل ؟ فبعد تسفيري الى هنا ( الجزائر ) اخبروها ان عليها ان تلتحق بي في الجزائر , وانها يجب ان تقضي عمرها كله هنا وامروها بمغادرة العراق خلال ثلاثة ايام فقط , وامتثلت للاوامر , وحجزت مكان في الطائرة العراقية التي كانت ستتوجه الى هنا وفي المطار طالبوها بشهادة التطعيم ضد الكوليرا ولم تكن هي تحمل مثل ذلك , فأجبروها على التلقيح . ولكن ماذا كانت المادة التي لقحوها بها ؟ لقد كانت مادة قاتلة لم تعش بعدها الا ساعتين فقط , حيث لفظت انفاسها الاخيرة على متن الطائرة وحولها اولادي الستة الذين شاهدوا وفاتها لحظة بلحظة . وكم كان تاثيري عندما استقبلت زوجتي في مطار الجزائر الدولي , وهي جثة هامدة بلا حراك , وحولها اولادي الستة ينوحون , ويبكون . والواقع فان القضية لم تنته بقتل زوجتي وانما تعدت الى القيام بحملة اعتقالات ضد كل من كان ترطني به رابطة صداقة , وتم اعتقال ما لا يقل عن 300 من الظباط والمدنين حتى الان – حسب ما اعلم – وقتلوا ما لا يقل عن مائة منهم . كما مات اربعة منهم . تم الفصل الاول …. محمد كاظم الجادري …. ( ابوميثم الحياوي )