لقد مرت كوردستان والحركة التحررية الكوردستانية بتجارب وتحديات كثيرة، وعصفت بها أزمات وحروب ومؤامرات عديدة، وفي كل مرة كانت تنهض اقوي وأروع مما كانت عليه، وخير ما يجعلنا نؤمن بأنها في المسار الصحيح ولا خشية عليها، إنها تجاوزت الانشقاقات وما تلاها من تآمر دولي لإيقافها في 1975م وبعد ذلك حرب الإبادة والأنفال والاقتتال الداخلي لكنها سرعان ما نهضت اقوي مما كانت عليه، لتتحول بعد انتصار انتفاضة آذار 1991م من حركة تحرر ثورية إلى كيان سياسي ديمقراطي، ومؤسساته المنتخبة مباشرة من الشعب.
واليوم وبعد بناء أسس المستقبل الزاهر، تواجه كوردستان وقيادتها الحكيمة ثمن إصرارها على إكمال المشوار في البناء والاعمار وتحقيق حق الاستقلال بأي شكل من الأشكال، تحديات كبيرة ومؤامرات خبيثة، ففي مسيرتها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي واجهت أنماطا وأشكالا كثيرة من الأعداء، سواء من الأنظمة الدكتاتورية وجيوشها أو من المصنوعين في دهاليز المخابرات المحيطة بالإقليم، والتي كانت تعمل تحت كل الظروف سواء من الداخل باستخدام أساليب شق صفوف الحركة أو زرع مندسين يعملون من خلالها على إفسادها، أو الهجوم المباشر عليها كما حصل في إسقاط جمهورية كوردستان الأولى عام 1946م، أو التآمر الدولي لإسقاطها في 1975م، أو من خلال الاقتتال الداخلي لإيقاف مسيرة الاستقلال وبناء أسسه، وها هي اليوم تكشف عن أنيابها ثانية حينما أصبح شعب كوردستان قاب قوسين أو ادني من تحقيق استقلاله الاقتصادي والسياسي وانتصاره النهائي على قوى الإرهاب والشوفينية التي تهدد كيانه.
إن ماكينة إنتاج الجحوش ( وهي كلمة تطلق في كوردستان على عملاء الحكومات الدكتاتورية ) التي تم تصنيعها في كل من بغداد وطهران قبل أكثر من نصف قرن، بعد اندلاع كبرى الثورات الكوردستانية في 11 أيلول 1961م، وان كانت صدئة اليوم، فإنها ما تزال تنتج أجيالا مشوهة من ( الجته– وهي ميليشيا حكومية من عملاء السلطات تقوم بمحاربة الثورة الكوردية ) بأشكال وأنماط وهيئات لا تختلف في جوهرها عن فرسان الأفواج الخفيفة، المتخصصة في خيانة شعبها وقضيتها والمتمرسة في معاداة كل مشروع من اجل الحرية والاستقلال، تعود اليوم مرة أخرى لتنفذ ذات البرامج التي يتم وضعها في دهاليز مخابرات الدول التي تعادي تطلعات شعب كوردستان وممارسة حقه في تقرير المصير، جنبا إلى جنب مع داعش التي تستهدف وجود الكورد وكوردستان.
إن كوردستان اليوم قد أخذت كل لقاحات هذه الأمراض الوبائية، ومرت بكل ادوار التحديات الداخلية والخارجية، حيث تجاوزت أكثر الأحداث دموية في حلبجة والأنفال، وأتعسها في الاقتتال الداخلي، وتفرغ شعبها بعد الانتفاضة ورغم كل التعقيدات والمؤامرات إلى بناء تجربته وتحقيق ذاته، فحولها خلال سنوات إلى جزيرة مزدهرة وملاذ آمن لكل العراقيين المضطهدين، لكي تصبح منارا للحرية والازدهار والمدنية.
إن البيشمركة الذين ارسوا أسس هذا الكيان ونجحوا في الحفاظ عليه منذ ربع قرن وانتصروا على اعتى قوة إرهابية عرفها الإنسان في التاريخ الحديث، بما جعلها مصطلحا عالميا يرمز للمقاومة والدفاع والفروسية على مستوى العالم بأجمعه، قادرة اليوم وبشجاعتها المعهودة الحفاظ على مكتسبات شعب كوردستان وأمنه وسلامة أراضيه وأمنه القومي والوطني.
اطمئنوا كوردستان بخير والغيوم السوداء عدت..