منذ سقيفة بني ساعدة إنقسم المسلمون الى فريقين، فريق إتّبع الإمام علي وسمّي بشيعة علي أي أتباعه وآخر لم تظهر له تسمية واضحة الا حين رفض معاوية التنازل عن حكم الشام بعد مقتل الأموي عثمان واستخلاف الإمام علي مكانه، حينها سمّي الفريق الثاني بشيعة معاوية والذي سيطر على العالم الأسلامي ومنه العراق لعقود بعد مقتل الأمام علي على يد الخوارج.

منذ ذلك التاريخ وقادة الفريق الأول أي فريق شيعة الإمام علي يمنّون الناس وعلى الأخص الشيعة منهم بدولة عادلة كدولة عدل علي التي هي على نقيض دولة ظلم معاوية. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يرّوجون لدولة تنصف الفقراء والأرامل والأيتام كما دولة علي ولا تسرقهم كما معاوية. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يكررون صرخة الحسين بكربلاء ” إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم”، منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفرق يبكون زهد علي وأخلاق علي وشجاعة علي وإيثار علي. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يستنكرون ترف معاوية وسوء أخلاق معاوية وجبن معاوية وأثرة معاوية.

منذ إندلاع التظاهرات الجماهيرية في الواحد والثلاثين من آب الماضي خرج علينا قادة الفريق الاول أي السياسيون الشيعة والكثير من المعممّين معهم ليستنكروا على الجماهير خروجها ومطالبتها بوضع حد لفساد الطبقة السياسية المتنفذة بالبلد وانهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية وتعديل الدستور وتوفير الخدمات وتقديم السراق للمحاكمة، خرجوا علينا مشكّكين بالنضال الجماهيري السلمي الداعي لدولة مدنية بعد أن أذاقنا الاسلام السياسي بشقّيه الويلات منذ الاحتلال لليوم، مهدّدين الجماهير والناشطين المدنيين والاعتداء عليهم وإغتيال البعض منهم تارة و محاولة حرف التظاهرات الى وجهات اخرى بعد الأندساس فيها تارة أخرى حتّى وصل الأمر بقيادة الحشد الشعبي أن تصدر بيانا متلفزا في الثاني من أيلول الجاري محذّرة فيه من ضرب المتظاهرين كما تضرب الارهابيين الدواعش إن حاولوا المساس بالسلطات الثلاث وعلى الاخص القضائية منها!!، و التشكيك بنوايا المتظاهرين وهم بعشرات الآلاف كونهم ينفّذون أجندة أجنبية و تهديدهم بأخراج ملايين من الغوغاء ضدهم في الساحات والشوارع كما قال البعض من ساسة الخضراء. فيما دعت بعض العمائم علنا الناس الى عدم التظاهر كون الدولة المدنية تعني الكفر!! إن تهديداتهم المستمرة بضرب النشطاء المدنيين ومعهم الجماهير وهي تعلن سلمية التظاهرات للقضاء على الفساد وبناء الدولة المدنية والتي تبنتها المرجعية الدينية بالنجف الأشرف بعد أسبوع على مطالبة الجماهير بها من خلال تظاهرات الواحد والثلاثين من آب الماضي ليس بموقف الإمام علي من معارضيه، بل هو تجسيد لموقف معاوية من الناشطين السياسيين السلميين ضده وما قتله “حجر بن عدي” الا دليلا ساطعا على إن قادة “شيعة الإمام علي” الخضراء هم بالحقيقة من شيعة معاوية.

بعد مرور خمسة أسابيع على أندلاع التظاهرات التي أثبتت سلميتها وعدم سعيها لقلب نظام الخضراء، بل لتصحيح مسار العملية السياسية وإنقاذ البلد من الارهاب والفساد والفقر بشعار “خبز.. حرية.. دولة مدنية”، بدأت بعض الاصوات من داخل قصور الخضراء ومنهم قادة من فريق “شيعة الإمام علي” يعملون على ان لا يتوسع المتظاهرين بشعارتهم الى ما يمس سلطتهم “المقدسّة”. ومنطقهم في سعيهم هذا والسماح للتظاهرات أن تستمر “رغما عنهم” على أن لا تصل الى الخطوط الحمراء والتّي إن وصلت الجماهير إليها فإننا سنرى بكل تأكيد تحول ساحات التحرير ببغداد وساحات التظاهرات في المحافظات الاخرى الى “می-;-دان ژاله”(*) جديد عن طريق قمعها بقسوة من قبل ميليشياتهم المسلحة، ليس بمنطق الإمام علي بل منطق معاوية وهو يقول ” إنّي لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا”. وهذا المنطق هو ترجمة حرفية لما قاله معاوية، فقادة “شيعة علي” وهم من فريق معاوية يقولون للمتظاهرين المطالبين بالإصلاح ، تظاهروا وإياكم المساس بسلطة المحاصصة والّا فإن قبر “حجر بن عدي” سيفتح من جديد ليقبر كل متظاهر وإن تظاهر بشكل سلمي.

إنكم أيها السادة لستم من شيعة علي وإن بكيتموه وأبناءه كل يوم، بل أنتم شيعة معاوية الذي تناصبونه العداء قولا وتسيرون على دربه فعلا، فالدولة عندكم أموية فأنتم الرؤساء وأبنائكم وأصهاركم وأقربائكم والمقربين منكم وزراء ونواب برلمان وسفراء ووكلاء وزراء ومدراء عامّون وضباط وزعماء ميليشيات ومافيات.

دعونا نسأل هنا وبقسوة بعض الشيء الجماهير التي لم تخرج للدفاع عن مصالحها ومصالح أبنائها وبلدها لليوم وجلست على التل لتسلم عوضا أن تقف مع شعبها ضد معاوية، هل أنتم شيعة علي فعلا وهل أنتم مسلمون أصلا؟ شخصيا وبقسوة أيضا لا اراكم الا كوفد الكوفة الذي ذهب الى معاوية في الشام بزعامة موسى بن المغيرة ليطالبوه بتعيين “يزيد” وليا للعهد بعده، فأختلى معاوية به وسأله: بكم أشترى أبوك من هؤلاء دينهم، فقال بثلاثين الف درهم. حينها قال معاوية لقد هان عليهم دينهم. ووالله لقد هان عليكم يا أهل العراق دينكم وشعبكم ووطنكم وانتم تبيعونهم “ببطانية ومدفأة ووجبة طعام” لساسة الخضراء ليس لشيء الا كونهم شيعة أو سنّة على علمكم بهم من انهم سرقوكم وقتلوكم وباعوا وطنكم. إن الجلوس على التل وعدم الخروج في هذا الحراك المقدس لتكونوا أحراراً في دنياكم كما قال الحسين سيفتح الطريق أوسع لإنتصار قيم معاوية ومُثُل معاوية التي تتجسد في ساسة الخضراء ونظام المحاصصة اللصوصي، الذي لم يبقي شيئا لكم ولمستقبل أولادكم.

لو تمنطقتم يا حرامية الخضراء بذي الفقار وأعتمرتم عمامة علي ورفعتم راية الحسين وحَوَّلتم العراق بأكمله الى كربلاء وجعلتم أيامّه كلها عاشوراء، فإنكم لستم سوى شيعة معاوية . ووالله أيها الحرامية إنكم وقد دمرتم العراق ونهبتم ثرواته وأجعتم شعبه وهجَّرتموه، لستم الّا كما وصفكم الإمام علي بصدق قائلا يا ” أشباه الرجال”.

خير البلاد ما حملك، والفقير غريب في وطنه ” الامام علي” ، نعم يا “علي” فشعبنا بفضل “شيعة الخضراء” غريب في وطنه ويهاجر لتبتلعه البحار.

(*) “می-;-دان ژاله ” ساحة في طهران حدثت فيها مجزرة بحق المتظاهرين من الحركة الاحتجاجية عرفت بأسم “الجمعة السوداء” أواخر أيام الثورة الايرانية، وقد حولت السلطات الايرانية اسم الساحة لاحقا الى “ميدان الشهداء”.