إن ما يعتري المادة من تجاذبات وتناغمات كانت منذ القدم لغة الجسد الهاجرة التي عرف بها آدم أُمَّنا حواء دون البوح بالهمهمة أو التمتمة، فكانت النظرات تعدل الكلمات حينما كان الحب مخلصاً مجرداً عن كل الأطماع غير الحب، وأيُّ حبٍّ؟! إنه الحب العذري الذي يكون ملاكه الجسد وأنغامه وطروبه، فكان المحبُّ يعشق ويتيه بمعشوقه للوهلة الأولى؛ ليضيع في بحر ملذات الشوق والتنهيد، فالحبُّ أسمى من الكلمات بل وفوق الوصف، إذ لا وصف عنده يرد إلا لغة الجسد للجسد والمغنطة وتجاذباتها تعمل دورها في العذري دون غيره، لتعلن عن تنفس الحب الصادق والدائم وأي حُبّ يتكلم عنه هؤلاء الشباب شباب اليوم، إنه الفوضى بعينها واللاشعور بعظمته أين عشق العيون؟ أين خفقان القلب؟ أين رجفة الحب؟ أين برد المشاعر لا برودها؟ إن حالة العشق التيمي، وهو في الحب له القدح المعلى والذي لا يشقُّ له دون غيره من بعده غبار، إنها فلسفة الديناميكية اللامحدودة والتي تنمُّ عن عشق يذيب جدار القلب؛ ليعلن الصبابة في المعشوق والتيه في التناغمات، فحالة الرجفان وحلاوتها تنسي أخطاء التمتمة والحنحنة؛ لأنها توصله للجنون!! عاشقاً ومعشوقاً حبيباً ومحبوباً وصاهراً ومصهوراً.
حتى قال أحدهم :
أنا من أهوى ومــــــن أهــــــــوى أنا نحـــــن روحـــان حــــللنا بـــــــدنا
وهذا هو حالة الذوبان في المعشوق، وهي أقصى مراتب التيم أو الوله ،على حدّ علمنا، فهي حالة لا يصل عندها إلا من كان لمن يراه، إنه حس المحسوس وهو أقصى بل ومنتهى جمال الملموسات.. ذوبان حقيقي وانصهار ذاتي لفسحة لا يكاد يُرَى ضوؤها إلا لمتلمسٍ عاشقٍ ولهانٍ، أحنَّه عشقه العذري، إنها لغة الجسد المعبرة عن حاجات الروح السامية ليلها نهارها.. أينما حلت ترى معشوقها نصب أعينها هنيئا للواصلين وتوفيقاً للمتلمسين .. بصيص الضوء المنبعث من برزخ الدنيا للمريد وللطالب ..

بقلم: أحمد كاطع البهادلي