يتمركز ثقل الحوثيين أقلية مذهبية وقبلية في صعدة أقصى المحافظات الشمالية، ويتمدد تواجدهم إلى المحافظات المجاورة حجة وعمران والمحويت وجزء من صنعاء، في حين ليست لهم أية قواعد شعبية ولا حواضن في الجنوب اليمني ولاسيما عدن التي تقع في أقصى الجنوب، والمحافظات الأخرى حولها مثل شبوة وأبين والضالع ولحج وحضرموت ومأرب ويندر أن تجد لهم نفوذا أو وجودا ظاهرا في محافظات الوسط ذمار وتعز وإب والحديدة، وكان الحوثيون قد بدأوا نشاطهم في الساحة اليمنية بدور ثقافية ثم شكلوا حزبا سياسيا بعد وحدة الجنوب والشمال في التسعينيات واتساع مساحة الحريات، ولما قوى عودهم واشتد صاروا يصطدمون بسلطة نظام علي عبدالله صالح ويعارضونه تحت لافتة المطالبة بحقوقهم الجهوية وإنصاف مناطقهم التي يدعون أنها مهمشة تعاني الفقر والإهمال، وبعد اتصالهم بإيران وحزب الله بدأوا تزويدهم بالأموال والسلاح والخبرات ومساندتهم إعلاميا، تحولوا إلى تنظيم مسلح، وخاضوا ضد الجيش اليمني حروبا خلال عشر سنوات، وفي كل مرة يتوقف فيها القتال تحت ضغوط الوساطات القبلية والعربية تتعزز مكاسبهم وتتعاظم قوتهم ويعاودون الكرة ثانية متذرعين بمظلومية أصابتهم من السلطة، وأنهم يدافعون عن أنفسهم وليست لهم أية أطماع في حكم اليمن.
ويوم سنحت الفرصة للحوثيين، خلال ثورات الربيع العربي شاركوا فيها ليعدوا ضمن الحراك الشعبي الثائر وهم ليسوا كذلك، وبعد خلع علي عبدلله صالح وفي ظل خلافات الفترة الانتقالية، استغلوا ضعف الحكومة التي استأثر أنصار علي صالح بنصفها، سعوا لإضعاف نفوذ الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي وتعطيل مسيرته، ثم كشروا عن أنيابهم خلعوا المحافظين والمسؤولين في صعدة وحجة ورؤساء الدوائر الأمنية والخدمية ومديري المدن، وعينوا أنصارهم فيها تحت مسميات ثورية، وهجّروا مناوئيهم في دماج وغيرها من المدن وأغلقوا مدارس تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية والعلوم الدينية التي تخالفهم في المذهب، وحاولوا إفشال الحوار، وفي ظل عدم الاستقرار وضعف مراكز القرار، استغلوا الحشود البشرية في مناطق تواجدهم للزحف على المدن بالسلاح، واجتياح معسكرات الجيش بمسيرات مدنية مصطحبين الأطفال والنساء يتظاهرون بالسلمية مستغلين خشية قادة الجيش من وقوع خسائر تؤدي بحياة الآلاف فيضطرون للاستسلام، ويسرق الحوثيون الأسلحة الثقيلة والعتاد والمعدات، إضافة لأسلحة تزودهم بها إيران وحزب الله، وبلعبة من الرئيس السابق الذي أدرك انه خرج من المولد بلا حمص نكث عهوده ووعوده، واستدرج الحوثيين واستدرجوه فتصالح الأعداء الألداء على دخن، وبيت كل للآخر وتآمروا على الدولة، فكشف الحوثيون عن أطماعهم بالزحف على محافظة عمران ثم صنعاء، واستهوتهم لعبة السيطرة على المدن والمعسكرات بالحشود والمسيرات وخيانة الزمر الموالية للرئيس المخلوع، لم يتوقف زحفهم عند البيضاء وريمة والحديدة وذمار والمحويت القريبة من مناطقهم، وصاروا يحلمون بالسيطرة على كل اليمن خصوصا تعز عاصمة اليمن الثقافية ومقر إقامة الأئمة الذين حكموا اليمن، وأكبر المحافظات اليمنية السنية.
أما عدن فهي عاصمة جمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية الشعبية، والعاصمة الاقتصادية باعتبارها أكبر وأقدم موانئ المنطقة، والعاصمة الشتوية للرئيس اليمني بعد وحدة الشطرين، وتعد رمزا وطنيا واجتماعيا وقوميا، لها شخصيتها وسمعتها وقلعة صمود قارعت الاحتلال، ومن يبسط سيطرته على عدن وتدين له وتلين لقبضته، يبسط يده على كل الجنوب اليمني، وتجارب الأحداث الجسام التي مرت باليمن قديما وحديثا توحي بذلك، يضاف إلى كل هذا أهمية موقعها الاستراتيجي الخليجي البحري، وأغرى البريطانيين سابقا فجعلوا منها قاعدة عسكرية، وسيطرة الحوثيين عليها تقربهم من إيران وتجعلهم تحت مظلتهم، سيطرة تمنح إيران قوة لوجستية ومعنوية تضاعف من أهميتها وتمد هيمنتها البحرية على الناقلات والسفن عبر البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، وبذلك تشكل طوقا فارسيا دخيلا خانقا على رقبة العرب ولاسيما منطقة الخليج العربي تتحكم بالمنافذ البحرية وتتهدد حدودهم البرية. وكتبت عشرات المقالات خلال السنتين الماضيتين عن اليمن كلها تحذر وتنذر.
اليمن الخاصرة الرخوة للخليج العربي، وفي نفس الوقت العمق الاستراتيجي، وموئل العنصر البشري في الجزيرة العربية، وتاريخ اليمن السعيد مشرق ومشرف للعرب وعرج عليه القرآن الكريم بأكثر من موقع وصورة لأهميته ولو نجح مسعى الحوثيين لأصبح الصفويون قريبين من قبلة المسلمين أطهر وأشرف بقعة “مكة المكرمة” محط أنظارهم وأطماعهم الخبيثة أخزاهم الله، ومن يدري قد يغريهم الحقد الأسود فيفعلون ما فعله أبرهة الحبشي بغزوة عام الفيل، وقد هيأ الله لبيته قيادة حياض الحرمين الشريفين فأنجد الخليج بعاصفة الحسم التي مثلت قدرة إلهية ترسمت في قصفها من الجو الطير الأبابيل تقصف الحوثيين وأسيادهم برصاص ونار وشواظ من سجيل فلا ينتصرون. بقدرة الله أصبحوا كالصريم وعصف مأكول.