قراءة في كتاب عنوان الكتاب: لمحات في تاريخ التشيع اسم المؤلف: السيد حسن الأمين تحقيق وتعليق مركز الغدير للدراسات الإسلامية دائرة معارف الفقه الإسلامي الطبعة الأولى 1419هـ|1998م عدد الصفحات: 99 يتألف الكتاب من تصدير عن مركز الغدير والعناوين التالية: كيف نفهم التشيع؟ وحقيقة الإسلام والرجعية العربية وتدابير النبي ورفض الانحراف عن مبادئ الإسلام وكتابة تاريخ الإسلام والأسس الصحيحة لكتابة تاريخ الإسلام والتاريخ الشيعي ومراحل تاريخ التشيع والطريق الوعر الشاق وصفحة الكفاح ووقوع ما حذرت منه فاطمة وشعارات التشيع وقيام دول الجور والظلم والشعب يعرف طريقه والتشيع يتحرك والحسين في الميدان واسم الشيعة وفي العهد الأموي وعصر الصادق والشيعة في الحكم والتجارب اللاحقة والفاطميون و الشيعة هم هم على اختلاف آرائهم والحمدانيون وبنو عمار والبويهيون ودول أخرى ونصير الدين الطوسي وجمال الدين الأفغاني-الأسد آبادي والشيعة يتولون نشر الإسلام وفي الديلم وفي أندونيسيا وفي الصين وكامبوجا وسيام وفي الفلبين وفي أفريقيا والتشيع واللغات الإسلامية. والخاتمة ومحتويات الكتاب. والسيد حسن الأمين كما يعرف القارئ كاتب إسلامي شيعي بارز وله مؤلفات وبحوث قيمة في هذا المجال. وفي هذا الكتاب-كما يقول المركز في التصدير للكتاب- (نقف على سلسلة متصلة من مفاخر الإسلام والمسلمين في شتى ميادين العمل الحضاري المتقدم، أنجزتها الدول الشيعية الكبيرة والصغيرة…). فالتشيع ليس ظاهرة طارئة في تاريخ الإسلام. فتاريخهم يمتد إلى عهد الرسول الأكرم(ص) كما يبدو جليا من أحاديثه التي رواها المخالف قبل المؤالف، وما روته كتب التفسير لقول الله تعالى(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) الآية 7 من سورة البينة المباركة. فقد أخرج ابن الأثير مثلا في(النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 106) أن النبي(ص) قال لعلي(ع)(ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضابا مقحمين). والرسول(ص) بهذا الحديث يشير إلى مستقبل حاصل لا محالة. وقد عزز ذلك ما كان الرسول يصدره من أقوال وأفعال لتحديد معالم ذلك المسار، مثل قوله(من كنت مولاه فعلي مولاه)، و(علي مع القرآن، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض)، وحديث الثقلين، وكذلك تعريف الأمة لرجال (بأعيانهم سيلزمون ذلك المهيع ويحفون به ولا يبتعدون عنه قيد أنمله) مثل أقواله (ص) بحق أبي ذر وعمار. ثم يسترعي الكاتب اهتمام القارئ عما يرويه عامة المؤرخين عندما يتحدثون عن (أشد الأدوار الأموية انحرافا، وأشد الأدوار العباسية تفككا وتفسخا، وعن الدولة الأيوبية المشحونة بالتناقضات، من جهة، وبين ما يحكيه عن الدولة البويهية والحمدانية والفاطمية والادريسية من جهة أخرى). فيحاول التاريخ أن يبخس الدولة الشيعية حقها، ويغض الطرف عن ارتكاب خصومها عمليات الهدم المتعمدة. أنظر لما يقوله التاريخ عن نصير الدين الطوسي الذي أنقذ ما يمكن إنقاذه من التتار، وغض الطرف عن (الملك السعيد الأيوبي والملك المغيث اللذين كانا إلى جانب المغول في غزوهم بلاد الشام، يقاتلون المسلمين) وقد أسر المسلمون الملك السعيد الأيوبي وقتلوه، بينما قبض الظاهر بيبرس على الملك المغيث وفضح مكاتباته للمغول ثم قتله. كما أن الأمراء الأيوبيين بعد صلاح الدين كانوا يمنحون الصليبيين بلدانا كي ينصروهم على إخوتهم وأبناء عمومتهم، حتى وصل الدور للقدس التي سُلّمت ثمنا لتلك النصرة. ويقول المؤلف أن الإسلام ليس مجرد عبادات محضة، ولو كان كذلك لم يكن هنالك من مبرر للتشيع، وذلك لأن الناس لم تنقطع عن أداء العبادات في كل الظروف. لكن كان للإسلام (أهداف عالمية وغايات إنسانية هي في الواقع جوهره وحقيقته والغاية التي جاء من أجلها). لقد جاء الإسلام لرفع الظلم ونشر العدل والمساواة والحرية، مما لا يمكن للعبادات وحدها أن تحققه. بيد أن الرجعية العربية دأبت على محاربة الإسلام رغم أن أقطابها اعتنقوا الإسلام ظاهريا. إنهم المنافقون الذين أشار لهم القرآن الكريم بالقول(لا تعلمهم نحن نعلمهم)(التوبة| 101). لكن النبي أعد التدابير اللازمة لذلك. فأخذ يشير إلى الرجال(الذين حملوا عبء النضال الأول)، الذين أعلنوا مقاومتهم لقريش ورفضهم لما آلت إليه الخلافة فيما بعد، مثل عمار وأبي ذر وسلمان، ليغرس بذرة التشيع الأولى. ثم بلغ التدبير غايته في حجة الوداع التي نص بها صراحة على ولاية علي(ع) من بعده. لقد أعلن محمد (ص)مبدأ الشيعة وفصّلت أصوله فاطمة(ع) في خطبتها وتزعمه علي(ع). فقد وقع كل ما حذّرت منه الزهراء(ع)، فكانت ضحاياه الأولى ممن سمع كلامها أو أبنائهم. وقامت دول الجور والظلم. وحمل التشيع العبء الكبير في التصدي لكل ذلك. صفحات مشرقة لكن الشيعة تولوا الحكم لفترات(فإذا بدنيا الإسلام تستقبل في الحكم شيئا جديدا). فأرست الدولة الادريسية (أسس الإسلام الصحيح في بلد أصبح بفضل الأدارسة الدرع الواقي للجناح العربي من مملكة الإسلام). فقد كان عهدهم (عهد نشر الإسلام وإقامة العمران وبث العلم والإيمان). ولما جاء القرن الرابع الهجري حكم الشيعة جل العالم الإسلامي. فقد حكم الفاطميون والبويهيون والحمدانيون. فماذا حدث؟ اعتبر القرن الرابع الهجري (عصر النهضة الفكرية الإسلامية، واعتبرت حضارته الحضارة الإسلامية الجديرة بالعناية والدرس). فقد تميز الحكم الشيعي بظاهرتين فذتين: إطلاق الحريات العامة للمواطنين، وتبني الدولة للحركات العلمية والفكرية والفنية والأدبية. فأنشأ الفاطميون الجامع الأزهر مقرا لدعوتهم. فدعوا (المذاهب الإسلامية كلها إلى أن تتولى تدريس مبادئها في الجامع الأزهر. فكان للمالكية خمس عشرة حلقة، وللشافعية مثلها ولأصحاب أبي حنيفة ثلاث حلقات). فأصبحت القاهرة محط رحال العلماء والمفكرين الفارّين إليها من الاضطهاد والفقر. هاجم الغزالي الشيعة عامة والفاطميين خاصة، لكنه لم يجد ملجأ إلا مصر الفاطمية لتؤويه. وتناسى الفاطميون ما جاء في كتبه, وألف كتابه(مشكاة الأنوار) بين ظهرانيهم. أما الحمدانيون، فقد أصبحت عاصمتهم حلب قطبا للنهضة العلمية الفلسفية الشعرية الأدبية رغم ما كان يحدق بالدولة من أخطار، فوفد إليها العلماء والشعراء والمؤلفون من أمثال الفارابي وأبي الفرج والمتنبي وابن خالويه. واستوزر البويهيون أبرع الكتاب لتدبير شؤون الدولة وإدارتها. وكان عضد الدولة يُعلي من شأن الشيخ المفيد. وقد مدح المتنبي عضد الدولة بالقول: وقد رأيت ملوك الأرض قاطبة وسرت حتى رأيت مولاها ويقول طه الراوي( في عهد بني بويه وصل العلم والأدب إلى القمة العليا، فنشأ أكابر المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين والمؤرخين والكتاب والشعراء وأساطين العلوم العربية والحذاق في المعارف الكونية). على أن ثمة دولا أخرى كالدولة المزيدية في العراق والمرداسية في سورية والعلوية في طبرستان، وكان لها شأن كبير في نشر العلم والأدب وتشجيع العلماء والمفكرين. أما على صعيد الأشخاص، فيذكر السيد الأمين نصير الدين الطوسي الذي أدرك (أن النصر العسكري على المغول أمل لا يتحقق) وان الهزيمة الفكرية ستقضي قضاء مبرما على الإسلام. وكان جمال الدين الأفغاني-الأسدآبادي داعية إلى الإصلاح والنهوض. وهو رائد النهضة الإسلامية المعاصرة. إن هذا الكتاب ورغم قلة صفحاته لكنه يوفر للقارئ الكثير مما يخفى عليه من حقائق. كما أن مؤلفه دأب على توثيق ما يسوقه من حقائق وأحداث. فهو حقا كتاب جدير بالقراءة.
بقلم: أ د حميد حسون بجية