محنة الفكر الأنسانيّ – الحلقة الرابعة
ألسّياسَة و آلأخلاق .. مَنْ يَحْكُمُ مَنْ؟
(ألسّياسة و آلأخلاق؛ مَنْ يَحْكُمُ مَنْ)؛ بحثٌ يُؤسّسُ لعالمٍ جديدٍ رحب سعيد, لكنّ إدراكهُ ثُمّ تصْديقهُ يحتاج لمعرفةٍ نظريّات عديدة و مُقدّمات حول فلسفة الخلق و طبيعة النظام الدولي و ألرّؤى و آلأفكار ألفلسفيّة و آلأجتماعيّة و آلأقتصادية آلتي أبدعها آلفكر ألأنسانيّ و آلسّماوي, أي (ألعقل و آلنقل) منذ أول رسالة سماوية ثمّ آلعهد أليونانيّ ألقديم مرورا بآلمراحل الفلسفية الستة و إنتهاءاً بختام الفلسفة التي مثّلت المرحلة السابعة و إلى يومنا هذا و لو إجمالاً .. كي يتحقّق آلألمام ألكامل و الفهم الجيّد بتفاصيل المحنة التي يمرّ بها البشرية.

و بغيرها لن يصل القارئ ألكريم إلى نتائج مُرضيّة ما لم يطّلع جيداً على كل المشكلة, لأنّها تتعلّق بأسّ ألمشكلة ألأنسانيّة ألمُعاصرة و آلنّظام ألعالمي ألجّديد, و آلمظالم ألتي تجري في آلعالم بغطاء المدنية على أسسٍ “قانونية”” ديمقراطية” شرّعها آلمُستكبرون بدعمٍ من أنظمةٍ كبرى تسلّحتْ بقدرات مالية وعسكرية وإعلامية تخريبيّة عاليّة على آلمستوى التكنولوجي و آلمدنيّ و آلحضاريّ من أجل رفاه و شهوات 300 عضو فقط و من حولهم للتحكم بمصير شعوب ألعالم و ثرواتهم تحت ولاية “ألمنظمة ألأقتصاديّة ألعالميّة”.

من آلمؤسف جدّاً ألقول بأنّ هناك برامج خطيرة جدّاً لم تُعرف ألكثير من تفاصيلها وضعتها تلك ألعصابة ألأقتصاديّة ألتدميريّة للتّخلص من ¾ ألبشريّة على وجه ألأرض بأساليب علميّة متطورة تستخدم فيها آلفايروسات ألفتاكة و أجهزة تكنولوجية معقدة و إشعاعات كهرومغناطيسية و ذبذباتٍ خطيرة و نظام غذائي فاشل خال من الفيتامينات تقتل ألأنسان لمجرد تعرّضه لها, و لم تكشف عنها تلك آلجّهات حتّى للمقرّبين من تلك آلدّوائر ألتي يقودها آلأستكبار ألعالميّ بقيادة تلك “آلمنظمة الأقتصادية” ألأجراميّة!

من هنا جاءت رؤيتنا في هذا آلبحث لتكون آلحدّ ألفاصل بين آلحقّ و آلباطل؛ ألأخلاق و آلسّياسة؛ ألإعمار و آلتخريب؛ ألأصلاح و آلفساد؛ ألعدل و آلظلم, طبقاً للمنهج ألكونيّ ألعادل, ذلك آلمنهج ألذي تشوّه في آلجّانب ألآخر على أيدي طلاب ألدّنيا منذ وفاة ألرّسول(ص) و كما جرى على الرسالت السابقة, لتستمرّ ألفوضى و آلحروب و آلدّمار و آلقتل و آلظلم على ألبشريّة شرقاً و غرباً, و من آلمؤسف أن تكون ألسّلفية ألوهابية أليوم ألأداة ألطّيّعة لتنفيذ أهداف تلك ألرّاية ألشّيطانيّة في آلعالم طبقاً لذلك آلبرنامج ألأستكباري آلأخطر في تأريخ ألبشريّة!

أنّ ما نعتقد به يتناسب مع كلّ إنسان سويّ .. ذي فطرةٍ سليمةٍ يُريد نشر ألخير و آلمحبّة و آلسّلام و آلرفاة و آلعدالة, آلتي تنطلق من مبدأ آلمساواة في آلحقوق بين آلبشر خصوصاً في آلجّوانب ألماديّة و آلمنابع ألأقتصاديّة و آلّتي هي بآلأساس من عطاء ألطبيعة ألتي وهبها الله تعالى للجّميع دون إستثناء .. و ترفض – ألفطرة ألسّليمة – في نفس آلوقت؛ ألطبقيّة و آلفوارق ألمقزّزة بين آلأغنياء و آلفقراء لتعميم حالة ألأستضعاف بين آلبشر بشكل يقف آلأنسان – صاحب ألقلب – معه حيرى أمام تلك آلفوارق ألتي تكبر و تكبر .. و آلّتي ما كانتْ لتكون لولا آلأتّجاه ألخاطئ ألشّيطاني لسياسَة ألحاكمين ألأقتصاديّة لتلك “ألمنظمة” ألّتي يتحكّمُ بها بضع مئات من آلمجرمين ألمحترفين!

أتمنّى على آلباحث ألكريم ألتّأني و آلدّقة أثناء مُطالعة آلحلقات ألسّبعة في بحثنا هذا .. لكونها تحتوي على عناوين كبيرة تخصّ ألنظريّات ألأربعة لعلاقة ألأخلاق بآلسّياسة من خلال معرفة جذور ألأفكار ألّتي سبّبتْ ألمأساة ألأنسانيّة بعد تسلّط ألمُستكبرين على آلنّاس في أكثر بقاع ألأرض بغير حقّ مع بيان طريق ألعلاج بآلمقابل و بوضوح!

ففي ألحلقات ألأولى تطرّقنا لمسألة ألحُكام و طرق تسّلطهم على آلناس و منذ بداية آلتأريخ بوحي من أنفسهم عن طريق ألشّورى و آلدّيمقراطية و آلتّحالفات و وسائل ألبطش و ألأعلام ألمُزيّف و آلمدعوم بآلمال و آلوعود ألكاذبة, بإستخدامهم ألحبائل ألشّيطانيّة و آلمكر و إنتهاز ألفرص لتدويل ألحقيقة من أجل تسلّم ألحكم .. بدءاً بقابيل ألّذي قتل أخاه هابيل و مروراً بفترة ألرّسالات ألسّماويّة ألخمسة ألكبرى و محنة ألسّقيفة حتّى عصرنا ألحديث وآلذي أشيع فيه بأنّ آلحُكمَ و آلسّياسةَ لا علاقة لهما بآلاخلاق و آلقيم و مبادئ ألسّماء!

حيث يعتقد ألبعض جهلاً أو تجاهلاً بأنّ ألسّياسة تستدعي ألتّخلي عن ألقيم ألأخلاقيّة و آلّلجوء الى وسائل و أساليب مختلفة تتحرّر من روابط ألقيم ألأخلاقيّة .. فكانت ألأخلاق و آلسّياسة بالنّسبة لهم مفهومان متناقظان, فهلْ هناك علاقة إيجابيّة أم سلبيّة بينهما, و بأيّ حقّ و مُسوّخ إنسانيّ يؤكدون على هذا آلفصل ألظالم!

و ما آلغاية من آلفصل بين آلسّياسة و آلأخلاق من قبل ألمستكبرين ألحاكمين؟

ألبعض كـ “أفلاطون” للأسف يعتقد أنّ غاية ألسّياسة هي آلمحافظة على آلدّولة و بذلك فهو يسمح بإسْتخدام كلّ ألوسائل ألمشروعة وغير ألمشروعة من أجل إبقاء ألدولة قائمة و هنا فصلٌ واضح بين آلسّياسة و الاخلاق, و يذهب “ميكافيللي” الى حدّ القول: [إنّ غاية ألسّياسة يجب إختيارها على آلمبادئ ألأخلاقيّة!] إي إنتخاب السياسة بدل الأخلاق.

فالأخلاق يجب إبعادها جانباً لكونها ألعائق ألوحيد أمّا تطوّر ألدّولة, و أساس نظرة “ميكافيللي” هذه مشتقّة من نظرة ألفلاسفة الأوربيين ألّذين سبقوه, و أساس ألفكرة نابعة؛ من أنّ ألأنسان يُعَدّ في تكوينه شرّيراً و لا يُمكن لايّة سُلطة أنْ تَحدّ مِنْ أنانيّته و طبيعتهِ ألشّريرة.

آلسّلطة ألسّياسيّة, و لهُ مقولة مشهورة “ألغايّة تُبرّر ألوسيلة” بمعنى؛ [إنّه إذا كانتْ ألغاية ألّتى تسعى إلى تحقيقها نبيلة في حدّ ذاتها, مثل توحيد إيطاليا فإنّه من آلمُمكن؛ بلْ من آلضّروري ألّلجوء الى الوسائل ألتي تتنافي مع آلاخلاق كالقتل و آلسّجن و آلتّشريد …الخ لانّ الغاية كبيرة من تحقيقها و ضمانها بآلرّغم من الصعوبات الممكنة!].

إنّنا نرى و بحسب تعاليم ألسّماء أنّ سبب مشاكل ألعالم و آلفوارق ألطّبقيّة هو بسبب فساد ألسّياسة و أنظمة آلحكم و تدهور ألعمل ألسّياسي لتجرّدها عن ألأخلاق, بلْ إنّ الأسلام يُؤكد .. بلْ و يستوجب تبنّي و إعمال ألأخلاق في آلسّياسة و بآلعمق من آلدّاخل و آلخارج طبقاً للأسس ألأخلاقيّة ألقرآنيّة ألتي إنتهجها آلرّسول(ص) و من بعده ألأمام علي(ع)!

لكنّ “ميكافيلي” يرى للأسف أنّ هذه ألسّياسَة ألمبنيّة على آلأخلاق و آلعدالة ستنهار بسرعة .. و لا غرابة لرفض “ميكافيللي” للسّياسة ألمبينيّة على آلأخلاق لأنّه ينظر للانسان بصفة عامة نظرة سلبيّة و شرّيرة إنطلاقاً من آلواقع ألأوربي ألمسيحيّ ألّذي مرّ بمناسباتٍ مُختلفة!

و انطلاقا من هذه ألنّظرة – و آلّتي هي إنعكاس لحقيقة آلوضع في أوربا و آلغرب إبان آلقرون ألوسطى و إلى يومنا هذا – إعتبروا آلقوانين ألوضعيّة هي آلوسيلة للحدّ من أنانيّة ألانسان و ميله الى آلنزاع و آلتّملك و آلسّيطرة كما يرى “ميكافيللي”!

و بحسب نظريّته؛ [فإنّه يجب على آلحاكم إستخدام ألمكر و آلخداع لتمكينه من فرض سيطرته على آلمحكومين و جعلهم عبيداً لدفع الضرائب و خدمة النظام و يجب أن تسود نفس ألصّفات في آلتعامل مع آلدّول في آلسّياسة ألخارجيّة].

إنّ هذه ألنّظرة ألميكافيليّة ألسّلبية ألتي تُدين طبيعة ألإنسان و تصفها بالشّر من خلال ألتعامل ألأحادي لا تعبر عن طبيعة ألانسان تعبيراً صادقاً و دقيقاً و علميّاً, و بذلك فانّ نظريّة ميكافيللي ألسّياسيّة؛ قائمة على أساس نظرته تلك للأنسان و آلحياة و آلتي تتعارض تماماً مع فلسفة ألخلق و آلوجود و آلغاية من وجود ألكون و ألمجتمع ألذي هو عبارة عن مجموعة من آلأفراد غايتهم؛ ألمصالحة ألعامّة و آلخير ألعام و آلتّعاون على آلبرّ, و لا يُمكن تحقيق هذا آلأمر إلّا في إطار ألمبادئ ألأخلاقيّة.

لكنّ “كانت” بعكس ألكثير من آلفلاسفة يرى؛ [أنّ غاية ألسّياسة هي آلحفاظ على آلأنسان لأنّهُ كائنٌ أخلاقيّ و من هذا يجب أنْ تقوم آلسّياسة على أسسٍ اخلاقيّة حتّى تتمكّن من آداء مهامها على آلوجه ألصّحيح و اذا كانت ألحريّة ضرورة أخلاقيّة فانّ ألسّياسة أيضاً ضرورة أخلاقيّة و هدفها آلحفاظ على حريّة ألأفراد و آلمجتمع]ومن الجدير بآلذكر أن “كانت” وأقرانه لم يُبيّنوا أو فاتهم بيان حقيقة الحكومات المجردة عن الدِّين الذي وحده يغذي الناس بآلأخلاق؛ ممّا سبب تسلط الأثرياء بشكل طبيعي على الناس لهضم حقوقهم و جعلهم أدوات لتنفيذ مآربهم!

أمّا “برنارد راسل” فأنّه يرى بأنّ [ألحوادث ألتّاريخيّة ناتجة عن تغيّرات سياسيّة مُعيّنة .. و حتّى يكون ألمُستقبل أكثر أماناً و إستقراراً؛ فلا بُدّ للسّياسة أنْ تقومَ على آلمبادئ ألاخلاقيّة ألّتي تفرض ألتّعامل ألأنسانيّ بين آلحاكم و آلمحكوم, فمصير ألانسانيّة واحد وعلى آلسّلطلات ألسّياسيّة أنْ تُدرك أنّ مصير ألانسانيّة مُتعلقٌ برابط ألسّياسة مع ألأخلاق].

كما أكّد “كانت” ذلك آلمفهوم من زاوية أخرى بقوله؛
[أنّ ظاهرة ألأستعمار ألحديث تعود في مبادئها الى سياسة ألحُكم ألفرديّ ألمُطلق ألذي ساد أوربا] و بهذا مجّدَ “كانت” ألنظام ألجّمهوري.

نحن لا ننكر ألدّور ألكبير ألذي تلعبها آلاخلاق في مساندة ألسّياسة؛ إلّا أنّها قد تكون في بعض ألأحيان عائقاً لها على آلظاهر لتداخل آلحقوق و أهميّة إجراء ألعدالة و آلتي قد تُعرّض بعض أو كلّ مفاصل ألدّولة للسّوء, فآلسؤآل ألذي يسألهُ أهل آلأخلاق هو؛
فما فائدة وجود آلدولة ألتي بظلها يتعرّض المواطن فيه للظلم حتّى مرّة واحدة بإعتبار كرامة الأنسان أعلى مرتبة من الكعبة نفسها و إن هدر كرامة إنسان واحد يعني هدر كرامة كلّ آلمنظومة الأنسانية في آلوجود.

لذلك وضع آلباري تعالى منهجاً لتلافي هذا آلأشكال ألذي يبدو من آلصعب جدّاً تلافيه .. حيث يتمّ تحديد ألأهم و المهم في حالات خاصّة من هذا آلقبيل – خصوصاً حين يتضارب حقّ فرد أو جماعة مع مصلحة عُليا تتعلق بمصير آلنّظام ألأسلاميّ – من خلال نظرية “ألتّزاحم” و آلذي يكون فقط من حقّ “ولي الفقيه” ألبتّ فيه لأنه يشتمل على دماء و ثروات و حقوق آلناس و مصيرهم و هذا آلأمر يحتاج إلى كثير من العلم و التقوى و التسديد الألهي لتحديد الموقف الشرعي العادل من ذلك الموضوع!

و ربّما كان أحد منشأ ألخلاف ألفكريّ و آلتّعارض بين آلمرجعيّة “ألتقليديّة ألنّجفيّة” مع آلمرجعيّة ألقُمّية “ولاية ألفقيه” من تلك آلنّقطة؟

لكن يبقى آلسّؤآل ألأهمّ في هذا آلوسط و آلذي يفرض نفسه في عقل كلّ مفكرٍ و مُثقّف و هو؛

هل تطبيق 99% أو أقلّ .. من آلعدالة ألأسلاميّة مع إحتمال وقوع آلأخطاء ألنسبية ألطّبيعيّة تحت ظل ولاية ألفقيه أفضل؟
أم آلقبول بآلواقع ألسّياسي وآلمظالم ألكبرى حدّ الأبادة الجماعية ألتي تتعرّض لها آلأمّة – الأمم – بسبب آلخضوع للمُستكبرين تحت ظلّ ألولاية ألتقليديّة ألّتي لا تهمّها مصير آلمسلمين ناهيك عن ألأنسانيّة, سوى ما يتعلق بكيانها و من يتعلق بها من الدائرة الضيقة!؟

إنّ كلمة (ألسّياسة) و (آلأخلاق) يجب أن تكون بينهما علاقة إيجابيّة لكي تسير أمور ألسّياسة على أسسٍ أخلاقيّةٍ ليسود ألعدل و ألأمان و آلأستقرار بين أفراد ألمجتمع.

و يتّضح في نهاية ألبحث و من خلال هذين ألموقفين؛ أنّ الصّراع بين “الفكر ألسّياسي” و “آلفكر ألأخلاقي” يتمثّل في آلصّراع بين ألوسيلة و آلغاية!

فتحقق ألأستقرار ألمُتمثّل في تأسيس ألدولة يُعتبر مكسباً هاماً للمجتمع و لا يُمكن أن تكون كذلك و بشكلها آلأيجابيّ إلّا عندما تكون وسيلة لتحقيق ألعدالة و آلأمن و آلطمأنينة داخل ألمجتمع و ليس لصالح ألفئة ألحاكمة!

و بذلك فقط يتّضح بأنّ ألدّولة هي مُجرّد وسيلة لتحقيق تلك ألمعاني ألأخلاقيّة ألسّامية و تُشارك ألسّياسة في إبطال ألافكار و آلتّصورات ألمتمثلة في إبراز آلنفاق و روح ألعداء بين أبناء المجتمع الواحد وبين مختلف المجتمعات ألأنسانيّة, و بذلك فأنّ ألسّياسة ألأخلاقيّة ألمُتوازنة تُبيّن و تكشف ألحدود ألواضحة بين دول ألأستكبار و آلقهر و آلتّسلط و التّوسع التي طالما فرّقت ألشّعوب و آلأمم و سبّبت ألحروب و آلمآسي و بين آلدولة العادلة ألتي تُريد رفع ألمظالم عن ألشّعوب في كلّ ألأرض!
مع شكري و تقديري للمساهمين في نشر هذا آلبحث بين الباحثين آلمتعطشين للحريّة و آلكرامة و آلعدالة و آلمساواة و ألمحبة و ألعشق ألألهي, بدل التسلط و الحرب و المؤآمرات و الهجوم و التحاصص و التآلف لسرقة المستضعفين!
و دمتم أعزّاء بعون الله تعالى .. إنّه رؤوف رحيم.
ألفيلسوف الكونيّ