مايُشبه الحُب والتَولّه بَينَ النَّاس ووَطَنهم العربي ــ العِلاقة والتَماهي بَينَ سوريا والعراق نَموذَجاً
لحظة الصدق الواجب لبلاد الشام
” ببَغداد أشتاقُ الشِئامَ وها أنا، الى الكَرخِ من بغداد جَمُّ التَشوق .
فلا أنا في أرض الشِئامِ بمُشتَئِم، ولا أنا في أرض العراق بمُعْرِقِ .
هما وَطَنٌ فَردٌ وقد فَرَقوهُما، رمى اللّه بالتَشتيت شَمل مفرّقِ ”
وما ألارضُ لولا أربُعٌ عَربيّةٌ، سِوى عَطَنٍ بالعَبقَرِيّة ضَيّقِ. ”
شيخٌ جَليل وتأريخ ناصع، الشبيبي محمد رضا جواد، ذو صفة أستاذ ومُعلِّم، لمن تَرتَبك بوصَلتُه ولم يَتخبَّط . وطَنيته وتَركته وتُراثه، تُعزِزُ كُلُّ ما أجاد ووَصَفَ. فَقِيه وشاعر وقائد سياسي لم تُغريه المَناصب والكَبْكَبَة ، وزيراً للمَعارف مَرّات، وعُضواً في المَجمع العلمي العراقي ورئيساً، ونائباً ثُمَّ رئيساً للمَجلس النيابي، عضو مجلس الأعيان ورئيسه ، أختارته المَجامع العربية اللغوية ودار القلم ، للعضويّة والفَعاليّة .
أصولُه من جَنوب الشَمس والحَضارة ، من أرض ِسومر وگلگامش وأنكيدو، وتَرعْرعَ في نَجف العلم وألتأريخ، ونالَ ثَقافةً ومَعرفةً تَسمحُ أن يُقال بأنه عالِم ومُفكر كَبير، عربيُ الهَوى والتَولُّه، جادتْ قَريحَتُه بتلكَ الأبيات، حالما وَطأت قَدماه أرض الشام، التي أحبَّها كالعراق، وكُلُّ أرض العروبة… كان ضمن مجموعة ثقافية علمية وسياسية، من شاغلي خوالي أيام القَرن الماضي وتَحمّلَ الكَثير، أستُهدِفَ وأولاده، ولَم يَهُنْ .
مَكَثَ الشيخ محمد رضا، نَموذجاً للوطنية العراقية والنَهج العروبي وبخُلق الزُهاد.
كان مِثالياً تماهى مع عَمامَته والعَباءة، ولم يُفارقهُما وكانت هَويَته وأنتمائه للقِيّم بصدق.
بهذا المَنحى العروبي، يقول الجواهري محمد مهدي، من دمشق وهو ألألِقُ فيها، واللائذُ بها من قَسوة السُلطة آنئذٍ، بَعدَّ قَصيدته التي قالها عندَّ تأبين عدنان المالكي ، ومَطلعُها ألإعتذار المُتعلق بمَدح الملك فيصل الثاني عندتَتويجهِ.
” خَلفتُ غاشيةَ الخُنوعِ ورائي / وأتيتُ أقبِسُ جَمرةَ الشُّهَدَاء ”
وهاجَهُه يوماً من دمشق ، الحَنين لبَغداده ودجلَته ، وأنشدَّ .
” أبَنيَّ أن أباكُمُ كَلفٌ قُبيّلَ الموتِ مات، أن العُيون الفاتِرات سَلَبْنَه زَهوَّ الحَياة .
اللّه من سَهرِ الهُمومِ على الجُفون المُغْفيات “.
والنواب مظفر عبد المجيد ، عاشقْ دمشق كولَهِّهِ وهُيامِه ببغداد.
” أصابحُ مَصلوباً على جَسَدَّ لَمْ، أدري أيُّ خَفايا حُسنِه قَدَحي .
أسىً حَرّيرٍ شئاميٍّ يُداعِبُهُ، إبريقُ خمرٍ عراقي شَجٍ نَضحِ ” و.. ” وعليّكِ عيني يادمشقُ فَمنكِ يَنهَمرُ الصَباح ”
عْبرَ التاريخ ووَشيجَته، وبتداخل مُتكامل نَرى ألأثري محمد بهجت، الذي لم يَرضَخْ لفكرَة الزواج، لو لم تَكن شاميّة .
وأصبَحَ عضواً في مَجمعها اللغوي، كما في مصر والمغرب، وله لَوحة ( ونَصب ) في باحتها بدمشق .
” ناغَيتُ، جلَّقَ، عاشقاً بَلَداً، نَزِهاً، وناساً أشبَهُوا البلَدا. ”
وهُناكَ مَن يَعشَقْ يَجد صُوراً، عَجَباً تَعَالَى حُسنُها صَعَدا.”
والنَجَفي أحمد بن علي الصافي، سَكَنَها وأحَبَها.
رأى فيها العراق وَيقول : ” لا يَبرَحُ الحُسنُ يوماً من مَرابعِها، كأنما الحُسنُ من قِدَمٍ بها أفتَتَنا .
عجبتُ لمن أتاها كٓيفَ يَبرَحُها، فهل يَرى في سِواها عن دمشق غِنىً .
يَكّادُ يَنسى غَريب الدار مَوطِنَه، في ربَعِها ويَعّافُ الأهلَ والسَكَنا ”
وللرصافي هيامُه، وهو عاشقُها كما العراق وأرض المَقدس، الَتي عاش فيها كأستاذ وأديب، له طُلاب ومُريدون .
” أعلمتِ أني في دمشق أجرُ أذيالَ السْرور، بين الغَطارِفة اللّذينَ تَخافُهم غيرُ الدُهور،
من كُلّ وضَّاح الجَبين أغرَّ كالبَدر المُنيّر، حرُّ الشَمائِل والفَعائِل والظَواهرِ والضَمير”
يتكلم كأبنها وَلَهُ إرثٌ فيها، ويرى ” أنا أرثيَّ في الشام عندي مَقاماً، كان خُلداً لديَّ عشرين عاماً ”
هكذا نَهج ، مُجمَل الأدب العراقي وصُناعه ، وما ذُكرَ نَموذج مُبَسَّط .
من يَنسى المُبدع عزيز علي وهو يَتغزّل بالشام وأهلها، ضمن نَقدّهِ لسُلطة بغداد وقتها “بغداد صارتْ شام صَلو عَل نَبي ”
وهكذا نَهّجَ ألأدب العَربي كما العراقي، ومن لا يَتذكّر أمير الشعراء، أحمد شوقي ” سلام من صبى بَردى أرقُ، ودمعٌ لايُكَفْكَفُ يا دمشقُ .”
ونردد مع فيروز” شامُ أهْلوك أحبابي ومَوعدنا، أواخرَّ الصيف آن الكَرمُ يعتصرُ .”
وللضرورة وبحَديث مُبتَسر عن عامة الناس وبُسطائهم، حول المشاعر ألإنسانية العَفويّة، ونَذكر الذْره بعد تَحويلها ( للبوشار ألأبيض ) نُسميّه، شامية أذْرَة ألشام، وألأكْلة العراقية المُفضلة، إسمُها كبة حَلب، والعجيب، أهل حَلَب وعُموم الشام، لا يَعرف المَقصود بكبة حَلب، قبل أن يَتعرّف عليها من العراقي تأملوا.!!!
من لم يَسمع المُنادي وهو يَعرض بضاعَته ” كُبايتي كُبةَ حَلَبْ كتْلَتني، أم سن الذَهب .”
ومن لايَصف الحَلاوة والمَحاسن بغير الشامية أوالحلبية، وبنت الساحل والجبل، ويَترنَم بطقسِها وأرضها وساحلها وتلولها والوديان وناسها.
اوفِي العراق أجمل القطط ألأليفة( دونفش ) تسمى شامية.
من نافل القول، حديث الحب لا يبدأ بما تعود الجميع ، بالذهاب اليه، بينما نأخذه من أوسع معانيه يقول وديع ( الحبْ يَعني الكون يعني الناس يعني أنا وأنتي ) هكذا يصبح مَشروع الحُب والحَبيب مُجزّياً.( يلي ترابك كحل العيني، أنت حبيبي ياوطني العربي).
للشام ودمشقها مَوقع في نَفس العراقي والعربي عموماً ، حد الهيام ، وهوَّ حُب وشُعور إخوات وأهل وعائلة ، وبعفوية جذرها عروبي وطني صادق .
” ولاخيّرَ فيمَن لايُحبُ بِلادَّه ُ/ ولا في حَليف الحُبِ إن لَمْ يُتَيّمِ ”
اللّهم رحمةً وحباً للشام وأهل الشام، ولكل من يحبهم أهلاً، أو هياماً عاشقاً متولهاً، كما يَهيمُ بموطنه، وإنها هيَّ هيَّ عبر التاريخ مَلاذاً للعربي، وللغير، حينَ يَلوذُ بها.