“لم يَبقَ عنديَّ ما يَبتزَهُٰ ألألمُ ، حَسبي من الموحشاتِ الهَمُّ والهَرمُ .
لَمْ يَبقَ عندي كَفاءَ الحادثاتِ أسىً ، ولا كَفاءَ جراحاتٍ تَضجُّ دَمُ .
وحين تَطغى على الحَرانِ جَمرَتُهُ ، فالصَمتُ أفضلُ ما يُطوى عليهِ فَمُ .
وصابرينَ على البـَلوى يُراودهم ، في أن تَضمَهمُ أوطانُهم حُلُمُ .”

كان نحيفاً رشيقاً أنيقاً حلواً، يَنوء بحزنٍ زَخّمٍ، وتُلاحقُهُ المَصائب ، فهُموم الوطنٍ مَغروسَة فيّهِ. تَمتَنع وتَأبى الفَكاك، والفاجعة تَكللَت بالغُربة اللَئيمة الغَريبَة عَنْهُ ، مُزينة بنَكبته الذاتية .

فالبِكِر شامل عرف السجون والمعتقلات، كالكثير من إهل اليسار والوطنية، كان يافعاً يوم حَوَتهُ نقرة السلمان، و نشطاً بعد ١٤تموز ، أشرف على مَكتبة النور، في شارع الرشيد قُبالة ساحة الرصافي، مع ألأُستاذ يَعرُب البراك، وكرت المَسبحة المعروفة، وزار معتقلات، العُهود كُلها من أيام الزعيم ، ولحين رحيله للمجهول ، حيث ترك البلد للمنافي ، ورقد غريباً كقَدَرٍ لَهُ ولأمثاله، أَهْلَ الحُلم وألأمل بوطَنٍ سَليمٍ مُعافى .
وعلى صورٍ مُختلفة، تسرَبَ ألأولاد وتشتتَ ألأهل.( غادر شامل مودعاً دنياه قبل بضعة أشهر، من لندن )

… أما صاحبنا فترك البلد، بعد أن أغتالت سلطة العدم، ولده معين عام/ ١٩٧١ ، وسجن بعد ذلك ظافر مع عماد( ابن شقيقته ) وتشرد هاني ( أحمد )، وكل البقية من أولاده .

أما نصير وَعَبَد المنعم ، فلم يَبرحّا البَلد ، وكانا أقرب للأسرى، وبتضحية كبيرة لرعاية البَقيّة الباقيّة .

لم يعد المَفر لغير رحلة ألإغتراب ، غادر بغداد والعراق المعشوق قسراً، كما جَمهَرة ناسَها المُحبين ، ومع أشتداد الأزمة العراقية المعروفة ، عام ١٩٧٣حيث ترك وعاد للوطن، لصعوبة تأقلمه .
ومكوثه بعدها لمحاولة إنقاذ أبنائه واخرين من أهله وأرحامه ، من أحكام جائرة. وبذل جهداً كبيراً، دون جدوى . ( وعده الجبهويون بالعمل للعفو عنهم، وأن السلطة وعدت خيراً. ! ! ! ؟ ؟ ؟ )

حصل الرَحيل الأخير في ١٩٧٤، بعد تنفيذ حكم الإعدام بظافر وعماد ، وهنا صحَّ َ فيه قول المتنبي أحمد الحسين أبا الطيب :
” بَرَتني النَوى بريَّ المُدى فأحَلنَني أخفُ على المَركوبِ من نَفَسي جُرمي .”
وكانت الوُجهَةُ دمشق الشام كالأم وكعادَتها، تُلملم شَتات العَربي اللائذ بها ، وغير العربي أيضاً. سَكَنَ أول وبداية شارع بغداد ، لأن أسمَها ومُسماها يُطرب سَمعه، ويُهدأ من رَوع غربته. سَكَنَ قبواً كالكثير من أهل العراق ، لتَوفره وقلة كُلفه وتدني ثمن إيجاره.

لاذّ بمقهى الرَوضة / شارع العابد، قرب البرلمان القديم/ الصالحية، ومع أقتراب الظَهيرة يُطلُ على المقهى سيراً ، ويَعود حوالي العَصربنفس الصورة ، والمسافة تقارب الألف متر ، وهكذا يومه ، لايترك
المنزل إلا لضرورة أجتماعية أو واجب .
كان مَجلسه في المقهى مَوضعاً يشدُّ كثيراً أهل العراق الحَزين، ومن لم يتحملهم البلد.
حتى مَسكنه أيضاً ، مَطلَب المَعارف وآخرون . تَحمّلَ الكَثير وبرَّ وأجاد .

…لابد من ذكر مقيم الروضة، لبيد رشيد بكتاش ( أبوحالوب ) اللّذي مَثَلَ هَويتنا لدى رواد المقهى وحتى المارة ، عاشَ فيها قَبلنا وبَعدنا ومازالَ لليَوم يؤرخ عنوان العراقي وهويته الشخصية ومواصفاته، هو نَخلةعراقية مَغروسة، تأبى القَلع وتَمتَنع على مُغريات اللجوء والتَشَتت ، لايبارح الروضة، ولو عُطلت وأُغلقَت لأي سَبب ، يجلس على دَكَتِها عند الباب أو الرصيف، كي يؤدي مَهامه وواجبه ، وليُرضي عشقَه وولَههُ.
هو مؤسَسة كالبَريد والسجل ، يُنظم عنوان العراقي وسَكَنه ، ويَعرِفُه من يَمُرُ على بلاد الشام الحبيبة ، دون استثناء .
قال أبا فرات فيّهِ شعراً عند مَولدِه ، بحُكم صَداقته مَع والدهِ .
ألاستثنائي أبو حالوب جَمعتّهُ بأبا شامل ألفة ومَودة فريدة ، برعاية أبوية مميزة وقيَّم جُهدَه ، وأثنى على جَمال صَنيعه ، وطيبَته وبَساطته وغَيرِيَتهِ.
ويقول عنه بعض ألإخوة من أهل سوريا، بأن أبو حالوب أسطورة، وحبه للشام أسطوري .

…لم يترك حسن النهر هَويته وزيَّهُ المُميّز ، بين عِقال وغُترة ( شماغ )، وملحقات الزِّي، ليؤكد ألإنتماء للعراق وللعروبة . كما لم يترك السيگارة ، ولازَمتهُ وتَماهَت مَع كَرَمه وسَخائه ، مع من يَلوذُ به دون أي أعتبارٍ آخر .

كان صَبوراً جَلداً على المَصاب ، وفِي الحَديث عن الأولاد ، والتَشتُت والكَوارث المارة بحياتِهِ والعائلة، يُكابر دموعه ويَخشاها، وكأني به يُريد ويُردد، ماقاله الشاعر السوري الكبير عمر بهاء الدين ألأميري ( اللّذي اكتشفناه متأخراً، للأسف لم يأخذ مكانه المستحق ) ، ومن أبَدعِ ماقال شاكياً فيها فراق أبنائه ، وتَفرقِهم بالغُربة ليختُمها، بعدَّ طول الوَصف :
“حتى إذا ساروا وقَد نَزعوا / من أضلعي قلباً بهم يَجِبُ .
ألفَيتَني كالطفلِ عاطِفةً / فإذا بهِ كالغَيثِ يَنسَكِبُ .
قد يَعجَبُ العُذالُ من رَجلٍ / يَبكي ولو لَمْ أبكِ فالعَجبُ.
هَيهات ما كُلُ البُكا خَوَرٌ / إنيّ وبيّ عَزمُ الرجالِ أبُ.”

…منذ مُقتبل عُمره وَقفً قريباً للحزب الوطني الديموقراطي منتمياً ، ومعهم ملتزماً، وبميل لفكر اليسار، وجمعته صداقة وإلفَة مع قياداتها.

وعاش في قضاء الصويرة ، حيث العشيرة والاهل والنَّاس، والأرض والزرع ( لحدود الإقطاع ) وبين وبغداد حيث مَلءَ يومه بنشاطِه ومَعرفَته، بمجالات العمل الوطني والاجتماعي والسياسي ، وكان له حظور فريد فيها .

مَكَثَ مُعتقلاً بضعةاشهر بعد شباط٦٣ / وكان ولده شامل، أيضاً وقتها في المعتقل بين العهدين ، واستمر سجيناً لعام ١٩٦٤، منذ ١٩٦٢، بمفارقة فَريدة لامثيل لها بغير بلدنا ، وبعضُ أشباهِنا .

…من مؤسسي حركة السلم عام ١٩٥٤مع نخبة عراقية، لم تَعرف غيرالوطن والوطنية هويةً وانتماءً ، ولها نشاط وموقف، مع أحداث البلد والوطن العربي وألإنسانية .
ولَم يكن أياً منهم يَحيّدُ ليَبحثَ عن الهوية الثانية أوالسابعة !!!، أسوةً بما غَزانا، هذه ألأيام من وَباء وجَوائِح. وأدلة هذا القول يعززها الواقع والسلوك العملي . نَشَأت حركة السلام وعُقد المؤتمر الاول في عقار يعود للدكتورأحمد جعفر الجلبي، والثاني في دارالقاضي وفَقِيه الادارة والقانون الاستاذ عبد الجليل برتو . وبحظور وتجمع لافت ، متحدياً السلطة الحاكمة .

شكل المؤتمر ١٠٣من وجوه المجتمع، منهم عشرون مندوبة . بدءً من الشيخ عبد الكريم الماشطة، طلعت الشيباني، توفيق منير، خلوق أمين زكي، عبداللّه گوران، خدوري خدوري، ونظيمةعبدالباقي(أم غصوب)، نزيهة الدليمي ، شيخ لطيف شيخ محمود الحفيد، إنعام العبايجي ، فاروق برتو، الشيخ محمد رضا الشبيبي ، فيصل السامر، نائل سمحيري .
هذه نماذج منهم فقط، لنتأمل حجم كارثة الْيَوْمَ ، ولمن يُتابع ويبحث يجد المزيد، من هذه الوجوه الكريمة.

بفَحص بَسيط للذوات، تَجدُ خارطة العراق بكل أصنافها ، المهن والاشكال وألألوان وألمشارب وألمسارب ، بهوية عراقية ، طَغَت على غيرها ، ولَم تكن الهويات الثانوية تَعني غير صاحبها، أو حتى لاتَعنِيهِ.

…وكان أبا شامل ، وسط هذا وغير ما هو هذا، وبين كل هؤلاء ألأخيار، وثُلة مَعارفه الشباب كأبناءه ، وعاش مأساتهم بالعمل السياسي ، وكانوا لحبهم
ينادوه بالوالد ، وكان الشاعر فائز الذي رفض أن نناديه بغير فائز العراقي ، المُغرم بالتسمية ولا يرغب بغيرها، يشجع اقرانه لتسمية ألعم حسن، بالوالد.

وفعلاً كان بمثابة الوالد للشباب، وأخاً للآخرين، ونذكر من المقربين اليه ألأخ محمد الحسيني( سعيد العراقي – أبو أمير ) اللّذي عرف بالشجاعة والتعلق بالوطن كهوية، وكان موضع ثقته ورعايته، كَغَيره من جمهرة مختلف الأجيال والمشارب.
علماً بأن السيد الحسيني ، مرَّ بظرف صحي ،عملية جراحية، أخرت الالتحاق بالعمل السلح داخل الوطن ، حيث وصل لسوريا عام ١٩٧٣متسللاً من العراق مع رفاقه ظافر وعماد وناظم، بعد المشاكل والازمات مع بعض منتسبي الحركة الكردية، حيث مازال أتهام بعظهم ، قائماً ، بتسليم مجموعة منهم للسلطة في بغداد.

وبعد بضع سنين، حصل حادث مروع، في عام 1983حيث أصيب ( سعيد ) بحادث سيارة مؤلم ، وفقد زوجته ، وكنت أذهب مع أباشامل لمستشفى المواساة ، حيث رعاه ووقف معه، كوالد لأبنه .
وكان المشهد مُواساة إنسانية حقيقية .

ومازال أبو أمير ، وفياً لذكرى أبو شامل ولموقفه في الغربة ، بشكلٍ يُعجِب ، وبمصداقية نبيلة ، لِمَن كان أباً لهم ، بكل المعنى . وأيضاً مازال مواكباً ومتابعاً للحدث العراقي من غُربته، بجُهدٍ، ويرى أبا شامل قدوةً للآن.

… عمل في المَجال الوطني، من مُقتبل عُمره في العهد الملكي ، واستمرَّ نشطاً بعد ١٤ تموز وبعدالتغيّرفي ١٩٦٨، كان يرعى تنظيماً تشكل خلال ألأحداث والعَصف، عندما أصطَفَّ الكثير مع الجناح ألآخر للحزب الشيوعي تحت مسمى” القيادة المركزية “وشاعت ثقافة وفكرة الكفاح المسلح، وعندها التحق كل من معين وظافر وهانئ ( احمد ) بالثورةالفلسطينية ، وتدربوا مع الآخرين على السلاح ، وعند تفكك هيكل التنظيم ، التَحَقوا بالباقي المُتَمسك منهم. دَبَّ خِلاف آخر، وحَمَلت مَجموعة السلاح، وشكلت تنظيم “جيش التحريرالشعبي العراقي ” وكان عندَّ كل أجتماع أو مؤتمر أو مشورة ، يعتبروه رئيساً فخرياً لهم ( كحب ووفاء ) رغم أنه كان مستقلاً تماماً ، ومَطروح بهذه الصفة ، عند كل لِقَاء أو مناسبة وطنية ، وهيَّ حَقيقتُه وتَوجُهُه الثَقافي والفكري .

التَقيت أبا شامل، بألايام ألأولى لرحلَة ألإغتراب وألفَجيعة المُنهكة، وأنا على معرفة وصداقة بالبعض ألَّذي سَبقني ، ومَجلسُه منتدى له أوَلها وصَدارتها، كَموسوعة حين يُحدثك عن ألأحزاب وألرجال وألمواقف، لسنوات خَلَتْ وبإلحاظروالراهن حِينَئِذٍ، ويَحفظ الشعر ويقرأُهُ ، ويَستَشهِد به خلال حديثه .
وبحَذاقة يَسردُ كل تاريخ الشعر العامي، الشعبي .
كٓتَبَ الدارمي والمَوال( الزهيري)
والأبوذية والحسچه ، وبلغة العارف بأسرارها ومفاتيحها. تابع الأدب والشع وجميع المَسارب الثقافية ، وَلَمْ يَثنِهِ التعب و و و عن القراءة الدَؤوبة المتنوعة .

…كان ألأديب الشاعر سمير السعيدي( ابو وصف ) وأنا، نتمنى ونرغب أن نسجل له وندون ، لكننا كنّا نخشى إحراجه ، أو إشعاره بدنو أيامه، ولابد من معرفة ماعنده مستقبلاً ، والوقت مبكّر للتَدوين ، هكذا أعتقدتُ ورأيتُ يومها .

وعن ذكر( أبا وصف)، كان على علاقة متميزة بصاحبنا المَعْني، وبينهما إضافة لمأساة ألإغتراب، تَجاذب وتَواصل ، بألوان الشعر وهموم الوطن والنَّاس ، وللذكر أُوردُ شيئاً كان يُثير ألإعجاب ويُردِدُه باستمرار:
” يا لايم الروح ما يوم الفَرحْ طابلي ( دخل عندي )
بَسْ دَفّْ لَحزان لو ردّتَه يدُگ طابلي ( يطيب لي )
مَچتول من صيد أمسْ ماظنْ يصحْ طابلي ( علاج وطب )
خَلّي المُضَه للمُضَه أو عن اليْجي بَلغنه ( خبرني )
ولْما يسعْدَ الوَكتْ مايْنسْعّدْ بلْغنه ( الغنى )
الناس غَمْهَه أسْكَرْتْ وتوَنسَتْ بَلغنه ( الغناء )
وآنَ بحالة الغِنه كاسي فلا طابلي ( لا يطيب لي )”

… كنت التَقيه في الروضة ، ومعظم ألأيام نَذهب لسَكنه سوياً ، ونتجاذب السياسة والأخبار ، وحديث في الأدب، وقول الشعر بألوانه ، وكأننا نَتطارَد ، كأيامنا الخَوالي في البلد. وكانت فيه روح النكتة والطرفة، وحتى ألدُعابة ، وبسرعة ملاحظة ودقّة في التلميح ، مُكابراً على وَجَعِّه.

أخر يَوم فِراقِه، أخبرني بأنه مسافر الى لندن لولده شامل ، وأردت توديعه فرفض ، وقال نتوادع هنا، وقال أحفظ عني هذه الابيات الأربعة لأبي فرات، لم يستعمل كلمة ألالم ، في الشطر الاول بل قال ( لم يبق عندي مايبتزه الزمنُ )، وهيَّ خلاف تلك التي ذكرتها مستهل هذا النص.
وبعد سَفرِه وتَنقله ومُغادرته ( توفيَّ عام ١٩٩٤ ) وأدرَكتُ بشكلٍ أعم قَصدَهُ من تَرديدهِ واللَمحة لشعر الجواهري أبا فرات ومَغزاها، رغم عَتبِه عَليه ( وتلك قصة أخرى )

…كانت جُملة من اللقاءات تتم والأستاذ عامر عبداللّه يحظرها، وهو صديق وبإلفة مع أبا شامل .
والأستاذ عامر عبداللّه ، موسوعة تأريخية وسياسية لأحداث العراق، كنّا نَتفقُ على عدم مناقشته أو إحراجه ، حول حدثٍ مضى، واللّذي كان ، كمَوضوع الجَبهة والمُشاركة بالحُكم ، للحَذر وتَجنب الجد والتَمتُع بسماع ما يروي وبما يملك من معرفته ، بمُصَممّيها وصُناعِها. وهو المثقف الدَمث ، يُحتَرم ويُقدَّر فَرضاً، مَهما أختَلَفَ ألآخر مَعَهُ .

…ومن ميزة صاحبنا تلك ألأيام تواصله، فلم يتخلى عن موقفه والعروبي ، والوطني، وكعراقي عاش تحالف الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية ( جوقد ) والجبهة الوطنية الديمقراطية ( جود) ، وانظمَّ مع الكتلة المنسجمة معه وتنظيم
جيش التحرير الشعبي العراقي، لمؤسسة جوقد ، ذات التنظيمات القومية بالإنتماء.
وأيضاً لأنها الأقدم ، ومن غير المناسب التوزع على الطرفين ، وكانت هذه المسألة

سَلبية ومَوضع حوارٍ وجَدل ، تميز به المشروع الوطني حينهاعموماً.

تَركنا أبا شامل الى لندن ، وبعد بضعة أسابيع ، دخل بغداد ( مع عفوٍ عام ، تساهل قليلاً أيام المِحن نهاية العقد التاسع ) وَصَل مُنهكاً، يَبحثُ عن أرضِهِ ليُدفنَ فيها وكأني به يَسمع ويرى تَغريدة ، أم زكي لميعة عباس عمارة :
“أقول سأهجرُ كُلَّ العراق ، ولَستُ بأولِ صَبٍّ هَجَرْ .
ويَهتفُ بي عاصِفٌ لا يُرَد ، مَكانَكِ إن المَنايا عِبَرْ .
هنا تُقتَلين هنا تُدفَنين ، وأما السُرى فَمَناياً أُخَرْ .”

…بعَودته احتفى به من بقيَّ من أهله وناسه وأصدقائه ، وأحَّاطوه مٌكرَّماً مُبجَّلاً ، بصورة تليق بقَدْرهِ وبأستحقاقه، وعَظيمُ جِراحه وحُزنِه وتضحيته.

دفع ضريبة الوطنية والموقف ، كمُعظم محيطه ، حَيثُ غَلَّبَ المَوقف والوطن على كُلُّ إعتبار، ضحى بثروته وترك أرضه ومزارعه، وأستشهد من أستشهد من أبنائه ، والأقارب من أهله أيضاً، وتشرد من سَلِمَ منهم، لتُتْعِبَهُ الغُربَة .

#( جهدي أبداً تجنب حديثٍ مُغرَق بالذاتية والذات . لرَغبتي كأستثناء ، وطَلبَ

بعضُ ألإخوة وألأصدقاء ، شجَّعَ وأرادَ الكِتابة عن إنسان جَميل من بلادي ، لَهْ الحَق علينا لإحياء ذِكراه ، وفيها عبَر ودروس تَستَحق ألإحترام والتَأمّل ، ومنها ما أكررُهُ بأننا لم نَكن نَتّفق على كَثير من الطروحات وقتَها.
وبالوداد المُصان والثقة المُتبادلة تَعزَزتْ، لتَتَوج بألإحترام وبدماثة وعُلُو أبا شامل)# وأذكرُ من قصيدة، البحتري الوليد بن عُبيد الطائي لأقولها لأخي الراحل :
” أخْفي هَوَّىً لك في الضَلوعِ وأُظهِرُ / وأُلامُ في كَمَدٍ عَلَيْكَ وأُعْذَرُ .
فلو أنَّ مُشتاقاً تَكَلّفَ غَيْرَ مَا / في وُسْعِهِ لَمشَى إلَيّكَ المِنبَرُ”

لَكَ الرَحمة والرَضوان والذكر الطَيّب، ولأهلكَ ومعارفِك الهِداية للتأسي .

وللجَميع كل ألإحترام وألوِداد…والسلام

رشدي رشيد الرمضاني