الصحفي الأميركي النبه تيم أرانغو الذي يدير مكتب “نيويورك تايمز” في بغداد، تحدث في آخر تقاريره المميزة عن واحدة من المفارقات الكثيرة التي نعيشها مع حكومة إذ نصفها بالفاشلة فانما نعكس واقعاً لم نكن نرغب فيه. فكلفة فشل الحكومة نحن من يدفعها، وهي كلفة ثقيلة ثمنها الأمن المُفتقد والاستقرار المُضاع، والحريات الناقصة والخدمات الاساسية الشحيحة، والمستقبل الموضوع على كفّ عفريت.
أرانغو كتب عن خطة لانشاء متحف حكومي يُحيي ذكرى ضحايا الاستبداد والقمع الدكتاتوريين في عهد صدام، ويحفظ الشواهد على الانتهاكات الفظة لحقوق الانسان. لكن الزميل الاميركي يسجّل باندهاش ان الحكومة التي تقوم بهذا تمارس هي أيضاً ما لا يفرق كثيراً عن ممارسات نظام صدام على صعيد حقوق الانسان.
في عهد صدام كانت الملاحقات والتعذيب والقتل ممارسة روتينية، ضحاياها ليسوا فقط من المناوئين والمعارضين وانما أيضاً كثيرون ليسوا كذلك، وهم ممن نصفهم تقليدياً بانهم “من أهل الله”. والآن في عهد نوري المالكي تتواصل الممارسات ذاتها .. الاجحاف والتمييز والاعتقال غير القانوني والمعاملة الوحشية من قبل عناصر الأمن والقوات الخاصة، وحتى القتل.
ويلاحظ أرانغو تلاشياً في الأمل بتحقيق الاستقرار بعد عشر سنوات حافلة بالعنف، فيما تتضاعف المخاوف من عودة العهد الجديد الى الاساليب ذاتها التي انتهجتها أجهزة صدام القمعية ضد ناخبي المالكي من الشيعة!
واستحضر أرانغو حملات الإعتقال العشوائية التي شُنت في الاسابيع الأخيرة بعد تفاقم الهجمات الارهابية، وما رافق تلك الحملات من “تعذيب لانتزاع الاعترافات والاستغلال المشين لشهادات المخبرين السريين في كيل اتهامات وطلب رشاوى بشكل متكرر من عائلات المعتقلين“.
نضيف الى معلومات الزميل الاميركي القيّمة ان الممارسات القمعية غير القانونية لا تقتصر على المشتبه في انهم ارهابيون .. فالشباب الوطني الذي تظاهر السبت الماضي ضد فساد الطبقة السياسية تعرض للمعاملة السيئة، خصوصاً في بغداد والناصرية، برغم ان المطالب التي نادى بها المتظاهرون أقرّ المالكي وحزبه بانها صحيحة ومُحقة ودستورية وان التظاهرات كانت سلمية، والدستور يكفل حرية هذا النوع من التظاهرات.
وفي احدى الوقائع جرى، على هامش التظاهرات، اعتقال شخصية سياسية وطنية معروفة، هو السيد عبد فيصل السهلاني الذي كان أحد المساهمين في كتابة دستور 2005، فقد دوهم بيته وأسيء اليه والى افراد عائلته على نحو غير مبرر واقتيد الى المعتقل من دون مذكرة قضائية.. كل ذلك من دون أي تهمة محددة. .. فقط لأنه ينتقد في بعض الأحيان سياسات الحكومة ورئيسها.
وهذه صارت ممارسة روتينية، وهي تشمل حتى الشخصيات غير السياسية من الاختصاصيين في المجالات المالية والاقتصادية وسواها. ومن أبرز الامثلة على هذا ما حدث لخبراء البنك المركزي، فقد لوحق واعتقل عدد غير قليل من أكثر قيادات البنك نزاهة ووطنية، كالمحافظ سنان الشبيبي ونائبه مظهر محمد صالح.. وحتى الان، بعد مرور نحو سنة على تلك الاجراءات، لم تقدّم الحكومة أي دليل على صحة اتهاماتها الموجهة الى هؤلاء النساء والرجال الذين أمضى العديد منهم في الاعتقال أكثر من ستة أشهر في ظروف غير انسانية، من دون التحقيق معهم أو توجيه تهمة اليهم.
المفارقة التي لفتت انتباه تيم أرانغو، يعيش العراقيون اشكالاً والواناً منها على مدار الساعة.