ما حدث في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الاردنية عمّان منذ أيام كان من دون أدنى شك مُدبراً سلفاً من فلول النظام السابق واعوانهم من البعثيين والاسلاميين المحليين. ومع هذا فان اللوم في ما وقع وتداعياته يجب أن تناله السفارة العراقية وطاقمها. لو كانت السفارة وطاقمها على قدر المسؤولية لتحسّبوا للأمر وواجهوا ما وقع بطريقة مختلفة لا تتحقق معها أهداف المخططين للاعتداء ومنفذيه. ولكن قبل هذا لو كانت التعيينات في السلك الخارجي لا تتدخل فيها اعتبارات المحاصصة الطائفية والقومية والمحسوبية الحزبية والمنسوبية العشائرية والمناطقية لأمكن تفادي ما وقع في عمّان، بل ولحيل دون الفضائح المجلجلة للدبلوماسيين وغير الدبلوماسيين المعينين وفقاً لهذه الاعتبارات. النائب عن ائتلاف دولة القانون الحاكم أحمد العباسي أطلق منذ يومين تصريحاً صحفياً على هامش ما وقع في العاصمة الاردنية قال فيه إن “ما حدث من مشاجرة بين أعضاء بالسفارة العراقية في الأردن وبين مواطنين أردنيين، يكشف مدى الضعف في أداء السلك الدبلوماسي العراقي”، مشيراً الى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تصدر مثل هكذا تصرفات من بعض العاملين في السفارات العراقية”، وأن “هناك العديد من التصرفات الغريبة التي يقوم بها عاملون في بعض السفارات، وما حدث في الأردن جزء منها”، ودعا وزارة الخارجية إلى “إعادة النظر بأعضاء بعثاتها الدبلوماسية وموظفيها في السفارات العراقية”. هذا كلام سليم يستحق ان يوزن بالذهب، ولكن لماذا لا يتلفت النائب العباسي حواليه ليكتشف كم من زملائه النواب في ائتلافه والائتلافات الأخرى ومن أعضاء هذه الحكومة والحكومات السابقة ومجلس الحكم، قد عيّن أقارب له في السلك الخارجي، وليبدأ برئيس كتلة دولة القانون مثلاً، وليواصل مع المتنفذين في الكتلة وسائر كتل التحالف الوطني، ثم زعماء الكتل في الائتلافات الأخرى. النائب العباسي، بوصفه ممثلاً للشعب في البرلمان، من واجبه أن يتقصى الأمر، ومن حقنا، نحن أبناء الشعب، مطالبته بأن يتقصى وأن يعلن للرأي العام نتائج تقصيه، إذا كان حقاً مهتماً بألا يتعين في السلك الخارجي أشخاص تصدر عنهم “التصرفات الغريبة” التي تحدث عنها النائب. واذا كان النائب المحترم مهتما حقاً بان تستقيم الأمور في دولتنا بدوائرها ومؤسساتها المختلفة فانني ألفت نظره الى أجهزة الأمن والدفاع والاقتصاد والخدمات العامة وسواها، فها هنا أيضاً ثمت الكثير من “التصرفات الغريبة” التي لا مثيل لها في معظم دول العالم. هذه التصرفات الغريبة هي التي تفسر استمرار واحتدام الازمة السياسية في البلاد وتفاقم أعمال الارهاب وتفشي الفساد المالي والاداري. النائب المحترم، ما وقع في عمان مشهد صغير في فصل من حكاية كابوسية بعشرات الفصول، هي حكاية الدولة العراقية المحاصصاتية. هل عرفتم السبب؟