ليس من حقّ الله ألعفو عن المُعتدي:
توضيح على مقالة إحدى الأخوات المؤمنات, بشأن دور وفاعلية (الصّلاة على محمد وآل محمد) بكونها تغفر الذنوب جميعاً مهما كانت عظيمة, و الحقيقة إن هذه المقولة الشائعة منتشرة في العراق و غيره إلى حدٍّ بعيد, بل كانت منتشرة حتى قبل الأسلام, حيث تشبه غفران السّيد المسيح(ع) للمسيحيين المذنبين لأن إعدامه على الصّليب كان لأجل غفران خطايا الناس بحسب إعتقادهم, بمعنى أنّ السّيد المسيح و لمجرد الصّلوات عليه و الأعتراف بآلذنب في حضرته عليه السلام أمام القسّ(الأمام) في الكنائس ينتهي كل شيء و تتساوى الأمور, و هكذا الأخوة اليهود – طبعا بعضهم المتشدد يؤمن بنفس القانون و أكثر – بل تجاوزوا ذلك مُعتبرين أنفسهم خاصّة آلله و شعبه المختار قبل غيرهم و لهم الحقّ أن يفعلوا ما يشاؤون, و إنه تعالى يغفر ذنوبهم جميعا مهما كانت عظيمة و لا يُحاسبهم على شيئ للأسباب التي أشرنا لها!

و توضيحنا على هذه الفكرة الخاطئة التي راجت من قبل حتى علماء الدّين المُقلَّدين في أوساط ألمُقلِّدين, و التي صارت برأيّ سبباً ودافعاً لتَنمّر البعض بحقّ البعض وعدم الأكتراث بفعل المنكر و التجاوز على الآخرين بإعتبار أن أيّ ذنب مغفور لصاحبه بمجرد الصّلاة على محمد و آل محمد, أو (اللطم و البكاء) على الأمام الحسين(ع) لحجم المظلوميّة التي وقعت عليه, وهذه مدعمة بآلروايات و المقولات العديدة للأسف, و لهذا إنتشر الفساد و كُسرت الحرمات و التجاوز على حقوق الآخرين بلا حساب و كتاب, لذلك .. رأيت من الواجب و بحسب مبادئ (فلسفتنا الكونيّة) ألرّد ليس على الكاتبة المحترمة فحسب .. بل قبلها على مراجع الدّين ألذين تسبّبوا بهذا الفساد العظيم لإفراطهم في دعوى حبّ الحسين(ع) وأهل البيت(ع) ومكانتهم مهما كان ذنب الفاعل عظيماً, و ردّنا الكونيّ على ذلك هو التاليّ:
أيّها المسلمون في كلّ مكان:
أيتها الكاتبة المحترمة (…):
يا علماء آلدِّين و مراجع المسلمين في كلّ مكان؛ سلام عليكم .. طبتم وطابت أوقاتكم, وأرجو الأنتباه لهذا القول العظيم بإذن الله.
بداية تقبّل الله أعمالكم في هذا الشهر الكريم و نسأله تعالى أن يغفر ذنونبنا جميعاً, و يدلّنا على مَنْ ربّما أخطأنا أو إرتكبنا بحقّه مظلمة أو ربما غيبة أو ربما نظرةٍ خائنة غير مريحة أو إشارة سدّدناها له أو ربما لم نرد سلامه بشكل مُهذّب أو ربّما سرقنا بعض ماله أو حظه من بعض الفرص التي كان أولى بها من غيره أو تقدمنا عليه و كان علينا أن نتأخر في مسألة أو موقع أو وظيفة ووووو.. أو سرقنا كلامه وإدّعيناه لأنفسنا .. لنردّ تلك المظالم و لنستميح العذر والحليّة منهم.
أختي ألكاتبة الكريمة(…): شكراً على ما تفضلت به سواءاً كنت تعتقدين بها حقيقةً أو حلماً, لأنها قصص مُعبّرة حقاً و تُبيّن على كل حال عظمة آل البيت و مكانتهم عند الله في الوجود, لكن إعلمي ياعزيزتي وليعلم العراقيون و كل المسلمين و الناس إن وصلهم خطابي هذا:
بأنني تحقّقتُ ملّيا و طويلا وعلى مدى أكثر من نصف قرن في مسألة الغيب و الموت و عالم البرزخ و قضية الحقوق(حقوق الناس) بشكل خاصّ وغيرها, و ربما قرأتم بعض مقالاتي و(فلسفتي الكونية) كفصل الخطاب في الموضوع .. والتي توصّلت خلالها إلى أنّ الله تعالى وبحسب حديث (الحقوق)(1) يغفر الذنوب جميعاً سوى المتعلقة بحقوق وحرمة الآخرين, تتقدمها حقوق الأهل والأرحام والأطفال والزوجة والأصدقاء وهكذا الأمّة كلّها, حيث إن الله برئ من أن يُسامح ألمُتجاوز ومن إعتدى على حقّ الآخرين قيد أنملة, حتى اللمم منها, لأنها تُناقض عدالته تعالى, فكيف يتجاوز عن المسيئ المخطأ بحق المظلوم الذي أخطأ بحقه, ليصبح الظالم و المظلوم بمستوى واحد, بينما صفة (العدل) هي أوّل صفة وصف الباري تعالى بها نفسه, وكيف يطيب الحياة لو إختلط بآلظلم و الغيبة و الكذب و النفاق؟

و إعلموا بأنّ ما جرى و يجري في العراق من مآسي و مظالم و تعدٍّ فردي و جمعيّ كما في الأحزاب والعشائر المتوحشة للمال؛ فهو بسبب هضم الحقوق و لقمة الحرام, و سرقة الناس و تعدي بعضهم على بعض قولاً أو فعلاً أو حتى بكلمة واحدة أو نظرة خاطفة, و نخصّ بآلذكر أيضا الحاكمين الذين يستكبرون برواتبهم وحقوقهم وإمتيازاتهم بظاهر إسلاميّ, و لهذا فأنّ العراق سيبقى كجهنم و أسوء من جهنم .. ولا قرار ولا إستقرار فيها ما لم تُرد الحقوق لأصحابها الشرعيين والفقراء بشكل أخصّ بجانب تواضع الناس بعضهم لبعض خصوصاً المسؤوليين لا بحركاتهم و مشيتهم وظواهرهم و كلماتهم العسلية؛ بل بأن تصبح رواتبهم بمستوى الفقير و هذا هو التواضع الحقيقي الذي به يتحقق الرفاه و السعادة و الأستقرار و الوئام بين أبناء المجتمع, و الله ألاعلم .. و ما علمنا نحن فهو من الله و رسوله بحسب النصوص الموثقة و الحمد لله رب العالمين.
الفيلسوف الكوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحقوق أربعة؛ حقٌ لك و عليك و حقٌ بينك و بين الله و حقٌ بينك و بين الناس, فأما الثلاثة الأولى فمغفورة بإذن الله بإستثناء الرابعة لأنها حق الناس, و الأخيرة هي بيت القصيد التي يجب أن نحذر منه و إلا فلا قيمة للصوم و الصلاة و الحج و الخمس و الزكاة و كلّ العبادات الأخرى.