دائماً عندما نقف وجهاً لوجه أمام المبدعين الكبار لا يسعنا إلاّ أن نعجب من قدرتهم العملاقة على جعل الحياة أجملوعلى خلق النّادر والبنّاء والأزلي من غبار الوجود ومن مبعثر الأفكار والرؤى ومن حطام القبحهذا بالتّحديد ما يهبهم استحقاق الخلود والتفرّد والرّيادةوهي قدرتهم الإنسانيّة القادرة على خلق ملامح حياتيّة خلابة بديعة تعطي الإبداع النّادر والابتكار المبهج الذي يجعل كوكب الأرض مكاناً قابلاً لوهب الحياة والاستمراريّة والفرح الغائب المنشود للإنسانيّة جمعاء.
في العاصمة الأردنيّة عمان في رابطة الكتاب الأردنيين كان الجميع على موعد مع الإبداع والجمال والابتكار والدّهشة مع المخرج الفنان العراقي الكبير المخضرم محمد شكري جميلوذلك في حفل توقيعه لكتابه لغة السينما هي لغة السينما على هامش ندوة له عن الكتاب أدارها الإعلامي العراقي مجيد السّامرائيوشارك في حواريتها نخبة من الحضور الأكاديميين والفنانين والإعلاميين.
ودارت الحوارية على الفكرة الرئيسة في هذا الكتاب التي تتلخّص وفق ما قاله محمد شكري جميل في صفحة 9 منه: خُلقت السينما لتسجّل الحركة الخارجيّة للأشياء والحركة الدّاخلية للحدثوكلاهما يؤلّف مع فترة الرؤيا وعوامل الإيقاع…تتطلّب صناعة السينما أي فلم فكر الفنان السينمائي الذي يفهم معنى اللغة السينمائيّة ويتقن تنفيذهاوكذلك لابدّ له-أيّ المخرج- أن يعلم أنّ الفلم يتكوّن من عناصر ثلاثة هي الموسيقى والشّعر والعمارة أيّ البناءوأيضاً من التّجربة في معايشة الحياة التي تعادل تجربته السينمائيّة لتكون عينة نافذة لالتقاط الصّورة والصّوت معاً.
وقد حمل الكتاب شعار الفنان محمد شكري جميل في الحياةوهو الشّعار المثبت على الصّفحة الأولى من الرّواية إنّي أرى من أجل أن أرى بالرّوح والعقل معاً.وقد تموضع الكتاب في محاور عدّةمنها: المدخل إلى السّينما في البلاد العربيةوالأوربيون والأمريكيونومن أرشيف السينما العربيّةوالسينما السّوريّةوالسينما في الجزائروالسينما في تونسوالسينما في ليبياوالسينما في الكويتوالسينما في العراقوالإنتاج السينمائي العربي إلى أين؟وأفلام الحرب ومخرجوهاإلى جانب التعرّض بالتحليل لكثير من الأفلام العربية الشّهيرة.
ومن يسمع الفنان المخرج الكبير محمد شكري جميل وهو يتحدّث عن سحر السّينما يدرك كيف يعيش المبدع لأجل فنّه ورسالتهوكيف يصبح فنّه سببه الأهم للحياة والاستمرار والعطاء على الرّغم من المعيقات كلّهافنؤمن تماماً بسحر السينما التي عاقرها طوال حياته معاقرة العاشق الولهانونسلّم بقوله الختامي في آخر كتابه في صفحة 152 حيث يقول: من بين جميع الفنون المعاصرة تبقى السّينما هي الأكثر إخضاعاً للتمحيص والتدقيق.لقد جاوز عمر السينما الآن أكثر من قرن من الزّمان ونقد الأفلام السينمائيّة ما زال يواكبنا منذ أكثر من نصف قرنوخلال العقد الماضي حيث غمرتنا الكتب والمجلات والصحف بتعليقاتها على الأفلام.وعليه قد يخال المرء أنّه يجب أن نملك الآن إدراكاً جيداً لمقومات السّينما الجماليّة.
كتاب لغة السّينما هي لغة السّينما هو دفقة جماليّة وتقنية خبراتيّة من مخرج عربي مخضرم أراد أن يقدّم خلاصة تجربته مع السّينما في وثيقة كتابيّة تكون مرجعاً لكلّ النّاشئة بعده لاسيما في حقل الإخراجوهي مبادرة رائدة تستحق الثناء عليهاكما تصلح لتكون إنموذجاً لفكرة تقديم الخبرة مكثفة في وثائق منشورة تغني المكتبة العربية السينمائيّة بكلّ فريد وأصيل.مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ محمد شكري جميل قدّم تجربته على الورق وظلّ الجانب التقنيوهو الأهمفي جوف الفراأيّ أنّ عظمة هذا الفنان لا يمكن أن تدرك من خلال كتابه الورقيّبل من خلال منجزه السّينمائي الذي يقدّم عبر حصيلته الإخراجيةويعجز الورق على أن يجسّدها مهما اجتهد محمد شكري في ذلكوهو من خُلق ليكون مخرجاً لا كاتباً بطبيعة الحال.وتبقى لغة السينما هي لغة السّينما على حدّ تعبيرهوهي لا تُعاين إلاّ عبر شرفو على العمل السينمائي لا عبر سطور ورقيّة عمياء عاجزة عن صنع وتجسيد مشهد مرئي حركي واحد في لقطة سينمائيّة ما.ولذلك إن كنّا تفخر بهذا المنجز الكتابيإلاّ أنّنا نؤمن أنّ عظمة محمد شكري جميل تتجلّى في حرفته السينمائية عبر رحلته الطّويلة والغنيّة في هذا الشأن.
يبقى القول إنّ الكتاب صادر عن دار الأديب للصحافة والنشر في عمان/ الأردن في طبعته الأولى للعام 2013وهو يقع في 154 صفحة من القطع المتوسّط.