إذا قمنا بعمل أستفتاء شعبى للإجابة على سؤال: هل عبارة مرشد الإخوان حسن البنا ” ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين” صواب أم خطأ؟ كيف ستكون إجاباتنا بعد المظاهرات والعمليات الإرهابية وقتل الجنود وتعطيل مصالح وأعمال الشعب اليومية وتفجير محطات الكهرباء، وغيرها من أعمال وجرائم يعرف يقيناً كل مواطن أن وراءها مليشيات الإخوان وجماعاتها الإرهابية؟
بأستقراء طبيعة المواطن المصرى وذاكرته الضعيفة وممارساته المتضاربة سنخلص إلى نتيجة مفادها أن ما يقارب نصف أصوات المشاركين بالأستفتاء ستكون فى صالح الإخوان أى أن حسن البنا مرشدهم الأول كان على خطأ!!
 
قد أكون مبالغاً فى تقديرى هذا لكن الحقائق التاريخية والحالية تقول لنا أننى لا أبالغ فى كلامى، فعلى سبيل المثال جريمة إغتيال النائب العام هشام بركات بتفجير موكبه غالبية الشعب يتوقع أن تكون رد فعل الدولة قوياً ولكن هذا الرد ليس هو الحل بل المطلوب أن يكون للشعب المصرى نفسه رداً حقيقياً على هذه الدماء، لكن تلك الجريمة ستنتهى مثل ما سبقها من جرائم لتثبت فى النهاية أن الشعب المصرى للأسف يعيش فى فوضى فكرية لا يعرف التمييز بين الصالح والطالح لأنه يفكر بعواطفه الدينية والتى يستغلها الإخوان المسلمين والإرهابيين أفضل أستغلال، وأطرح هنا مثالين يوضحان مقدار الجهل والتخبط والفوضى التى يمارس بها الشعب حياته وبعضها يؤثر على مستقبله كما سنرى:
المثال الأول حدث فى سنة 1945 عندما قامت مجلة المصور المشهورة فى زمانها بإجراء أستفتاء القراء على لقب رجل العام، والغريب أن يفوز بهذا اللقب مرشد الإخوان المسلمين الذى كان يعمل مدرساً بمدرسة أبتدائية بالإسماعيلية، ولا أعرف هل كان غريباً أن يفوز شخص أسمه حسن البنا وهو مجرد مدرس فى ذلك الحين، إلا إذا كان مشهوراً لدرجة أن القراء قد أختاروه ليكون رجل العام!!
المثال الثانى حدث فى 24 يونيو 2012 عندما رشحت جماعة الإخوان المسلمون عضواً به أسمه محمد مرسى العياط وفاز بنسبة 51,73 % من أصوات الناخبين ليصبح رئيساً لجمهورية مصر، والغريب أن يفوز هذا أيضاً وهو إنسان مغمور لا يمارس أعمال حزبية أو سياسية أو إجتماعية أو ثقافية، بالفعل كان شخصاً مجهولاً لغالبية المصريين ولم تكن له علاقة بالسياسة ولا يفهم فيها والدليل أن جماعته أعترفت بعد عزله بفشلهم لجهلهم بعالم السياسة.
هذين المثلين يوضحان غرابة طبيعة تفكير المصرى والتأثير الدينى العاطفى على قراراته المصيرية خاصة فى إنتخاب مواطن مصرى لا يملك قدرات وإمكانيات تؤهله للقيام بمنصب خطير مثل رئيس جمهورية، أما قراء مجلة مثل المصور فالمعروف عنها أنها تتناول الحياة والمواضيع الإجتماعية فكيف يختار قراءها رجلاً مثل حسن البنا؟ وكما قلت قد يكون غريباً بالنسبة لى لأننى لم أعاصر تلك الفترة لكنى مع ذلك أعتبره غريباً لوجود أسماء كبيرة وعمالقة فى الفن والأدب كانت نجوماً لامعة فى المجتمع المصرى ولها إسهاماتها الجليلة، ورغم ذلك فاز حسن البنا وفاز محمد مرسى بما يمثل ذلك من آثار سلبية أو إيجابية حسب رأى كل قارئ، لكننى أقول أن الدين هو علاقة بين المؤمن وبين الذى يؤمن به وله حريته فى إيمانه وممارسة طقوسه، لكن ليس من حقه أن يمارس القتل وسفك الدماء تحت أى تبريرات يسوقها لإضفاء الشرعية على ما يرتكبه من جرائم حقيقية.
 
المجتمع المصرى مزدحم بالسكان وليس صحراء مترامية الاطراف يعيش مواطنيها فى عزلة عن بعضهم البعض، بل القرى والنجوع والمدن وعواصم المحافظات تبين بوضوح أن المصرى بطبعه إنسان إجتماعى يعيش متلاصق مع جيرانه فى السكن والعمل وفى أفراحه واحزانه، ومن السهل لو تكاتفوا معاً فى الحوارى والأحياء الشعبية والمدنية أن يسهروا على أمن عائلاتهم ويكشفوا المرتزقة والمجرمين الذين يزرعون القنابل فى محطات الكهرباء وبجوار المنازل والسيارات والأشجار، لكن نتيجة لفساد المبادئ الاخلاقية والتعليمية والقائمين عليها فى كافة مؤسسات الدولة، ترسخ فى الذهن الشعبى العام مصطلح” وأنا مالى” والمقصود منها أن هذا الامر لا يعنينى خوفاً من رجال الداخلية أن يجعلوه شريكاً فى الجريمة التى قد أبلغ عنها أو أشتبه فى شئ فيقوم رجال أمن الدولة بمعاملته معاملة سيئة لا أحترام فيها، لذلك يقول لنفسه: أبعد عن الشر وغنى له!!
 
لذلك النتيجة الحتمية للفساد الأخلاقى المنتشر فى مؤسسات الدولة والعاملين فيها أنتقاله إلى المجتمع بأكمله، مما يعنى إستحالة الإصلاح والتغيير لأن الدولة نفسها تزرع فى المواطنين الإتكالية والعمل الروتينى وغياب مشاعر الإنتماء للوطن والشعور بمقدار الخطر الذين يتجاهلونه يومياً عندما يتنسجم عقولهم وقلوبهم مع عبارات تثير فيهم مشاعر الكراهية وتهيج أحاسيسهم ضد وطنهم وقادته، القضية إذن لا تحتاج من الجميع الوقوف أمام الإدانة لتلك الجرائم المتكررة وترديد عبارات الذم وأن هؤلاء الساعين لإسترداد السلطة ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، بل القضية تحتاج أكثر من ذلك بكثير تحتاج الوعى الشعبى والفردى بفداحة الأعمال التى يرتكبونها الإرهابيين أو المجرمين أو المتطرفين أو الجهاديين ضع الصفة التى تناسب أفكارك كما تشاء، لكن لا تسمح لهم بأن يستغلوا مشاعرك الدينية فى التستر عليهم وحمايتهم أو الصمت على ما يرتكبونه من سفك دماء الأبرياء.
  وأقول مرة اخرى مقولة مؤسس ومرشد جماعة الإخوان المسلمين الذى أتهم اعضاء جماعته وهو العارف بهم أكثر من غيره بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، فإذا كان حسن البنا إمتلك الشجاعة الأخلاقية والأدبية وأصدر حكمه على رفقاءه فى الجماعة بذلك، فلماذا فى أيامنا هذه وسط التدمير والتخريب والحرائق والتفجيرات العدمية وجرائم القتل الحقيرة ضد أبناء الوطن الأبرياء لا لشئ إلا أنهم مصريين يرفضون ممارسة الإرهاب معهم باسم الدين، لماذ لا أجد رجالاً يتصفون بالأخلاق والشجاعة والضمير الحى، لينطقوا بأعلى أصواتهم ويقولونها فى صوت واحد: ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين؟
 
هل أصبح القتل مفضلاً على الحياة؟ هل القتلة والمجرمين أصبحوا المثل الأعلى الذى يحتذى به أفراد المجتمع المعاصر ليقودهم نحو الموت والتهلكة؟