بادية شكاط
في كل مرة تئن هاته الأمة وجعاً،وفي كل مرة تثور فزعاً،وكأنها أمة لم تخرج للناس إلاّ لتُذَل وتُداس ،حتى أنّ الجميع لم تعد قلوبهم منا واجفة ،بل يدركون أننا في كل عاصفة نشتعل كعود ثقاب لايلبث أن ينطفئ كسراب،إنّ ردود أفعال هاته الأمة لاتنطلق إلاّ من ضبابية في الرؤية ،ولهذا فهي لاتتمكن من متابعة المسير في كل إرادة للتغيير،فأي قِبلة ستُولّيها هي إمّا قبلة نحو ماضٍ كانت فيه الضحية ،أو نحو مستقبل ستكون فيه هي القضية ،أما الحاضر فهي مغيبة عن الحضور،لأن حكامها مجرد أسماء على قبور،آثرت هممهم الموت صاغرة بضمائر مستترة
فما نشهده من أحداث شارلي إيبدو كما أدرك القاصي والداني ماهو إلاّ شغب إرهابي صهيوني ضد فرنسا ،التي أرادت الإعتراف بدولة فلسطين ،وبالتالي فقد أثارت عداء السامية والموالين لإسرائيل ،
فحرية الإعلام حول قضية الشرق الأوسط ،وحق نقاش هذا الموضوع في فرنسا بات تحديا ديمقراطيا كبيرا كما ذكر الكاتب والباحث الإستراتيجي الفرنسي “باسكال بونيفاس “، فقال في كتابه “من يجرؤ على نقذ إسرائيل ؟” :”يمكن للمرء أن يدرك أنّ العلاقات بين الصحافة والسلطة ذات طبيعة أكثر توترا في وضع الحرب وانتشار الهجمات منها في وقت السلم ،وأبعد من الصعوبات المفهومة يمكن أيضا الإعتقاد بوجود إستراتيجية مدبرة من قبل الحكومة الإسرائيلية القائمة ،وهي إسكات مصادر المعلومات لتجفيف منابع الإنتقادات بالضغط على الصحافة ،وجعل عملها يتم في ظل أكبر قدر ممكن من الصعوبات، باستهدافها معنويا وأحيانا ماديا حتى لا يشار إلى القمع “
فهو إذن تهديد صهيوني صارخ لفرنسا ولإعلامها تحديدا،ولأن فرنسا قد فهمت وأيقنت جهة التصويب، فقد راحت حمايةً لمصالحها تبرِز الولاء بتلفيق تلك العملية بالمسلمين الذين هم للصهاينة أعداء ،والذين تعلم فرنسا حق اليقين أنّ أذيتهم ستجعلهم راضين مستبشرين ،ولذلك لاينبغي أن نجعل من أنفسنا قطع شطرنج يستخدموننا في لعبة المصالح المتبادلة متى شاؤوا وكيفما شاؤوا ،وعلينا أن نوّطن فكرنا،فحال هاته الأمة بات أشبه بحال شخص يُجلَد مائة جلدة في اليوم والليلة دون أن يتألم وحين
لامس مسامعه الأذى ثار وأضرم النار، وكأن الكلام أشد على نفسه من تلك الآلام ،فما قيل في حق الرسول عليه الصلاة والسلام ماهو إلاّ استفزاز، ومن الضعف والمهانة أن نرد على الإهانة ،لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أكبر مِن أن يهان ،ولايهنه إلاّ جاهل مثير للشفقة يحتاج منا إلى بيان ،فما حاجة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى كل تلك المظاهرات والشعارات ؟ وهو الذي قد عصمه جل وعز من الناس فقال :”واللهُ يعصمكَ مِن الناس” الآية 67 من سورة المائدة ،وقال أيضا تبارك وتعالى ” إنّا كفيناك المستهزئين ” سورة الحجر الآية 95
فما استهزأ أحد به عليه افضل الصلاة والسلام إلاّ أهلكه الله في الدنيا والآخرة ،فالله عزوجل قد تولى من قبل ذلك صرف الأذى عنه وهو الرحمة المهداة، حتى أنه قال صلى الله عليه وسلم :” ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً , وأنا محمد”
فإذن لسنا بالأوصياء على الأنبياء ،ولا على هذا الدين الحنيف ،لأنه دين جاء للناس كافة ، وهؤلاء المستهزئين بحاجة إلى أن نعلّمهم بدل أن نعذبهم فذاك فقط مايؤذبهم، ومن أراد أن يسعِد قلب الرسول عليه الصلاة والسلام النقي الصفي، الحليم الرحيم هو أن يترك في ذاته هو قبل غيره بصمةً من أخلاقه العظيمة التي تجعل كل من يراها لايملك إلاّ تقديس خُطاها
وأما تلك الإهانات والإستهزاءات فليست وليدة اللحظة ،وهي في كل وقت وحين ،و تطفو إلى أرض الإعلام فقط متى تواجدت المصالح وتنافست المطامح ، فأي رد عنيف على أولئك الشرذمة ،ما هوإلاّ تغذية لتوجهات الأحزاب النازية والعنصرية واليمين المتطرف ،وتقديم مجاني لأكبر دعاية إنتخابية لها
فينبغي أن نفهم قبل ردود الأفعال سبب الأفعال ،ونمتلك ناصية الوعي ،فلا تحرّكنا العواطف وحدها،
فنُوطّْن معها العقول حتى لا تذبل وتزول ،وهي تُجَر خلف كلّ صيحةٍ كالذيول.