يا صاح ِلا ترتجي من شــاعرٍ هزلاً
جدّي بجدّي ، وجدّي في ذرى اللعبِ
لقــد كهلتُ ، ولا فـــي سلّتي عنـــبٌ
حاشـــاكَ لستُ بذي لهــوٍ ولا طربِ
ليس الكواعبُ من همّي ولا نشـــبٌ
فالباقيـاتُ لبــــابُ الفكر فـــي الحِقبِ
هـَــدّ ُالزّمــــانِ لجسمي لا يطوّعني
ولا أقـــرُّ لطـــــولِ الشوطِ بالتّعبِ
حتّى سموتُ ولا فـــــي قادمي كللٌ
ها ..فد وردتُ عيونَ المنهلِ العذبِ
أكـــــادُ مـــنْ ثقــــةٍ بالنفسِ أختمُهــا
لمْ يبــــــدع ِاللهُ إلاّ لغّــــــة العــــربِ !!
ملاحظة : قدمت سورية ، لأن ستبحث الحلقات القادمة عن الذكريات والمفارقات الشعرية والثقافية ، وما حولهما على الساحة السورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد مع شخصيات عراقية وسورية كبيرة ، ومناسبات كبيرة ومهمة ، ومن ثم نتناول بعض الذكريات في المغرب والجزائر ، وهي قليلة لتفرغي للتدريس ، شكرا لوزارة الثقافة العراقية المحترمة التي تتجاهل وتستصغر ، شعراء العراق وكتابه وأدباءه وعلماءه ، والحكم للقارئ الكريم والتاريخ والأجيال …!!
1- سوريا والعراق من أين و إلى أين …؟!!!
لا يختلف اثنان من السياسيين المنصفين وغير المنحازين أن الرئيس السوري الكبير حافظ الأسد، كان حكيماً ، محنكاً ، صلباً ، مثقفا ، بليغاً ، – وبالتأكيد بعض الأخوة السوريين يتحفظون على صفة أو أكثر مما حددت – ، وربما أثرت علي الظروف الموضوعية قليلاً ، لإصدار أحكامي لما مرّ به وطني الحبيب من بؤس وتعاسة أبان الحروب والحروب المضادة ، ولكن قد قلت مراراً ، وقد عشت معظم الوطن العربي ، أنني معجب بالرؤساء الثلاثة عبد الناصر ، وهواري بو مدين وحافظ الأسد ،لوطنيتهم ، وتحمسهم لعروبتهم ، ولا أرى ريباً في سلوكهم ، وما زلت على رأيي ، و ليس لي أي مصلحة شخصية سابقة أو لاحقه مع أيّ منهم سوى أن سوريا الحبيبة في عهدالرئيس الأسد الأب ،قد احتضنت العراقيين بكرم عربي ، وأنا واحد منهم ، وأقل من كثيرهم جداً قد انتفعت مادياً ، ومصلحيا (الجواز لي ؤلأفراد أسرتي للسفر والمرورفقط) من النظام ، والقياديون العراقيون الحاليون في السلطة ، وغيرهم وما أكثرهم يعرفون هذا تماماً ، وأخلاقي وشهامتي وعروبتي ، بل حرصي على سوريا الحبيبة، ومستقبل أمتنا ، تحتم عليَّ أن أقول كلمة الحق ، أما من الناحية الشعرية والثقافية – كما سترون – فرضت نفسي بجهدي الجهيد وموهبتي العالية التي أزعم أنني أتمتع بها ، وأبيت التعويض المادي من الأخوة السوريي) على أي نشر ، أو مشاركة ، وما أكثرها ، ستأتي الأمور ، مهما يكن من أمر ، كانت سوريا مستقرة ، آمنة ، مزدهرة ، لها هيبتها العربية والدولية – وأتحفظ على أحداث حماة المؤلمة ، بل أدينها ، والحقيقة كنت حينها في الجزائر ، وبجواز السفر السوري لدواعي إنسانية وثقافية – ولكن الذي أعرفه ، دون التعمق فيه أن معظم قيادات الدولة والمجتمع المدني والعسكري من الأغلبية الأجتماعية المذهبية للبلد ، والرئيس حافظ ، كان يبدو ظاهرياً كأنه واحد منهم تماماً ، والباطن علمه عند الله ، ربما الأقليات الدينية بتنوعها ومذاهبها تسيطر نوعما على الأجهزة الأمنية التي كنتُ بعيدا عنها تماماً، ولكن لم تفتني النباهة أن هذه السيطرة معتمدة من قبل القيادة النافذة إلى درجة تحفظُ الموازنات من التخلخل الأمني ، وبالتالي الحفاظ على استمرارية النظام ، وهكذا كان الوضع في العراق ،فكلا النظامين علمانيان ، ولكن امر الهيمنة في العراق كان أكثر وضوحاً وجلاء وتعصباً وعنفا ، لا لدوافع دينية أو طائفية ، كما يتوهم البعض ، وإنما لأسباب سياسية وجغرافية وتاريخية ، وخصوصاً أنّ الجارة إيران تحدّ العراق بـ (1458 كيلو متر) ، وبعد ثورتها صرح القادة الإيرانيون بإمكانية تصدير ثورتهم ،مما أثار حفيظة القيادة العراقية ، وذهبت بعيدا دون حكمة أو رويّة ، مما أدى إلى نشوب الحرب وشعر النظام بعد ذلك بالشرك الذي وقع فيه ، ولات حين ندم ، وجرت الحرب حروباً ، وما كان العراق من بعد يريدها ، وحاول إيقافها مراراً ، ولكن خرج الأمر من يديه فوصل العراق إلى هذا الحال المحال !! ، وقد قال شاعرنا الحكيم زهير بن أبي سلمى منذ العصر المكنى ظلماً بالجاهلي ، ونرتضيه فقط ، إن كان جهلاً بالإسلام :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجّم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة****وتضرى إذا ضرّيتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها **** وتلقح كشـــافاً ثم تحمل فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم **** كأحمر عــــاد ثم توضع فتفطم
ولا أستطيع أن التثبت من المسؤول عن إندلاعها ، وليس من مهمتي ، وإثارة مثل هذه الأمور ، ليس من صالح وطني ، ويجب غلق مثل هذه الأمور تماماً ، والتوجه نحو الوحدة الوطنية ، وتناسي الولاء للجيران تماما ما بين العراقيين ، فالعراقي للعراقي هو الأول والأخير ، والولاء للوطن فقط وأهل الوطن دون أي تمييز بأي شكل من الأشكال ، ومهما كانت الأسباب ، يجب أن تكون الرحمة ( المقتدرة) ، فوق العدل (الضعيف) ، و (القوي) ، إن منَّ الله به !! .
ومع أني لا أعطي صك البراءة لرأس النظام السابق عن طيشه وجرمه ، ، ولكن لاأحمله المسؤولية الكاملة عما حدث ، ولا أغلبيتها ، فالرجل كان يمثل العراق لربع قرن بشكل رسمي ، ناهيك عن السنوات العشر من قبل ، وكاد أن يكون هو الأول ، بل هو الأول منذ أواسط 1974م ، فتلبيسه التهمة الكاملة ، يعني تحميل شعب العراق كلـّه جميع الأجراءات القانونية ، وتبعاتها الاقتصادية والمعنوية .. يا أذكياء السياسة ، وهذا ما وقعتم فيه ، ولا أزيد …!! ، وأنتم في وطنكم ، وقادته المحرسون – لا بالله !! – ، وخائفون ، مرتعبون ، وأنا الثابت عندي أن الجيران قد حرّضوا العراق ، وخذلوه من بعد ، بل غدروه ، وطالبوا بثمن غدرهم على حساب الشعب المظلوم !! ونحذركم أمام الله والشعب والتاريخ من الوقوع في شرك آخر أدهى لأجندة يراد منها تقسيم العراق ، والأمة ، حذار ..حذار !! . وإلا ما معنى حل الجيش العراقي وشرطته وأمنه ، أليسوا هولاء بعراقيين ؟ ، وهذه النتيجة ، والله الحافظ من كل شرّ ، ثم لماذا الأجهاض على الجيش العربي السوري وشرطته وأمنه ؟ و من يمدّ طرفي الصراع لاقتتال الأخوة الذين صيروا أعداءً بقوة المال والسلاح ؟ كل هذه المذابح ، والأسلحة الفتاكة ، والتدمير الشامل ، وحرق الأخضر واليابس لأزاحة بشارمن الحكم ؟!! ومن بعد ماذا سيحل بسوريا والعراق والمنطقة؟!! الفوضى الخلاقة!! هل أعطت الحياة عهداً لأحدٍ ، ستكون هذه الفوضى لمصلحته ، يا مجانين ؟!! ومن قال أنّ المخططين هم أذكى من غيرهم؟ سادتي الكرام الحياة أعقد مما تتخيلون !! وقديماً قال شاعرنا المتنبي العظيم :
ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ