مأساة الحسين(ع) بين جفاء الشيعة و جهل السُّنة – الحلقة الثالثة
فصول ألمأساة:
ألمقدمة: سلام على روحكِ ألطّاهرة يا أمّاه, يا من عذّبكَ الطغاة .. من أبناء هند و معاوية و أبا جهل؛ سلامٌ عليك و أنا أعيدُ ذكراكِ مع كلّ عاشوراء؛ ما زالت همساتك الحزينة تُراود مسامعي .. وعزائك الحقيقيّ كظل يُتابعني و كأني شريكك الأبدي في ذلك الهمّ الدفين مع كل من بقي من أصحاب الضمائر و هم أقل من القليل بين الناس في هذا الزمن المالح جدّاً, فقد رحل الأحبة الذين عرفتي بعضهم من الذين إستشهدوا كبديع و موسى و خليل و وافي وفؤآد ووو آخرين هم الآن معك في البرزخ كانوا يرافقوني في الشدة و الرخاء كما كان أصحاب الحسين مع الحسين(ع) ..
لا أنسى و أنا صغير أتأمل بحزن لطمك و عزاؤك و دموعك الحرّى على الحُسين و على أخته الحوراء زينب و هي تتلئلأ لناظري .. يا مَنْ علّمتيني حُبّ الحُسين .. ذلك آلحُبّ ألحزين .. ألذي ملأ كياني و سَكَنَ قلبي و كبر معي, ليصير قدري ألّذي إحتواني بلا إختيار, حتى أسال مدامعي, و أقْرَحَ جفوني, و أمدّني بقوة غيبة جعلتني مؤهلاً لتحمل الكثير .. الكثير مما قدّره الله تعالى و كأني هو نفسه الحسين(ع) .. و كم لطمتُ صغيراً على رأسي و صدري و لعنتُ من القلب كل آلظالمين ألذين فصلوا ذلك آلرأس ألشّريف ألمقدّس عن جسده الطاهر أيّام عاشوراء من كلّ سنة حتى إرتدائي للكفن مع المطبرين العاشقين على فطرتهم, حتى كبرتُ في تلك الأجواء و أدركتُ بنور الحسين(ع)؛ ما لم يُدركه الناس, خصوصا بموقفنا الجهادي في سنوات الجّمر و الجّهاد ضد الطغاة في عراق المآسي و الجّهل و الأرهاب و الفوضى و الظلم نهاية الستينات و السبعينات و للآن, لنكتب التأريخ بآلأسى وآلدموع و الدّماء!

ألمتن: تصوّرت عندما كنتُ صغيراً؛ أنّ مأساة الحسين(ع) وقعتْ مرةً لتخلد أبداً مع آلتأريخ كقدرٍ محتومٍ كما الكثير من الأحداث, وعلينا إعادة ذكراها في موسم مُحرّم ألحرام كلّ عام كذكرى و كفى .. كطقس دينيّ كنا نرتاح لها نفسياً و روحيا أثناء مشاركتنا الكبار حزنهم و بكائهم و لم نكن ندرك الكثير عن ماهية تلك الثورة وأسبابها, و لم يكن هناك من العلماء أو المراجع أو الشيوخ و الخطباء من فهم أو كان يفهم الحقيقة كاملةً ليعلمونا بجوهر و منهج الحسين(ع), سوى التأكيد على اللطم و التّطين و التطبير و شجّ الرؤوس!
و هكذا حدّدنا تلك آلقضيّة الكبيرة بلّ ألسّر ألأعظم لهذا الوجود بتلك الوسائل و الطقوس البسيطة .. و لم نكن نعلم بأنها السبب لحفظ جوهر الأسلام و أصله الفكري رغم كل الأعاصير و الفتن و المظالم, لتُمهّد في النهاية إلى ظهور الأسلام من جديد .. عندما تحققت و الحمد لله بنجاح الثورة الأسلامية كبداية و إنطلاقة للدّولة الحسينية – المهدوية العالمية!
كثيراً ما كنتُ و منذ الصغر أسأل أصحاب المنابر من آلمُعمّمين و الخطباء الذين كنا نستأجرهم للتبليغ في بلدتنا الفقيرة(بدرة) في واسط من آلنّجف ألأشرف لإحياء مراسم محرم خلال ستينيات و سّبعينات القرن الماضي سنويّاً بالطرق ألتقليديّة ألتي إعتدنا عليها حتى أيامنا هذه – حيث كنتُ و أخي الشهيد الشيخ المهندس بديع عبد الرزاق و الأستاذ الشهيد موسى محمود وآخرين نسألهم عن معنى و سَبَبِ تكرارهم لمقولة؛ {يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً؟} في بداية و نهاية كل محاضرة و خطبة و كأنها (الأفتتاحية)!؟ فهل مصيبة الحُسين(ع) حدثت لتكون مجرّد تمنيات و ذكرى إختصتْ بزمن معيّن قد مضى؟
أم هناك أسباب و أسرار تفرض علينا بعض الواجبات وتحمّل المسؤوليات؟
و هل نحن الآن خسرنا للأبد .. لعدم إستشهادنا لتلك ألواقعة؟
سيل عرمرم من تلك الأسئلة كنا نطرحها عليهم لكن دون جواب!
لكن دون جواب بسبب الجهل الفكري الذي كان و لا يزال يقضّ مراجع الشيعة و السنة و مقلّديهم!
بل بعضهم كان يُكفّرنا .. و يقول: [هذه أسئلة الملاحدة و آلمنحرفين]!
وهكذا تحولت أكبر قضيّة في آلكون بسبب آلتّعاطي ألخاطئ و سوء فهم الدِّين ألذي أراهُ قائماً لحدّ الآن و من أهل الدّين .. رغم مرور نصف قرن على ذلك بآلأضافة إلى القرون الخوالي الخمسة عشر التي مرّت على هذه المأساة؛ لتتحول إلى مُجرّد مراسم شكليّة و طقوس روتينيّة, كان يتَحكّمَ بتوجيهها احياناً سياسات ألطّغاة ألحاكمين بموافقة و رضا ألمُعَمّمين و القائمين على المواكب لتحقيق مآربهم و حفظ منافعم و مواقعهم و جيوبهم, مُسْتغلين جهل الناس و عواطفهم و غرائزهم و حُبّهم الفطري و بساطتهم و أندفاعهم نحو آلحُسين (ع) لأجل تحقيق أهداف محدودة جداً!
كان بيتنا ألقديم في محلة (الكَمكَمية) قُرب (حُسينيّتنا) تتحوّل إلى مأتمٍ و عزاءٍ لأكثر من عشرة أيام يلتقي خلالها أهل بلدتنا من كل حدب و صوب, نُوزّع خلالها ألدّارجين و آلشّاي و الطعام و آلسّكائر و الفواكه, حتى العاشر الذي كان يختم بضرب القامات و إجراء (التشابيه) في نهاية عاشوراء كتمثيل واقعة الطف و بني أسد و (مجلس الشام) و غيرها, لتعود الحياة لمجاريها من جديد بمجرد إنتهاء عشاء الليلة الحادية عشر من شهرِ محرّم الحرام, و التي سُميت ب(عشاء آلغرباء) – كفصلٍ أخير لفاجعة كربلاء و كأن شيئاً لم يكن, حتى طُمست معالمها الحقيقية .. لكن ذكراها بقيت – بسبب تلك التقاليد العمياء و فقدان الوعي الحسيني!
و قد يتذكّر آلأخوة ألمُحبّين و من تبقى من جيلنا أو كانوا ضمن تنظيماتنا الحركية فيما بعد .. كيف إنّ رجال ألأمن في أوساط السبعينات من القرن الماضي كانوا يجبرون ألقائمين على تلك آلمآتم و آلحُسينيّات لِتمجيد النظام و آلطغاة من أمثال البكر و صدام ألذي حارب و قاتل أحفاد الأمام الحسين(ع), بل و منع حتى الصّبيان و ألشّباب دون سنّ ألثّامنة عشر في بغداد و آلمُحافظات الأخرى من المشاركة في مراسم العزاء على تقليديتها و سلبياتها .. بحُجّة ألحفاظ على هدوء و هيبة و نظم ألمكان و قدسيّة ألمراسيم, بينما في الحقيقة كانوا يُخططون و يهدفون إلى إبعاد الشباب عن القضية الحسينيّة رغم إن الوعّاظ و المحاضرون لم يكونوا قد فقهوا أساس و جوهر ثورة الحسين(ع) أنذاك و ربما للآن. و هكذا تعاطينا مع أكبر قضيّة في آلوجود بحدود آلأطار ألتّقليدي ألمتوارث, حتّى سنّ ألخامسة أو ألسّادسة عشرة على تلك آلوتيرة سنويّاً, و لم نكنْ نعي حقيقة شهادة الحسين (ع) و أبعاد رسالته الكونية ألعظيمة!
و تلك آلنّهضة ألفاصلة بين؛ خط ألكفر و خط ألإيمان .. بين الكرامة و الذلة .. بين آلحقّ و آلباطل .. بين ألحريّة و آلعبوديّة .. بين الأستعمار و السيادة .. بين آلتّكبر و آلتّواضع ؟؟ بكل أبعادها و معانيها آلتي ما تزال غامضة في آلحوزات التقليدية و آلأكاديميات و الأوساط العراقيّة و آلعربيّة و حتّى الأسلاميّة عموماً, رغم مرور ألقرون عليها.
لذلك إسْتمرّ آلطواغيت في حكم الناس بآلباطل وإزدادو ظلما و قسوة بحيث بدأ الحق يظهر كباطل و الباطل كحق, لإستغلال ألأنسان مستخدمين لذلك آلنّهج ألتقليدي لأستحمار آلناس و تخديرهم للتسلط عليهم إلى أبعد مدىً مُمْكن, بينما كان يُفترض بآلنظام الأسلامي الذي ركز ملامحه و أصوله ثورة الأمام الحسين(ع) – كونهُ شاملاً و كاملاً لجميع مناحي الحياة – أنْ يتقدّم على بقيّة الأنظمة الوضعيّة الحاكمة التي كرّست الفساد و الظلم و الأستغلال في آلأرض!
إنّها قضيّة حياة و موت .. فإمّا أنْ نكونَ مع آلحُسين(ع) أو لا نكون .. بل حقّاً قال المفكر علي شريعتي أحد المهندسين الثلاثة للثورة الأسلامية المعاصرة بعد الأمام الخميني(قدس) و الفيلسوف المطهري رحمهم الله .. حيث قال:
[إمّا أن تكون حسيّنياً فتجاهد المستكبرين أو تكون زينبياً فتدعو الناس للحقّ, و إلّا فإنّك يزيدي]!
و وآلله حين وَعَيْتُ موقف ألحُسين (ع) بفضل ألله وآلتّفكر و الدّراسات المركزة و المتواصلة و الأبحاث العلمية و الفكرية على يد أستاذي الفيلسوف الصدر الأول و الأسفار المقدسة الأثني عشر ثمّ مواكبة ثورة الأسلام الكبرى عام 1979م ثم مطارحاتي مع الفيلسوف الكبير جواد الآملي, و أخيراً ورود إسمه و مكانته في الأنجيل؛ أيقنتُ و أدركتُ حقيقتهُ و رأيتهُ(ع) و كأنّه يعيش معنا حيّاً, و يستطيع أن يتحسّس وجوده المبارك كل إنسان مُؤمن صّادق صّدوق مع نفسه و مع الله. و هيهات للمتاجرين بدمه و نهضته(ع) أن يرون ذلك, خصوصا أهل المنابر و عديمي ألضمير من الذين عرضوا نهضة الحسين(ع) بكونه نهضة للدموع و الحزن و الزنجيل و اللطم فقط! و قد عبّرت عن الحُسينيين الحقيقيين في سلسلة مقالاتي بعنوان: (قصّتنا مع الله) تحكي فصول المواجهة الغير المتكافئة مع أنظمة المخابرات و القتل و الظلم الصدامية, حيث وصفتُ حالنا أيام جهادنا الدامي والمواجهة الغير ألمتكافئة مع النظام الصدامي الدموي الحاكم .. بذلك الذي كان يرى الله تعالى خلفه و بين جنبيه و أمامه!
بينما أفضل العلماء و المراجع و “المفكريين” وحتى العرفاء؛ ربما يشهدوا أو(يثبتوا) حقيقة وجود الله من خلال البراهين و التصورات العقلية و الفلسفية و الفقهية والعلمية! أمّا المجاهد الحُسيني الذي كان مثلنا؛ قد وقف بمعية الله و بشجاعة نادرة أمام زمرة البعث الدّموية البدوية و من خلفهم من المستكبرين ألذين سحقوا حقوق الناس و مسخوا الشعب العراقي و هم بطريقهم الآن لمسخ بقية شعوب العالم؛
إن الحسيني يرى الله بعينه بدون حجاب أو غطاء أو عنوان أو وسيلة أو برهان نظري – للمزيد من المعلومات؛ يرجى مراجعة تلك المقالات الستة التأريخية القيمة بعنوان: [قصّتنا مع الله], حيث حاولنا بيان الحقيقة و عرضها ليفهمها الناس بعد فلسفتها بإسلوب كوني شامل, و هذه أكبر هدية تقدم للناس لبناء الضمير الذي أصبح في خبر كان, حيث لم يبق سوى أجساداً تلهث وراء المال و الجنس وآلمناصب, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم… يتبع
ألفيلسوف الكونيّ
ALMA1113@HOTMAIL.COM