لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (16)
قال تعالى : وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”.

كورونا فضَحَهُم ..كوفيد-19عرَّاهُم !

احمد الحاج

بداية أنوه الى أن المقال ذو شجون وبشقين -علمي وإنساني – فقبل أيام ضجت الصحف ووكالات الأنباء بما نشرته مجلة نيوزويك الاميركية على لسان أستاذ علم الاجتماع الاميركي ريغ كونسيدين،في معرض رده على عالمين أميركيين آخرين شددا على ،أن”النظافة والحجر الصحي هما أفضل وسيلتين طبيتين لكبح جماح فايروس كورونا المستجد وضمان عدم إنتشاره بين البشر”وأكد لهما،إن “النبي محمد قال: إذا ما سمعتم بإنتشار الطاعون بأرض ما فلا تدخلوها، وإذا انتشر في مكان وانتم فيه فلا تغادرونه ويجب إبقاء المرضى بعيدا عن الأصحاء والالتزام بالنظافة الشخصية”.
وإسترسل أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس ،مؤلف كتاب(إنسانية محمد..وجهة نظر مسيحية) كما جاء في سيرته الشخصية،وأسهب طويلا بعرض توجيهات النبي الأكرم ﷺ في ضرورة الأخذ بالأسباب وفضيلة التداوي وأهمية غسل اليدين قبل الأكل وبعدها، وغسلهما بعد الاستيقاظ من النوم وعقب الخروج من الحمام ولكل واحدة من تلكم السنن التي إستشهد بها كاتب المقال أحاديث نبوية شريفة في كل باب منها وليس حديثا واحدا فحسب بما سبق أن إستعرضناه في الحلقات السابقة من هذه السلسلة المباركة بإسهاب وبما يغني عن التكرار،هذه الاعجازات الطبية والعلمية والانسانية المذهلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كانت دافعا للكثير من العلماء والأطباء الغربيين لتأليف الكتب المهمة تلو الأخرى بشأنها والتي ترجمت للغات العالم الحية ،ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى إشهار بعضهم إسلامه وتغيير إسمه تأثرا بما قرأ وأكتشف من درر كانت مخبأة بالنسبة له قبل إكتشافها قدرا لعل من أشهرهم الطبيب الفرنسي موريس بوكاي ،وكتابه الشهير”دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة”الذي أثنى فيه على القرآن الكريم كثيرا،وأستاذ الرياضيات والمنطق في جامعة تورنتو الكندية،غاري ميلر ،الذي أسلم وغير إسمه الى عبد الاحد عمر،ليؤلف كتابه ذائع الصيت “القرآن المذهل “، كذلك بروفيسور الرياضيات الاميركي جفري لانغ ،الذي أسلم وألف العديد من الكتب وأشهرها ” الصراع من أجل الإيمان” هذا فيما يتعلق بالجانب العلمي من المقال ،أما فيما يخص الجانب الانساني فالموضوع له علاقة وثيقة بمكانة الأبوين وكبار السن في الاسلام وهذه لا تخفى على أحد وفيها قال رسول الله ﷺ: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا” ،وقد أولى الاسلام الأبوين وكبار السن رعاية خاصة ومميزة جدا يتضح ذلك من سياق الآية الكريمة التي تصدرت المقال والحديث النبوي الشريف الآنف،وفي ذلك قال النبي ﷺ :”ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس قال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت “، وقوله ﷺ:”ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ ؛العاقُّ لوالِدَيهِ،والمرأةُ المترجِّلةُ،والدَّيُّوثُ ،وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيهِ،والمدمِنُ على الخمرِ،والمنَّانُ بما أعطى”، وغيرها الكثير من الأحاديث النبوية بما لا يتسع المقال لذكرها وكلها تحث على بر الوالدين وبالأخص الأم وتحض على إكرامهما وأقاربهما ومعارفهما إكراما لهما في حياتهما و بعد مماتهما من باب ألف عين لعين تكرم ، ولله در شوقي القائل في الحبيب الطبيب ﷺ:

وإذا رحمت فأنت أم أو أب..هذان في الدنيا هما الرحماء
يوم قرأت التقرير الذي نشرته بلدية مدريد قبل أعوام خلت والذي أفاد بأن الشرطة المحلية عثرت على جثث خمسة مسنين في يوم واحد كانوا يعيشون وحيدين في منازلهم بينهم إمرأة في الـ 78 من العمر اضطروا الى اخلاء جثتها عبر النافذة بمساعدة رجال الإطفاء بما نسمع ونقرأ عنه في معظم الدول الاوربية التي تعاني من التفكك الاسري والانهيار الاخلاقي، ويوم اطلعت على ما ذكره الدكتور عبد الله الخاطر في كتابه (مشاهداتي في بريطانيا) بشأن جارته الانكليزية، التي عاشت أواخر أيامها وحيدة بعد أن هجرها أولادها وبناتها عقب وفاة زوجها، حيث نقل عنها قولها “إن لي اولاداً وأحفاداً لا أعرف تحديدا أين هم الآن ولا يزورني منهم أحد وقد أموت وأدفن أو أحترق وأنا حية وهم لا يعلمون عني شيئا، ولولا منزلي هذا لوجدت نفسي الآن في دار المسنين” ويوم طالعت وقرأت عن ما يسمى بـ” الموت الرحيم ” وكيف ينهي المسنون حياتهم إنتحارا بواسطته إما بإختيارهم وإما بطلب وتوقيع من معارفهم ،أضف الى ذلك قضية كثرة دور المسنين هناك لغياب المعيل والراعي الاسري،أو عيش كبار السن بمفردهم من دون رعاية تذكر من قبل أولادهم وأحفادهم لأسباب كثيرة منها قلة الخصوبة وطبيعة النظام الأسري في أوربا عموما والذي يشهد تفككا كبيرا وإنجابا خارج إطار الزوجية ناهيك عن ارتفاع نسبة العنوسة بين النساء والعزوبية بين الرجال لإكتفائهم بالصداقات والعلاقات الوقتية أو الدائمية خارج إطار الزوجية بما يجعلهم في غنى عن الزواج ويحولهم الى أناس يعيشون الوحدة القاتلة بأبشع صورها عند كبر سنهم ووهن عظمهم بخلاف العالمين العربي والاسلامي حيث يكون للمسن عموما إحترامه ومكانته وحيث يتسابق الأولاد والأحفاد لرعايته وبره بشتى السبل رغبة في مرضاة الله ورضوانه ،اقول عندما قرأت كل ذلك عن وحدة المسنين في اوربا برغم الرعاية الحكومية لهم لم أتصور أن تتطور الأمور الى ما هو أكثر شراسة بحق المسنين في الغرب وقطع آخر خيط لرعايتهم بسبب جائحة وبائية هي الاخطر منذ 100 عام يوم ظهرت الانفلونزا الاسبانية وحصدت أرواح الملايين !
اليوم ومع تزايد أعداد المتوفين والمصابين ومعظمهم من كبار السن بوباء كورونا المستجد ( كوفيد – 19) في أوربا برزت ظاهرة دقت المسمار الأخير في نعش إحترام المسن وتوقيره أوربيا تمثلت بإهمال المسنين والتفرغ لعلاج من هم أصغر سنا وأكثر قوة وأوفر انتاجا منهم ،وهنا أسأل، ترى هل بابا الفاتيكان فرنسيس وعمره 83 سنة مشمول أيضا بالمقترح المطبق واقعا في عموم أوربا حاليا والذي يهمل علاج المسنين من كورونا ويتلكأ في إسعافهم ويكتفي بالحجر عليهم في منازلهم فحسب، علما أن البابا برئة واحدة- اليسرى فقط -بعد استئصال اليمنى نتيجة لإلتهاب رؤي حاد اصيب به في شبابه ؟

فعندما تقدم وحدة الأزمة الايطالية مقترحا لمواجهة كورونا يقضي بـ” إيقاف العلاج لكبار السن” وما اكثرهم بالقارة العجوز حيث يشكل من هم فوق سن الـ 80 واحدا من كل 20 شخصا بحسب إحصاءات 2015 نسبتهم الاعلى اوربيا في ايطاليا التي قدمت المقترح الاجرامي العجيب اذ يشكل كبار السن فوق الثمانين فيها ما نسبته 6,5 % من عدد السكان ، فما بالك بمن هم دون الثمانين ممن تتراوح اعمارهم بين 65- 79 عاما ؟ علما ان تعريف المسن على وفق القانون الدولي هو كل من تجاوز سنه الـ 60 عاما والناس عموما تخلط بين كبر السن وبين أعراض الشيخوخة فليس كل مسن يعاني من الشيخوخة ولا كل غير مسن لايعانيها !
المقترح اللاإنساني هذا يهدف أيضا الى إيقاف العلاج عن كل أصحاب الأمراض المزمنة وما أكثرها بما يفوق أعداد المسنين ونسبتهم هناك..وإيقاف العلاج للميئوس من شفائهم وما أكثرهم ولاشك ،هنا لا تملك الا أن تدرك جليا بأن ملف حقوق الانسان في أوربا الذي صدعوا رؤوسنا به مجرد – حبر على ورق – وليعلم الجميع بأن تطبيق هذا المقترح في اوربا والاميركيتين حاليا لمواجهة كورونا من شأنه أن يستمر مستقبلا ليصبح عرفا سائدا عندهم تؤمن به كل شرائح المجتمع بمن فيهم المسنون انفسهم ولعقود مقبلة وقد يدرج ضمن المناهج الدراسية ولجميع المراحل بما فيها كليات الطب كذلك ولا أستبعد البتة من ظهور ألعاب الكترونية تشجع على قتل كبار السن لتأمين العلاج وضمان الحياة للشباب في زمن الاوبئة، بل ولا أستبعد من تساهل القانون الاوربي والاميركي مستقبلا مع كل من يقتل شيخا أوعجوزا طمعا بمالهما وثروتهما لأنه أحق بالحياة والانتاج منهما بحسب العرف الشيطاني الوضعي المقبل ،ألم تبرأ ساحة كل من إرتكب جرائم حرب نكراء من جنودهم هاهنا في العراق وأخلي سبيلهم بمن فيهم مجرمو سجن ابو غريب وجلادوه الأميركان ؟!
علما أن “ملف حقوق الانسان الاوربي هذا لايُخدع به ولا ينطلي الا على من غسل دماغه وشرق وغرب ،اما من عاش في بلاد أخرى – استحمرتها – اوربا لعقود وما زالت يدرك مليا أنه ملف كاذب ومزيف ومخادع الى ابعد الحدود ، اذ لاتوجد دول على سطح الكرة الارضية انتهكت حقوق الانسان كالاوربيين ومن نسلهم الاميركان عبر التأريخ ، اقرأ التأريخ كله جيدا لهذا الغرض وتمعن كيف صنعوا بهذا الشأن ، لقد اهلكوا الحرث والنسل وابادوا الشجر والحجر في كل بقعة مروا بها واقتادوا الاقوياء من الافارقة السود بعد ان ارتكبوا بحق البقية الباقية من نساء وشيوخ واطفال المجازر المروعة تلو الاخرى وحملوهم – كالكلاب -على ظهر سفنهم ليعملوا عبيدا في بلدانهم كذلك فعلوا بالهنود الحمر وبالجنس الاصفر وبالعرب في الاندلس ، عن محاكم التفتيش” ضحاياها 12 مليون ” عن الحروب الصليبية “ضحاياها بالملايين “عن الحربين العظميين ” ضحاياها 66 مليون انسان وثلاثة أضعافهم من الجرحى ،عن التمييز وسياسة الفصل العنصري لن أتحدث،علما أن أخس طغاة الأرض أوربيون أو من أصول اوربية ” نابليون ، هتلر ، موسوليني ، ستالين ، آل بوش وغيرهم المئات ” أما أحط دول الاستخراب ولا اقول الاستعمار-فهي ولاشك بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا وهولندا والبرتغال والمانيا واميركا وجرائمهم شاخصة في الذاكرة الانسانية وستظل- كورونا المستجد هذا سيعيد ترتيب أوراق التأريخ حاليا ويعيد قراءته من جديد ولن يكون العالم كله بعد كورونا كما كان قبله بما أكده غير واحد من الخبراء والمراقبين ومنها تغير موازين القوى والعديد من النظم والكثير من القيم والمفاهيم الإجتماعية والإنسانية هبوطا هنا وصعودا هناك !

ولله در الامام الشافعي القائل :

فكم من صحيح مات من غير علة..وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر

اودعناكم اغاتي