للأسف الشديد فإن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تنجح في تسويق تجاري وسياحي للمعالم الكثيرة والمتعددة التي بحوزة العراق تاريخيا وحضاريا ومنها سجن ( أبو غريب ) الشهير الذي زرته صغيرا مطلع ثمانينيات القرن الماضي وكنت في ( مواجهة عائلية) لقريب لي عاش سنوات من عمره فيه وكان السجن بعدد وافر من الأقسام والعنابر التي يجتمع فيها سجناء وتربطهم علاقات حميمة ومنهم من يحترف بعض الصناعات والمهن البسيطة .
يبدو السجن من السماء بتصميم يمثل كلمة ( كانون) وهو إسم المهندسة التي صممته على مايبدو بحسب الروايات التي وصلتني ،وكان شهد مطلع الألفية الثالثة أكبر عملية إطلاق سراح حين أمر صدام حسين بعفو عام عن السجناء والذين جرى الحديث عن دورهم فيما بعد بعمليات عنف منظم وسرقات وعمليات قتل أيضا لكن الواضح إن هذا السجن ليس عاديا فقد إرتبط بفضيحة كشفتها سيدة تعمل مجندة برتبة رفيعة في الجيش الأمريكي حين تحدثت عن معلومات خطيرة تتعلق بتعذيب سجناء ثم تم تسريب مقاطع فديو وصور عن إهانة سجناء عراقيين وتم محاكمة مجندة شابة فيما بعد بتهمة إمتهان عدد من نزلاء( أبي غريب) كما يسميه المصريون .وهو مادة لعدد من الأفلام التي أنتجتها السينما العالمية ،أما السينما العراقية فهي أقرب الى الخيال الهندي الجامح في تصويرها للأحداث ..وليس من الممكن تقبل فكرة قيام العشرات من المسلحين بإقتحام أكبر سجن في العراق وإطلاق سراح المئات من مقاتلي القاعدة عدا عن نزلاء يقضون محكوميات بمدد مختلفة على خلفية أنواع من الجرائم إرتكبوها .
هذه العملية النوعية تؤشر خللا جسيما في البنية الأمنية في وزارات مختلفة ( العدل ،الداخلية،الدفاع) عدا عن غياب شبه كامل للروح الوطنية ولرغبة التضحية في النفس ، فلو كان هناك قدر بسيط من الوطنية والمهنية لتماسك الضباط والجنود والعاملين في السجن وهم بأعداد كبيرة وماكانوا ليسمحوا لمسلحين بإقتحام السجن والدخول إليه وتحرير مسجونين إذ أصبح من شبه المؤكد أن المنتسبين لبعض الوزارات الأمنية غير مؤهلين وطنيا لتحمل المسؤولية ويبدو الكثير منهم وهويعتقد إن تلك مجرد وظيفة يؤديها ليتسلم راتبا شهريا لاأكثر ولم يضع في الحسبان إنه بمواجهة أخطار وتحديات ورغبات من مناوئين بالقيام بعمليات عنفية يمكن أن تؤدي الى كوارث ومنها الإحباط الذي تولده لدى فئات مجتمعية مختلفة عدا عن الجنود وعناصر الشرطة الذين يحبطون للغاية ولايعودون مؤمنين بقضية الوطن والرغبة في الدفاع عنه .
يعرف العراقيون منطقة أبي غريب أنها مجرد سجن كبير ولم يتعودوه مكانا للسكن والعمل والزراعة والصناعة وموضعا ملائما للحياة .فهو بحسب من يريد السخرية من وقائع العراق مكان لإنتاج الحليب والألبان ومشتقاتها المتنوعة وفيها جامعة متخصصة في الهندسة الزراعية التي تخرج عددا كبيرا من المهندسين والفنيين كل عام .
سجن أبو غريب ،لبن أبو غريب ..كله قابل للتسويق..