من يومين دهست كلبا، ولم أبال، لكني تألمت في سري فقد بدا الكلب يتوجع وهو يسحب جسده الناحل ليرتمي في مزبلة على جانب الطريق. تذكرت الكلب الميت الذي مر به يسوع وحواريوه، وكانوا يهزأون ولايبالون، فسألهم أن ينظروا شيئا جميلا فيه فلم يجدوا، ولكنه طلب منهم أن ينظروا في أسنانه كانت بيضاء تلمع في ضوء الشمس، هو فسر لهم حقيقة الجمال بطريقة مختلفة، هو عرفهم إمكانية العثور على بعض الفرص حتى مع اليائسين من الرحمة والتائهين، علمهم أن يجدوا بعض الجمال في دائرة القبح، لكنهم في النهاية نجحوا في الفهم، وأدركوا سر الجمال في الرحلة القصيرة التي أمضوها صحبة إبن مريم العذراء.
تحدث أصدقائي عن الموت، عن الرحلة الأخيرة، عن الآلة الحدباء التي وصفها زهير بن كعب في قصيدته التي يمدح فيها الرسول الخاتم:
كل إبن أنثى وإن طالت سلامته
لابد يوما على آلة حدباء محمول
والآلة الحدباء هي التابوت، أو الخشبة التي يحمل عليها الميت الى مثواه الأخير ( القبر) قلت لهم، نحن نموت والكلاب وبقية الحيوانات تموت أيضا، الفرق إن تلك الحيوانات لن تعاني طويلا، فبمجرد موتها تنتهي سيرتها في الحياة، ولايعود عليها من حساب وعقاب في الآخرة، بينما نحن الذين نتجاهل جثة الكلب الميت، ونتباهى بجنازة صديق، أو قريب وبنوع العزاء ومن حضر وماذا قال ومافعل؟ نضطر للموت لنقبر في حفرة لن تكون مهيأة كسرير عابر أحمر، بل ربما يضيق القبر، وربما يتسع بحسب نوع الفعل الدنيوي إن كان صالحا، أو كان طالحا، فلاحاجة للتفاخر على الكلاب والحمير والقطط والأفاع لأنها حيوانات ضعيفة، ولاتملك العقل المدرك، فربما كانت قوتنا وعقولنا سببا في سوقنا الى جهنم بسبب الإستخدام السئ للقوة والعقل، بينما ضعف الحيوانات وفقدانها للقوة العاقلة سيكون سببا في تجاهلها، وعدم تحميلها المسؤولية لتتحول الى ذرات من التراب، ولاتعود تنفع لالتكون وقودا لجهنم، ولا لتستمتع بالجنة، والمصائب ستلحق بنا نحن البشر الموبوئين بالخطايا.
تأكدت أخيرا إن الكلب الذي دهسته شرق بغداد لم يمت، ولم يصب إصابات قاتلة، وقد سحب جسده حتى المزبلة لينام عندها، ويحاول تدفئة جسده الناحل، لم أتوقف لأنني حاولت تخطيه بطريقة ملائمة، ولم يكن في الطريق من سيارات، وكان الوقت ليلا على أية حال.
أنا سعيد إن الكلب لم يمت، لكني حزين لأن الكلب حين يموت لن يخشى من شئ، ولن يذهب الى مجهول مثلي، فلست أعرف حقيقة نهايتي، وكيف سيكون موقفي حين توارى جثتي التراب ويظلم قبري؟