شبكة الأنترنت ،من أهم الأنجازات التكنولوجية على مدى التأريخ البشري ، ولكن  لا تزال امكاناتها ومسار تطورها اللاحق غير مفهومة تماما ، ولا أحد يمكن ان يتنبأ على وجه الدقة بما تحمله من مفاجآت ، حتى في المستقبل المنظور . فقد كانت في البداية مجرد أداة لنقل البيانات الرقمية من جهاز كمبيوتر بحجم غرفة كبيرة الى جهاز آخر بنفس الحجم تقريباً ، ولكن تحوّل بسرعة  الى وسيلة فعالة للتعبير الذاتي بأشكال متنوعة . وهي تبدو غير مادية ولكنها تتطور بأستمرار وتزداد تعقيدا من يوم الى آخر . وتحمل الفوائد والشرور معا ، وبدأنا الآن ندرك مدى تأثيرها على عالمنا .
 
فى كل لحظة مئات الملايين من البشر يخلقون ويتبادلون ويحصلون على كميات هائلة من المعلومات في فضاء حر لا تحده في الواقع اي حدود جغرافية او سياسية  ، لذا يتعذر اخضاع الشبكة للقوانين الوطنية لهذه الدولة أو تلك . وبفضل الامكانات الجديدة للتعبير الحر عن الرأي والتدفق المعلوماتي الهائل نشأ المشهد الأفتراضي المعقد المعروف لنا .
 
 تمعن ايها القاريء كم موقعا الكترونيا زرت ؟ ، وكم رسالة الكترونية أرسلت أو تلقيت ؟ ، وكم من الاخبار والقصص والتقارير والمقالات قرأت ؟  ، وكم من الحقائق الجديدة عرفت ؟ ، وكم من علاقات جديدة أنشأت ؟ ، وكم من الأحلام ولدت هنا وتحققت ؟  . كل ذلك بفضل هذه المنصة الشاملة .
 
قبل ظهور الإنترنت، كنا نعيش في نوع من حقبة ظلامية : كان علينا أن ننتظر طويلا لسماع الأخبار من الراديو او التلفزيون أو نقرأ عنها في الصحف في اليوم التالي . ونضطر للذهاب إلى متجرللتسجيلات الموسيقية  لشراء ألبومات جديدة ، تحتوي على الأغاني والموسيقى التي نحبها .
واذا لم نجد تحت يدنا مصدرا يتضمن  المعلومات التي نحتاجها –كنا نتوجه الى مكتبة عامة ونقضي وقتا طويلا من اجل العثور على ما نبحث عنه في بطون الكتب والمخطوطات المغبرة .
 
اقتحمت شبكة الأنترنيت حياتنا وغيرت كل شيىء فيها ، نحن نعرف اليوم كل ما يحدث في العالم لحظة بلحظة ، نعرف عن الزلازل قبل أن تصل الينا ، نستطيع ان نغير بأنفسنا أي مقال في الأنسكلوبيديا الحرة ، يمكننا ان نطلع على الأخبار أولا بأول وعلى  الآراء المختلفة والتعليق عليها . يمكننا نشر مقالاتنا بسرعة ليطلع عليها القراء في شتى انحاء العالم ونتبادل المعلومات والرسائل والصور مع من نشاء . كل ذلك ببضع نقرات الماوس.
 
الإنترنت غيرت ثقافتنا ، فنحن اليوم نحصل على الفور على اجابات لأي سؤال يخطر ببالنا . يمكنننا ان نوجه الأسئلة حتى الى الرؤساء والزعماء وقد نتلقي منهم الأجابات احياناً . 
 
 وفي الوقت ذاته ، فأن عدم وجود أي نوع من التوجيه المركزي على الشبكة ، أتاح الفرص للعنصريين والمتطرفين و الأرهابيين نشر سموم الكراهية والعنف  في العالم على نحو غير مسبوق .
 
ومع توسع هذا الفضاء سوف تتغير تصوراتنا عن كل مجال من مجالات الحياة  الأنسانية  – من التفاصيل اليومية الى المفاهيم الأساسية المتعلقة بالشخصية ، والعلاقات مع الآخرين ، وحتى سلامتنا الشخصية . وتحت الضغط الشديد للتكنولوجيا الجديدة ستنهار الحواجز التقليدية على طريق الاتصال بين البشر : المسافات ، اللغات ، محدودية فرص الحصول على المعلومات – ويبدأ صعود موجة جديدة من الابداع وتنمية الطاقات البشرية الكامنة . وقد ادى التوسع الهائل لشبكة الإنترنت إلى سلسلة من التحولات الاجتماعية والثقافية و السياسية الأكثر اثارة  للدهشة في التاريخ .
 
 والآن ، على عكس الأيام الخوالي ، حدثت تغيرات عالمية حقا.
 لم يحدث من قبل قط ان ظهرت  فرص او امكانات او خيارات  لمثل هذا العدد الهائل من الناس من مختلف البلدان . رغم أن هذه الثورة التكنولوجية ، ليست الأولى في تاريخ البشرية بطبيعة الحال ، ولكن لأول مرة في التأريخ يمكن لأي شخص أينما كان ومتى شاء أن يخلق معلومات إلكترونية ، او  يمتلكها ويوزعها في الوقت الحقيقي، دون إشراك وسطاء.
 
ولكن كل هذا هو مجرد بداية …