لماذا أحب محمدا ﷺ ؟! (15)
قال تعالى :”وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
لا تلعنوا كورونا -الخشن- وأصلحوا أنفسكم المائعة !
احمد الحاج
واحدة من الأحاديث النبوية الصحيحة وجوامع الكلم قوله ﷺ :” بينَ يدَي السَّاعةِ تسليمُ الخاصَّةِ ،وفُشُوُّ التَّجارةِ حتَّى تُعينَ المرأةُ زوجَهَا علَى التَّجارةِ ،وقَطعُ الأرحامِ ،وفُشُوُّ القلَمِ، وظُهورُ الشَّهادةِ بالزُّورِ،وكِتْمانُ شَهادةِ الحقِّ” وهذه بمجموعها تمثل ما آل اليه حال البشرية جمعاء بظل العولمة وإنفجار ثورة المعلوماتية حيث فشت الكتابة في مواقع التواصل وقطِّعت الأرحام بفعل إنشغال الناس بتلكم المواقع ونظيراتها من نوافذ ومنصات السوشيال ميديا وألعاب الكترونية ووسائل إتصال حديثة ونحوها عن ذويهم وأقاربهم ومحبيهم ،إضافة الى إنشغالهم بشؤون الحياة المادية المعقدة عن بعضهم بعضا مع إستشراء قول الزور وإنتشارالكذب وفشو التجارة والتسوق بشكل غير مسبوق وإختصار المسافات والأزمنة حتى صار بالإمكان عقد صفقة تجارية أحد طرفيها في بغداد والآخر في الصين بضغطة زر وبظرف ثوان معدودة عبر الانترنت مع ملء مستنداتها وتسديد ثمنها كاملا كذلك ،فضلا عن إنتشار وسائط النقل السريعة من طائرات وسفن ومركبات قلصت المسافات وقاربت الأزمنة ويسرت التجارة وصار ما كان يقطع ويصدر في أشهر عدة يتم بظرف ساعات لا أكثر بما أخبرنا به الصادق المصدوق ﷺ قبل 1441عاما،هذه العلامات تأتي تزامنا مع علامات أخرى أخبرنا بها النبي ﷺ ايضا :
قال صلى الله عليه وسلم :” في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف “قيل يا رسول الله ومتى ذاك ؟قال :”إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور”والقيان تعني المطربات أوالماشطات اللائي يتخذن المشط لهن مهنة بما يعرف اليوم بالحلاقة النسائية وماشابه،وفي حديث آخر “يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف”قيل يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟قال :”نعم إذا ظهر الخبث” والخبث يعني كثرة المعاصي.
قبل أيام فجر الكاتب الاميركي بمجلة التايم ،أيان بريمير،مفاجأة من العيار الثقيل مؤكدا بأن وباء كورونا المستجد سينهي المرحلة الاولى من العولمة، مضيفا ، انه” وخلال العقود السابقة، أفتتحت الأسواق وأصبحت سلاسل التوريد عالمية، وظهرت الطبقات الوسطى،وتكونت اتصالات جديدة مع التدفق الحر للمعلومات والأفكار والأموال والوظائف”.
ودعوني أبدأ بتساؤل حيَّر أصحاب الفكر والعقلاء مفاده “أتفر الأمة الأميركية المادية الدنيوية التكنولوجية الى الله وتخصص يوما وطنيا للصلاة على لسان رئيسها ترامب فيما نفر نحن أمة الحبيب ﷺ من الله تعالى الى لا مكان ونركن الى الدنيا وزخرفها الزائل والى الذين ظلموا أنفسهم وشعوبهم” مالكم كيف تحكمون ؟
وأضيف لا تلعنوا كورونا ، نعم لا تلعنوا كورونا فلقد أعاد هذا الوباء الفتاك البشرية كلها الى إنسانيتها،الى آدميتها ،الى خالقها ،الى أخلاقها ويكفيه أنه أغلق جميع البارات والملاهي والكابريهات ونوادي المجون والرقص والشذوذ والقمار ودور الدعارة والبغاء وبلاجات العري والتعري حول العالم ،بل وخفض نسبة الفوائد الربوية ايضا، يكفيه أنه جمع العوائل ثانية في منازلها بعد طول تفرق وفراق،يكفيه أنه أوقف القبل والتقبيل بين الجنسين والجنس الواحد ،يكفيه أنه دفع منظمة الصحة العالمية الى الإعتراف بأن تناول الخمور كارثة وعلى من لم يعاقرها يوما أن لا يفعل ذلك أبدا،يكفيه أنه دفع جميع المؤسسات الصحية الكبرى الى الإقرار بأن تناول كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير علاوة على شرب الدم وبيع وأكل والاتجار بالحيوانات المريضة والميتة مصيبة المصائب الصحية ووبال على كل من يفعل ذلك ،يكفيه أنه علم البشرية كيف تعطس،كيف تسعل،كيف تتثاءب كما علمنا إياه رسول قبل 1441 عاما ،يكفيه أنه حول ثلث الإنفاق العسكري العالمي الى المجالات الصحية بدلا من العسكرية ،يكفيه أنه دفع وزارات ومديريات الصحة العربية الى حظر تدخين النارجيلة وإغلاق كافيهاتها، يكفيه أنه حد من الإختلاط المذموم بين الجنسين،يكفيه أنه أذاق وزراء ورؤساء دول بعضها كبرى وعرفها معنى الحجر والحجز وتقييد الحرية، يكفيه أنه دفع البشرية الى الدعاء والتضرع والإستغفار وترك المعاصي والمنكرات،يكفيه أنه أذل برغم صغر حجمه المتجبرين وأظهرهم بمظهر- المتسول الوضيع- يكفيه أنه قلل والى أدنى مستوى معروف من سموم المصانع التي لوثت أجواء الأرض،أبادت غاباتها ،لوثت بحارها ومحيطاتها ،أذابت جليد قطبيها ،غيرت مناخها ،وسعت ثقب الأوزون في سمائها ،أماتت الأحياء حول الكرة الأرضية وأصابتها بمقتل ،يكفيه أنه أعاد البشرية الى عبادته بدلا من عبادة التكنولوجيا التي صارت لمعظم البشر ربا من دون رب الأرباب ،يكفي كوفيد – 19 أنه أرغم كبار المسؤولين في دولهم على إعادة النظر بأحوال السجون وأوضاع السجناء والمعتقلين وأهمية تعفيرها وتعقيمها وربما إطلاق سراح السجناء المكتظين داخلها بضمانات كذلك ،يكفيه أنه دفع قيادات كبرى في بلدانها الى تقليل إجتماعاتها ومؤتمراتها وتجمعاتها وأكاذيبها ،يكفيه أنه حد من مظاهر الشرك بالله وبدع الإستعانة بخلقه وضلالات التبرك بمخلوقاته من دونه سبحانه وصار الكل يجأر بالدعاء اليه متذللا له وحده من دون شريك بين يديه ،فإن قيل ولكن الجماعات والجمعات تعطلت ايضا ، قلت “حيثما حل وقت الصلاة وجبت وكل الارض جعلت للمؤمنين مسجدا وطهورا”بخلاف أماكن اللهو والعبث والمجون فلها أماكنها وشياطينها،حقا ان ما تعيشه البشرية اليوم من رعب شل حركتها كليا يشبه أجواء الحرب العالمية الأولى وإنتشار الأنفلونزا الاسبانية حين طغى الانسان وتجبر وظن نفسه أنه قد خرق الأرض وبلغ الجبال طولا فكان لزاما أن يؤدَب وبحضرة خالق الكون أن يتأدب،اليوم فقط أدركت – عمليا – كيف يمكن للبلاء الرباني وبأضعف جندي من جنده أن يكون خيرا للبشرية لا شرا لها فلا تلعنوا كورونا ونظراءه من إبتلاءات لأن البشرية بعدها لن تكون كما كانت قبلها إطلاقا وحسب البلاء أن يعيد البشرية الى جادة الصواب بعد طول جنوح !
ويبدو ان كورونا الثوري – الخشن – قد أطاح بالرأسمالية العالمية الناعمة فها هو يواصل الاطاحة بالمشاهير وعلى رأسها ” فرق ريال مدريد ، ايفرتون،تشيلسي ،ارسنال، يوفنتوس ، سامبدوريا ” بعضها خضع للحجر الصحي الكامل على مستوى اللاعبين والمدربين وبعضها في طريقه الى الحجر بعد اكتشاف اصابات بين صفوفها بالوباء مع ورود أنباء عن إصابة الرئيس البرازيلي بالوباء وسكرتيره الصحفي إضافة الى وزير الاتصالات وكلاهما إجتمعا بترامب ونائبه مؤخرا – ترى هل سيصاب ابو كذيلة بالوباء ايضا ؟ – ، حجر رئيس وزراء كندا وزوجته لإصابتهما بالوباء ،وزير الداخلية الاسترالي التحق بقوافل المصابين ،رونالدو وتوم هانكس يعزلان نفسيهما في حجر إختياري لوجود شكوك بإصابتهما بالوباء ، وزير الثقافة الفرنسي وزوجته وخمسة نواب فرنسيين في الحجر بالتزامن مع إغلاق متحف اللوفر وبرج ايفل ،وزيرة الصحة البريطانية في الحجر، قائد القوات الأمريكية في أوروبا في الحجر ، رئيس البرتغال في الحجر ، الصحة العالمية تعلن أن أوربا صارت بؤرة للفايروس ، ترامب يعلن حالة الطوارئ في كل امريكا ويمنح وزارة الصحة صلاحيات مطلقة ، رئيس وزراء بريطانيا – شبيه ترامب – يؤكد أن أرقام الاصابات الحقيقية اكثر بكثير من المعلن ، وزيرة المساواة الإسبانية ورئيس الوزراء الاسباني في الحجر والاصابات والوفيات بالمئات ،عن عديد القيادات والمستشارين والنواب الإيرانيين المصابين بكورونا أكبر من العد والحصر،والحبل على الجرار كل ذلك يحدث وافريقيا السوداء الفقيرة المعدمة المسكينة أم الثروات والمعادن الطبيعية – المنهوبة – والطاقات البشرية – المعطلة – لم تسجل حالة واحدة ، إيه كم انت ثوري ياكورونا واذا ما بقي الوضع على ماهو عليه وعلى هذا المنوال فسيعلن الفقراء بأن كورونا -نصيرهم – بحق، وتحليلي والله أعلم أن جوع الفقراء وحرمانهم الطويل قد منحهم بعض المناعة والقوة والصلابة ضد المرض ، صلابة يفتقر المترفون اليها كثيرا لطبيعة حياتهم الغارقة والمغرقة بـ “النزاكة ” بما هو مجرب عمليا ،شخصيا أعرف ثلاثة مجانين في منطقة العلاوي بينهم امرأة ينامون على الرصيف في عز الشتاء القارس من دون أن يصاب أي منهم حتى بـ” نشلة ” على مدار خمس سنين وأنا أمر بهم يوميا في طريق عودتي من عملي الى المنزل فيما أصبت وأصيب زملائي خلال الفترة نفسها بالانفلونزا بمعدل – 1- 2 مرة سنويا على الاقل !
وختاما لا تنسوا الادعية المأثورة الحافظة في السراء والضراء مع الأخذ بالأسباب من باب إعقل وتوكل ، لا نم وتواكل :”اللهم اني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء وعضال الداء ..أعوذ بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة وعين لامة .. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ” .
اودعاكم اغاتي