كل ما أفكر في حال الاسلام ينتابني الأسى ويعصرني الالم على هذا الدين العظيم الذي حوله علماؤه الى فرق وشيع ومذاهب ومشارب يتفاخر بعضهم على بعض ويتبادلون التهم ويتنابزون بالألقاب فقالوا العرب أفضل من العجم ، وقالوا القبيلة الفلانية أفضل من الاخرى، ولا أدرى كيف يحكمون وهم أمة ضحكت من جهلها الامم الاخرى كما قال الشاعر.
ان الاسلام في هذا العصر يتعرض لهجمات مختلفة من كل الجهات حتى من ابنائه والمنتسبين اليه فينبري أناس للدفاع عنه وعن مبادئه وقيمه ونرى بأننا نحتاج الى وسائل إعلام كبرى وامكانات مادية هائلة لرد التهم عن الاسلام علما بان كل المشاكل متركزة في البلدان الاسلامية كالفقر والمرض والجهل والتكفير والقتل والتشريد والظلم.
ان المجتمعات الإسلامية تعاني من الفوضى بالرغم من كثرة الجامعات الاسلامية والكليات الدينية والمعاهد اللاهوتية ومجالس الوعظ والإرشاد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمحاضرات اليومية ودولة صغيرة مثل الدانمارك لا يوجد فيها هذا الكم من التوجيه ولكن نجد فيها الصدق وخدمة البشرية والنظام والنظافة والعلم.
ما السر اذن؟ أهو لان هذا الاسلام الذي بأيدي الناس ليس هو الذي نزل به الله على عبده وان الاسلام الحالي هو صنع انساني بحت (man made).
ان الاسلام المفترى عليه هو المقصود بأفيون الشعوب وليس اليهودية ولا النصرانية، فالكل غير راضٍ عنه، وصار البعض يدعو الى التجديد والتحديث والبعض يدعو الى العودة الى السلف، والبعض يدعو الى الاعتدال والكل يدعو الى قراءة جديدة لفهم الاسلام وكأن الاسلام غير مفهوم منذ ١٤٠٠سنة وقد شاهدنا رجال دين يرتدون العمامة يدعون الى غير الاسلام علنا ويدعون الى العلمانية والديمقراطية كما وصل الحال بأحد رجال الدين ليدعو الى نبذ القران لأنه من تأليف محمد حسب تعبيره.
لقد صارت مواقف الإسلاميين تختلف في القضية الواحدة اختلافا كبيرا اذ لا يصح القول مثلا (موقف الاسلام من الاٍرهاب ) بل يجب القول موقف الشيعة من الاٍرهاب وموقف الحنابلة والاحناف والزيدية والإباضية من الاٍرهاب اذ لم يعد هناك موقف موحد للمسلمين، وكذلك الحال في النظرة الى المرأة والى الموسيقى اذ لا يصح ان نسال عن موقف الاسلام ونظرته تجاه تلك القضايا وإنما يجب ان نقول موقف الشيعة من المرأة او موقف السنة من المرأة وهي بلا شك مواقف مختلفة في قضايا المحرم والزواج والطلاق واشتراط الولي والشهود وكأنهما لم يأخذا هذه الأحكام من مصدر واحد .
اذن ما الفائدة من إنفاق الملايين او المليارات على مراكز الأبحاث والدوريات والفصليات والكتب والمجلات والمحاضرات والأشرطة والفضائيات ومراكز الافتاء والتوجيه والإرشاد ووزارات الأوقاف إذا كانت المجتمعات الاسلامية قد فقدت كل سمات الاسلام وتزاحمت عليها العصبية والتفاخر والتنابذ والطائفية فماذا بقي من الاسلام المحمدي؟
وانا اعلم علم اليقين بأننا لو تخلصنا من المذهبية البغيضة ودخلنا في الاسلام من جديد سنواجه سؤالا اخر اكثر تعقيدا وهو أي الاسلام هو الصحيح، الاسلام التنويري او الحداثوي او السلفي او المعتدل او الليبرالي ، الاسلام المتفتح ام الاسلام التقليدي، الاسلام العصري ام التقدمي وانا اجد الجميع ينادي بمشروع اصلاحي والحسين بن علي هو اول من اشتهر بالدعوة الى الإصلاح وقد سبقه ابو ذَر الغفاري الذي تم نفيه الى الربذة ومات هناك، اي امة هذه التي انقلبت على أعقابها بعد موت النبي الاكرم فصرت امام الاسلام الجديد والإسلام التنويري والإسلام اليساري والإسلام الاشتراكي والإسلام الاخواني والإسلام السلفي والإسلام الحنفي والإسلام الجعفري والزيدي والاباضي والإسلام القادياني اقول : الى كم قطعة يريدون ان يقسموا هذا الدين الحنيف ، يا الهي اكاد لا اصدق ما يجري ، لم يكفهم المئات من الملل والنحل فالإسلام منذ ظهوره الى الان لم يحكم، متى حكم الاسلام ومتى نجح في الحكم وقد ارتد الناس في عهد الخليفة الاول وحروب الردة استنزفت واستهلكت الوقت والجهد والاموال والارواح وانشغلوا بالكامل بالفتوحات الخارجية في عهد الخليفة الثاني وأما في عهد الخليفة الثالث فقد ثاروا عليه في اول فتنة داخلية شهدها الاسلام لم تنته بمقتل الخليفة بل استمرت لتدخل الأمة في ثلاث حروب في عهد الخليفة الرابع وانتهت بمقتله وهو قائم يصلي في المِحْراب ثم تحول الحكم الى ملك عضوض ، وهكذا ظل المسلمون يقتلون المصلحين والقديسين الى يومنا هذا، اذن متى يحكم الاسلام ويحل مشاكل الامم والشعوب والإنسانية او يحل مشاكل المسلمين وحدهم فقط؟، فكم قيل عن اسلام بلا مذاهب وإذابة المذاهب وإعلان الوحدة كما قيل بل التقريب بين المذاهب وعدم إلغاء المذاهب وقيل بان المذاهب تخلف فيما قال البعض لا بل انها مظهر حضاري ولماذا يرى البعض بان الاختلاف هو امر ضروري، فأي أهمية في الخلاف مع اننا نرى ان لا باس بالتعامل مع الخلاف والاختلاف كواقع وليس كضرورة.
نعم لقد تأكد بالتجربة الفعلية بان هذا ليس هو الاسلام أعنى الذي بأيدينا بلا شك ولا ريب وعلينا ان نخرج للبحث عنه لان إذا كان غاية الاسلام هو بناء الانسان فأين هو من واقع الانسان الحالي الواقع المتردي الغارق في وحول المشاكل، وانا أعجب من عاقل يقول بان ظهور المذاهب ظاهرة حضارية وينسى الويلات التي جلبتها المذاهب على المسلمين ومن قال بان تقسيم الأمة الى مذاهب عمل حضاري؟ اليست المذاهب تعني التقسيم الذي يكمن وراءه مصالح وأهواء خفية؟ وقد يقال بان واجب المثقف المسلم هو التصدي، وهل لو تصدى المثقف المسلم فانه لن يدخل في صراع جديد مع مثقف مسلم اخر رجعي فيدخل الأمة في دوامة جديدة، وأعجب من مثقف يقول يجب على الاسلام ان يتطور فيدعو الى ما يسمى باليسار الاسلامي يريد بذلك خلق ما يسمى باليمين الاسلامي معتبرا ذلك مطلبا حضاريا، والمهزلة تصل ذروتها عندما يحذر رجل دين معمم من الدولة الدينية ويعتبرها فخا ويدعو الى دولة مدنية بحجة واهية وهي لأنها تضمن الحقوق وكأن الدولة الدينية تضيع الحقوق ولا تضمنها ، وهكذا صار المسلمون يرفضون الاسلام بتبني الدولة المدنية وقد شاهدنا في الانتخابات المصرية الأولية حيث اختار نصف الشعب المصري احمد شفيق العلماني فيما اختار النصف الاخر محمد مرسي الاسلامي، وهذا حال كل الشعوب العربية والإسلامية ففيها الاسلامي وغير الاسلامي وانهمكوا في خلاف بيزنطي مختصره هل ان الدين سياسة ام الدين دين والسياسة سياسة ويجب فصل الدين عن السياسة حتى لم نعد امام دين إسلامي واحد بل يجد العالم نفسه امام أديان إسلامية جديدة، حتى لجأت الدول الكبرى الى انشاء مراكز أبحاث في كيفية التعامل مع هذه الأمة الغير مستقرة على رأي واحد وصار من الصعب ان يجتمع الاسلاميون على مفهوم واحد ، وحتى داخل المذهب الواحد وصل التراشق حده عندما صار البعض يدعو الى إصلاح المؤسسات الدينية والبعض يعارض ذلك التوجه والشيعة مثلا صاروا يطلقون أوصافًا للمرجعية لتمييزها عن بعضها فقالوا: المرجعية الناطقة والمرجعية الصامتة والمرجعية الحكيمة والمرجعية الرشيدة وغيرها.
لقد اختلف المسلمون حتى في كلام الله تعالى من خلال كثرة التفاسير المطروحة على الساحة، فبعضهم قال نحتاج الى تفسير فلسفي والبعض قال لا بل سياسي او تفسير لغوي واجتماعي حتى وصلت التفاسير إذا اعتبرنا الترجمات الى اللغات المختلفة تفاسير الى عشرات الآلاف، كل هذا والدين ليس سوى امر مختصر له علاقة بعادات الانسان وعباداته والهدف منه خلق إنسان سوي عادل شريف نظيف ولكن أين هو هذا الانسان؟
لقد ابتلي المسلم بخوار فكري واسع بسبب كل هذا الكم من التنظيرات الخارجة على شكل مقالات وبرامج في الإذاعة والتلفزيون والكتب والمجلات والحقيقة الناصعة بان العالم الاسلامي متخلف ومتأخر من جميع النواحي وصار شغله الشاغل توجيه الانتقاد للمتصيدين فقد انتقدوا الحلاج وانتقدوا عمرو خالد وانتقدوا السيد فضل الله، وهكذا كان من الطبيعي ان يتم انتقاد احمد القبانجي واحمد الكاتب وامام هذه الامواج من الانتقادات فان انتقاد القبانجي واحمد الكاتب والقرضاوي يكون تحصيل حاصل وهكذا صرنا بثقافة العنف والقاعدة والقتل والسحل ندعو الى الاسلام.
وفي السابق عندما لم نجد شيئا نلتهي به قمنا بخلق فتنة خلق القران وعدم خلقه شارك فيها علماء واعلام ادخلوا البلاد والعباد في بلبلة لا تحتاج اليها والغريب ان كل فكرة لها أنصار واتباع من العوام والمثقفين المبهورين بمصطلحات الحداثة وقد مرت ١٤٠٠ سنة والمسلمون لم يتفقوا على أقدس شيء عندهم وهو الصلاة، ولم يتفقوا على اسبال اليد او التكتف، ولم يتفقوا على صيغة موحدة للآذان ولا على حجم اللحية وطول الثوب وقصره، فمن يتصدى لتحرير الاسلام من الطائفية والحزبية والمذهبية والتلاعب وتبادل السباب والشتائم، فصار المسلم لا يجد طعم الراحة والسعادة وصارت البلدان الاسلامية لا تجد السير نحو المستقبل .
والحق باني من كثر الأسى الذي يعتمل بداخلي حول مصير هذا الدين بحثت عن اكثر من عنوان لجلب الانتباه الى هذا الموضوع لا سيما وان المقالات عن الاسلام كثيرة جدا جدا وان أكثرها لا تستهوي القرّاء، أقول هذه صرخة ألم:
لماذا يرفض المسلمون الاسلام ويتشبثون بالقومية والطائفية؟
لك الله أيها الاسلام
ارحموا الاسلام يرحمكم الله او ارتدوا عنه واتركوا لشأنه