أقرأ عبر صفحة زميلنا الأستاذ بدران مسعود بن لحسن، تعقيبا للأستاذ د.باسل الحافي، يقول فيه: “هناك من يقول إن مالك بن نبي متأثر بالفكر الغربي و هو في كتاباته يروج لبضاعتهم باسم الإسلام فما قولك في ذلك يا فضيلة الدكتور ؟”، وعليه كان هذا التوضيح:
عاش مالك بن نبي ردحا من الزمن في فرنسا، وبقي مدة في مصركما هو مبيّن في الكتب التي ترجمت بمصر، وظل يزور لبنان وسورية في سنواته الأخيرة كما هو موضح في كتابه “مجالس دمشق”، وزار المملكة السعودية وألقى بها محاضرات وكان من نتاجها كتابه ” المسلم في عالم الاقتصاد”، وزار بعض دول آسيا الفاعلة.
والتقى بالقادة والساسة والعلماء والفقهاء وأهل الفكر، وقرأ للفرنسيين والغربيين والمستشرقين المادحين والحاقدين، وللقدامى والمعاصرين من العرب والمسلمين، واستعان في دعم أفكاره وقضاياه بمن رأه أنه أهل للأخذ والاستعانة، وانتقد بشدّة ودون استثناء من يرى في أفكاره مايستحق النقد ولو كان أقرب الناس إليه وأحبّهم إلى نفسه، لكن لا أعرف فيما قرأت له وإلى غاية كتابة هذه الأسطر أنه ذاب في فكر غربي أو سعودي أو مصري أو لبناني أو سوري أو صيني أو هندي أو فرنسي.
والقارئ لكتابه “الظاهرة القرآنية” لايلمس أن بن نبي ” متأثر بالفكر الغربي” في فهم الظاهرة القرآنية بل يجد نظرة منتقدة للمفهوم الغربي والعربي ، وإن كنت أعيب عليه بعض الزوايا التي نظر منها للظاهرة القرآنية لكن لاعلاقة لها بكونه ” متأثر بالفكر الغربي” وليس هذا مجال شرحها.
والأسس التي وضعها لـ “شروط النهضة” و “وجهة العالم الإسلامي” لا علاقة لها بالغرب، إنّما لها علاقة بأسس عالمية من تحكّم فيها ساد وليكن بعدها من يكون لأنّها ليست حكرا لغربي أو عربي.
والقارئ لكتابه “الفكرة الإفريقية الأسيوية” يلاحظ بوضوح عدم تبعيته للفكر الغربي ويطالب بتكوين إتحاد مستقل عن الهيمنة الغربية، ويمكن قول نفس الكلام في كتاب “كومنويلث إسلامي “.
والقارئ لكتبه الأولى كـ “لبيك” و “شروط النهضة” و “وجهة الإسلامي” والمتابع لكتبه الأخيرة كـ “مشكلة الأفكار” ومحاضراته ماقبل الأخيرة كـ “دور المسلم في الثلثي الأخير من القرن العشرين”، لايجد أن مالك بن نبي ” متأثر بالفكر الغربي”، لكن يجد مالك بن نبي المستفيد من الحضارة الغربية والمستفيد من الحضارة العربية في جانبها الإيجابي الذي يمكن الاستفادة منه لينتقل “رجل ماقبل الحضارة” إلى “رجل حضارة” بتعبير مالك بن نبي.
بقيت الإشارة أن مالك بن نبي تأثر بفكرة “عدم العنف” التي كان ينادي بها غاندي ودعا إليها بن نبي كوسيلة من وسائل المواجهة والتحرير رغم أن الفكرة لم تكن تناسب الوضع الجزائري ولا الثورة الجزائرية التي كان عليها أن تواجه الاستدمار الفرنسي بما يستحق من قوة ونار وليس بـ “عدم العنف” الذي تأثر به بن نبي.
وبن نبي رغم إعجابه بالثورة الثقافية التي دعا إليها ماو إلا أنه كان يدعو إلى ثقافة تعتمد على ترابها وزمانها وانطلاقا من معدلاتها.
ورغم أنه كان معجبا بالمؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي في فهم الحضارة إلا أنه كان يدعو إلى أسس ذاتية تعتمد على الإنسان المحلي والتراب المحلي والمعادلات المحلية والاستفادة طبعا من الغير حين يتطلب الوضع ذلك مع تكييفه مع الذاتي المحلي.