عندما تقوم الجماعات الجهادية بقتل جنود الجيش والشرطة وحرق محطات الكهرباء والكنائس وأنابيب الغاز ومراكز الشرطة ويذبحون عمال الإغاثة والصحفيون الأمريكيون والبريطانيون، فالشباب المسلم يرتفع صوته بـ: الله أكبر، لكن عندما تقوم الشرطة أو الجيش بمهاجمة بؤر الجهاديين الإرهابيين فإن أتباع الجماعات الجهادية يسارعون بإثارة الشباب المسلم ويقولون لهم: أنظروا إنهم يحاربون الإسلام والمسلمين ويقتلون من يجهاد فى سبيل الله، إنهم يكفرون بالله!!
مما يثير غضبهم وغيرتهم على الإسلام ويتم إشعارهم من جانب دعاة الجهاد بأن الدولة تستهدف كل المسلمين المتدينين الذين يريدون نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة، وهكذا يقع الشباب المسلم تحت تأثير متشددين إسلاميين يسيطرون على المساجد التى يذهبون للصلاة فيها، ويغذون عقولهم وقلوبهم بالأفكار والمشاعر المتطرفة التى تدفعه للإنضمام إلى تلك الجماعات.

من يذهبون إلى الصحارى والجبال ليتدربوا على القتال وحمل السلاح فإنهم يفعلون ذلك لأنهم أمتلكوا قناعة كاملة بأنهم سيقاتلون من أجل قضية عادلة، وعندما يتواصل الأصدقاء والآباء عبر الأنترنت مع هؤلاء الشباب ويطلبون منهم العودة، يكون الرد الأكيد: “سنلتقي في الجنة إن شاء الله”. والملاحظة الهامة أن كل الشباب اليوم سواء مؤمنين أو غير مؤمنين أصبحوا يحلمون بأجواء الألعاب القتالية المنتشرة فى المنازل وعلى الأنترنت ويمارسها الشباب يومياً، لذلك يحلمون بتطبيق ما يمارسونه من إرتداء ملابس عسكرية وحمل أسلحة متقدمة والحيل الذين يقومون بها للإيقاع بالعدو وقتله على أرض الواقع وليس فقط إفتراضياً على شاشة الكمبيوتر، وهذا ما يدفع الكثير من الشبان والشابات الغربيين الذين لديهم الحرية فى الذهاب إلى ساحات الجهاديين ليستمتعوا بمحاربة العدو الواقعى.

إن سقوط الشباب فريسة فى أيدى شبكات التشدد والإستقطاب الجهادى الإسلامى لا يرجع لمغريات مادية، فكما قلت فإن الشباب سواء كانوا فى مستوى جديد من الغنى أو من الفقر لا علاقة له بالموضوع لأن جوهر المشكلة يكمن فى الحرية المنتشرة فى المجتمع، والتى تجعلهم قادرين على الخروج من عباءة آباءهم والأفكار القديمة ليتبنوا الأفكار الثورية والتى يطلقون عليها الصحوة الإسلامية ومنها الأفكار المتشددة التى يشعرون معها بأنهم يدافعون عن الإسلام وينصرون الله على القوم الكافرين الظالمين، وهؤلاء الشباب لا يعرفون الديموقراطية لأنهم نشأوا على فكرة آحادية لا تقبل الشك أو التفكير فى تبديلها لأنها كلمات الله الذين يؤمنون به ويقول لهم: ” الدين عند الله الإسلام.. ومن يبتغ غير الإسلام دينا  فلن يقبل منه
 ، وهو في الآخرة من الخاسرين.”، وعندما يسمع الشباب هذا الكلام من رجال الجماعات الإسلامية بأسلوب حماسى يغير غيرة الشباب خوفاً على دين الله من الكافرين أعداء الإسلام، يقتنعون بعدالة القضية الجهادية التى سرعان ما تتحول على أرض الواقع إلى إرهاب حقيقى وليس جهاداً فى سبيل أى إله إلا آلهة شياطين القتل والرعب!!!
 
إن الجماعات الإسلامية تستغل الغضب والحنق والنقمة الناتجة عن أسلوب خطاباتهم العدوانية الموجهة للشباب والمسلمين عموماً، مما يشعر المسلم معه بالإنبهار لهذا الإيمان والخوف الكبير من ضياع فرصة تأسيس الخلافة الإسلامية ورفع رايتها، ويتم حشد المشاعر الإسلامية بترديد آيات مثل: قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، لذلك يتكون مشروع الجهادى أو الإرهابى من هدف واحد هو القتل والتدمير لأعداءه، لأن عقيدته تقنعه بأن أعماله تلك هى اللبنة الاولى لبناء عظيم فى الجنة الموعودة أى أنه يهدم ويقتل فى الأرض لكنه يبنى وسيحيا فى السماء حيث الجنة والحور العين والغلمان وأنهار الخمر.
 
إن الأنظمة التعليمية الرسمية والدينية تعمل على تثبيت التمييز الدينى بأعتبار أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، مما يكون صعباً تغيير أو القول بعكس ذلك لشباب نشأ وتربى على تلك المقولات الدينية منذ صغره، لأنه يشعر بالسعادة والفخر والكبرياء لإختلافه عن الآخرين وأن الله فضله على العالمين، وما يراه المسلمون على أرض الواقع من إحتلال داعش لأراض فى سورية والعراق ويعتبرونها دولتهم الإسلامية، جعلهم يسترجعون ذكرياتهم التاريخية لعهد الخلفاء الراشدين وهو الحلم الذى يحلم به جميع المسلمين وأساس حروب الجماعات الإسلامية، أى أن الجميع من مسلمين وإرهابيين يتفقون على نفس الفكرة، الأمر الذى جعلها تنتشر بسرعة وتجد لها مناصرين فى كل مكان.
 
إن مأساة التمزق الدينى بين الحقيقة الواقعية والغيبية وعدم القدرة على إيجاد حقيقة واحدة يشترك فيها الجميع، دفعت بالكثير من المسلمين إلى التخبط والوقوع فى شراك الجماعات الإسلامية المتطرفة عقيدياً التى تعتبر ما تقوله أوامر إلهية ينخدع بها المتدينين، الذين لا يفكرون ولا يبحثون ويدرسون ما يقال لهم بل يعملون بمبدأ التسليم الكامل سمعاً وطاعة لقادة تلك الجماعات، وهذا الواقع المرعب للجميع دفع بالهيئات الإسلامية الوسطية الرسمية وبعض المفكرين إلى البحث عن قرائن فى القرآن والسنة النبوية تؤكد أن داعش وإخواتها لا ينتمون إلى الإسلام، بينما داعش وإخواتها من الجماعات الإسلامية المجاهدة لديها من النصوص الإسلامية الكثير لتبرر به القتل والذبح والحرب، وفى الواقع فإن الهيئات الإسلامية الرسمية ومن يطلق عليهم بالوسطيين أو المعتدلين فى الإسلام عندما يصدرون الإدانات والبيانات الصحفية فإنهم يدينون فقط تلك الأعمال الوحشية التى تقوم بها داعش وإخواتها ولا يدينون تلك النصوص الدينية التى يستخدمونها لتبرير إرهابهم، لذلك سيستمر الإرهاب ويستمر داعش والإخوان المسلمين وحزب الله وأنصار الله وبيت المقدس ويستمر أستخدام نفس النصوص الدينية لتكفير الأدباء والمفكرين ورجال الدولة والأديان والمذاهب والطوائف المختلفة.
 
عندما تقوم الحكومات ومؤسسات الأزهر وغيرها من الجامعات والمعاهدد الإسلامية بنزع الشرعية والقدسية عن تكوين تلك الجماعات وتجريم عقائدها التى يستخدمون فيها نصوص دينية تروج لإرهابهم، عندما تقوم تلك الجامعات والأزهر والدولة بتغيير المناهج التى يتعلمها شيوخ المساجد ويصعدون على المنابر يكررون البغض والكراهية للآخر، فهذا هو الذى يجعل آلاف الشباب بل والملايين منهم يصدقون تلك الجماعات والتنظيمات التى تبرهن لهم بالنصوص الإسلامية التى يستخدمها الشيوخ والدعاة وفى متناول كل مسلم بأنهم يطبقونها، بمعنى آخر يقولون للجميع أنهم يطبقون الإسلام، بمعنى ثان أن الدعاة وشيوخ المساجد وقادة الجماعات الجهادية ينشرون الأفكار الجهادية الحاقدة والناقمة على أعداء الإسلام، أما رجال داعش وإخوتها فإنهم ينفذون ويطبقون ويترجمون الكلام إلى واقع وأفعال ترتكب بوحشية.
 
أعتقد أن الكلام واضح يعرفه المثقفون والنخبة السياسية والدينية لكنه يحتاج فقط إلى الأعتراف بأخطاءهم، وأن الغالبية التى فى أيديها إصدار القرار عليها تغيير مناهج تعليمها وإزالة تعاليم الكراهية والعنف والتكفير الموجودة فى المؤسسات الدينية وفى المكتبات، حتى تخرج أجيالاً ليس فيها أحزاباً لله وأحزاب للكفار ولا يكون هناك أنصار أو إخوان مسلمين بل يكون جميع المسلمين إخوة إخوة!!!!