طيلة ما يقرب من قرن من الزمان منذ تأسيس الكيان العراقي في غفلة من مكوناته، وحتى يومنا هذا توالت على دفة الحكم فيه أشكالا وأنماطا من الأنظمة والحكام، اختلفت في الأسماء والعناوين وربما في آليات تسلق سلالم السلطة أو القفز إليها ببهلوانيات انقلابية، حتى آخرها الذي استخدم صناديق الاقتراع مع شعب لم يبلور لحد الآن مفهوما للمواطنة، تنضوي تحتها كل الانتماءات الأخرى، بل على العكس تم تقزيم الوطنية والمواطنة بالولاء العشائري والمناطقي تارة، وتارة أخرى بالحزبي والديني والمذهبي، وفي كل هذه العجقة من الانتماءات يتقدمها دوما الولاء المطلق للقائد الضرورة، وضع من تشاء من أسماء رؤساء العراق!

 

     الغريب إن الأنظمة اختلفت في كثير من الأمور لكنها اتفقت جميعها على ذات الثقافة في التعامل مع كوردستان وقضيتها وان اختلفت الأساليب والادعاءات، لكنها تتفق جميعها في الثوابت العدائية مع تطلعات الكورد وحقوقهم الإنسانية، فمنذ ثورة أيلول الكوردستانية التي قادها الزعيم مصطفى البارزاني في مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، لم تختلف القوى المضادة لها قيد أنملة في عدائها وأسلوبها الدعائي وحتى مصطلحاتها التي تستخدمها في توصيف الحركة التحررية الكوردستانية، وليس غريبا أن تتفق أو تتوحد في الطرح كل الأنظمة وان اختلفت إيديولوجيا في نظرتها لقضية شعب كوردستان وحقوقه الإنسانية في حق تقرير مصيره، فتارة هي انفصالية وتارة أخرى انعزالية أو شعوبية أو عميلة للاستعمار والصهيونية، فهذه المصطلحات توحد النهج الدعائي لكل من عادى شعب كوردستان وطموحاته في تحقيق ذاته ونيل حقوقه.

 

     المتطرفون من البعثيين والقوميين ومن سبقهم، وحتى بعض معارضيهم من اليساريين، وان ابدوا مرونة هنا وهناك، لكنهم لم يأبهوا في توصيف الحركة التحررية الكوردستانية بأنها إما انفصالية أو عشائرية رجعية في اضعف الإيمان، أما البعثيون وورثتهم اليوم فقد شنوا حملات دعائية مكثفة في كل من العراق وسوريا وعملائهم في بقية البلدان العربية، بان الثورة الكوردية وقادتها مجرد عصابات متمردة عميلة للاستعمار والصهيونية، والغريب في هذه الثقافة البائسة إن معارضيهم بعد إسقاطهم وإبادتهم، وصموهم بذات الأوصاف واعتبروهم عصابات عميلة   للصهيونية والاستعمار!؟

 

     اليوم تكرر بل وتستنسخ أجهزة دعاية حزب الدعوة الحاكم من جماعة المالكي ومن والاه فكرا وعقيدة، ذات المنهج في معاداة الكورد وكوردستان وبذات التوصيفات، وقراءة سريعة لوسائل دعايتهم المسموعة والمقروءة والمرئية والالكترونية، يستدل المرء بأنهم فعلا الوجه الثاني لعملة البعث الفاشية العنصرية، لما يقومون به من حملة ملؤها الحقد والكراهية ضد كل من يعارضهم وفي مقدمتهم الكورد وكوردستان، مستثنين في ذلك القوى العميلة لهم ممن كان يطلق عليهم شعب كوردستان بـ (الجته) أو الجحوش، وهي ميليشيا من عملاء الأنظمة الدكتاتورية في بغداد، وتضم أغوات عشائر وشخصيات كارتونية يتم تصنيعها كبدائل لممثلي شعب كوردستان وفعالياته السياسية، ولكن ممن يحمل عبارة صنع في بغداد، وهم يعاودون صناعة هذه البضاعة الفاسدة ثانية بأشكال سياسية مقززة، فهل فعلا يعيد التاريخ نفسه كما حصل في ستينيات وسبعينيات وما تلاها من القرن الماضي!؟

 

     إذا تم ذلك فهذا يعني إن مشهد سقوط أنظمة الملكية وقاسم والعارفين والبعثيين وصدامهم سيتكرر هو الآخر، وستبقى كوردستان كما في كل مرة صامدة شامخة كجبالها وأخلاقياتها وقيمها!