التكفير والتفجير عملية فكرية عقدية بحتة تتبعها فيما بعد الوسيلة، فوجب التعامل أولا قكريا ثم مواجهتها بالوسيلة المناسبة في الحجم والأثر..

هناك بعض الألفاظ تبدو هيّنة، لكنها خطيرة تولد التكفير والتفجير حين تتكرر على أسماع طرية بريئة..

أستاذ يوصي طلبته في الابتدائي ويأمرهم بعنف، أن لايقفوا لأستاذهم ولمن يدخل عليهم من كبير ومدير، لأن ذلك حسب رأيه من عمل الشيطان ومن سنن الفرس والرومان، فينمو الطفل دون أن يشعر على إحتقار أستاذه وعدم إحترام الكبار وأهل الفضل عليه وعلى أمته، فيسهل عليه فيما بعد تكفيرهم وقطع أعناقهم.

شاب يقف في وسط المسجد يصيح بأعلى صوته وكله ثوران وغضب.. والله لن نسمح بتدريس الأشاعرة ، وتم على إثرها حرق كتب العلماء من الأشاعرة في المسجد الصغير، لأنهم في نظر هذا الشاب ومن معه كفار يجب قتلهم وتكفيرهم.

شاب تحصل على 02/09 في اختبار الفقه وليس حافظا لكتاب الله، كما أخبرني العالم الفقيه الذي قام باختباره، يعتلي المنبر ويلقي على الأسماع خطبة مستوردة حتى في زكام الأنف من مقدمتها لخاتمتها، إلا أنه لم يدع لولي الأمر الجزائري كما دعا الذي استورد منه الخطبة لولي أمره، والسبب أن وليه الحقيقي الذي يخفيه هو ذاك الذي نقل عنه الخطبة فلا يستطيع أن يعلن ذلك، والرئيس الجزائري لايعتبره ولي أمره ولا يمكن أن يدعو عليه علانية ولا يمكن أن يدع له علانية، فاكتفى بالتقية والصمت وعدم لفت الانتباه. ومثل هؤلاء أخطر لأنه يكفر الجميع ويقتل الجميع في سبيل إرضاء ولي أمره الخفي الذي يدع له في قلبه.

شباب ينتهكون حرمة رمضان قبل أذان المغرب وبعد أذان الفجر، لأن مطوية مستوردة أخبرتهم بأن ذلك من السنن المهجورة، فأحدثوا فتنة داخل المجتمع الجزائري، وفي انتظار أن تكون لهم الغلبة لاقدر الله، سيفرضون إنتهاك رمضان على “الكفار!” بحد السيف وتفجير المساجد التي لاتتبع سنة انتهاك رمضان.

شاب بدأ الصلاة منذ أسبوع، وأول عمل قام به هو أن لايلقي السلام على كل من يقرأ القرآن قراءة جماعية ويرفع يديه بعد الصلاة، فأطلق عليهم أسوء الصفات وأبشع الأسماء، واعتبرهم كفرة يستحقون القتل والتفجير.

أقرأ عبر موقع لجماعة جزائرية، ترى أن الإباضية فرقة ضالة لاتجوز إمامتهم ولا يجوز الصلاة من وراءهم، فكانوا سببا بكلامهم هذا في إشعال النيران وسفك الأرواح البريئة. أقول لمن يحمل هذا التفكير من التكفير، ألا يكفيك الدماء التي سالت وتسيل في الجزائر؟ ، ألا يمكنك أن تساهم في إطفاء النار التي اشتعلت بين الأخوة؟.

شباب يتعدون على منبر المسجد، ويحولونه إلى مقعد صغير Tabouret، وهو الذي اشتراه أحد المحسنين بأغلى الأثمان، ويزيلون السبحة من المسجد، والأحجار المخصصة للتيمم، لأنه في نظرهم شرك وكفر يتطلب الهدم والحرق والتكفير والتفجير.

هذه عيّنات بسيطة في مظهرها صغيرة في حجمها لاتلفت الانتباه ولا تستحق الوقوف عليها، لكنها تخفي من وراءها وعبرها فكرا تكفيريا، يكفّر الذي إعتادت عليه الأمة من سلامة الفكر وحسن الفطرة، فلا غرابة إذا انتهج التفجير من أجل أن يزيل سبحة من المسجد، أو يمنع رفع صوت التكبير في العيد.

المسألة لاتتعلق بهذه الأمثلة البسيطة السهلة التي ذكرت وأخرى لم تذكر، إنما الخطورة في الفكر والعقيدة التي يحملها صاحبها لأجلها ويفجّر نفسه ويكفّر كل مخالف ويراها من أركان الدين وأسس العقيدة، تستوجب هجر المخالف في انتظار أن يشتد عوده، فيفجّر البيت والمسجد ويجعل عاليه سافله.

نعيد ونكرر، الخطورة لاتكمن في الحالات المذكورة فتلك أمثلة تحفظ، إنما في الفكر والعقيدة، مايستلزم عدم التهاون والتخفيف من حدتها، والوقوف ضدها بالعلم والفقه والعقل وإحياء ماتربى عليه المجتمع وبعث الحياة في العلماء وأهل الرأي الذين تربت عليهم الأمة منذ 15 قرنا، وإعادة نشر تراثهم وكتبهم، وبأننا أمة لها جذر عميق وأساس متين في سلامة الرأي وسعة الصدر وبعد الأفق، ولسنا بحاجة للاستعانة بمن يكفّر والديه وشيوخه ومجتمعه، ثم يفجرهم تفجيرا.