أياد السماوي : يكتب
ربّما يعتقد البعض إنّ نظرية الحكم التي جائت بها الولايات المتحدّة الأمريكية بعد احتلالها للعراق وإسقاطها للنظام الديكتاتوري البعثي الفاشي , والقائمة على أساس تقسيم العراق إلى ثلاث مكوّنات رئيسية تشارك جميعا في الحكم وفق تقسيم قومي وطائفي يشابه التقسيم الطائفي الموجود في لبنان , ربّما ستمكن العراقيين من تجاوز الآثار المدمرّة التي خلّفتها حقبة الديكتاتورية الصدّامية الفاشية وستضعهم على أعتاب بناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة واللحاق بركاب العالم الديمقراطي المتحّضر , لكنّ هذه النظرية التي قسّمّت المجتمع العراقي إلى شيعة وسنّة وأكرادا , قد انتجت نظاما سياسيا ودستورا للبلاد يصعب معهما تحقيق السلم الأهلي والتعايش السلمي بين هذه المكوّنات الثلاث .
فالأكراد الذين كانوا يتمتعون بوضع شبه منفصل عن حكومة بغداد بعد حرب الخليج الأولى وقبل سقوط النظام الديكتاتوري , وجدوا أنّ الاستمرار على هذا الوضع في ظل النظام الجديد في العراق , سيضعهم على أعتاب تحقيق حلمهم التاريخي في إقامة الدولة الكردية على الجزء الجنوبي من كردستان , حين توّفر الظروف الدوّلية والإقليمية , ولهذا كانت سياساتهم في ظل هذا النظام الجديد تترّكز على نقطتين هامتين , الأولى هي الاستمرار في تعزيز الوضع شبه المنفصل وانتزاع الاعتراف الرسمي به من قبل المكوّنات الأخرى وتثبيت هذا الاعتراف في الدستور , وقد نجحوا نجاحا باهرا في تحقيق هذا الأمر , والنقطة الثانية تتمّثل في انتزاع وسلب أكبر ما يمكن انتزاعه وسلبه من الموازنة العامة للبلد , سواء كانت باستحقاق أو بدون استحقاق , والعمل على السيطرة على انتاج وتصدير النفط في الإقليم والمناطق المتنازع عليها , وأصبحت علاقتهم مع المكوّنات الأخرى والكتل السياسية التي تمّثلهم تدور في فلك هاتين النقطتين , فالذي يوافقهم بمنهجهم السياسي يكون صديقا حميما لهم , والذي يخالفهم ويرفض نهجهم يكون عدّوا لهم كما حصل مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ناصبوه العداء .
أمّا المكوّن السنّي الذي وجد نفسه خارج معادلة الحكم , فهو الآخر لم يستطع أن يستوعب الوضع الجديد الذي أفقده الحكم والسلطة التي أمسك بها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة , فعمد منذ اللحظة الأولى التي سقط فيها النظام البعثي الفاشي إلى منع الشيعة من الوصول للحكم , والتعاون مع الشيطان من أجل تحقيق هذا الهدف , سواء كان ذلك من خلال الدخول في العملية السياسية الطائفية وتخريبها من الداخل , أو من خلال التعاون والتنسيق المباشر مع بقايا البعث المجرم وعصابات الإرهاب السلفي كالقاعدة وداعش والنقشبندية وغيرها من هذه العصابات المجرمة , ولهذا تجد أنّ مدن الغرب العراقي السنّي قد تحوّلت جميعا إلى حواضن لهذه العصابات التكفيرية المجرمة , وانخرط أغلب ابنائها في مسلسل ذبح إخوانهم الشيعة , مقترفين أبشع جرائم القتل والإبادة الجماعية التي تمّرسوا عليها من أيام الطاغية صدّام .
أمّا المكوّن الشيعي الأكبر الذي لا يمتلك أي خبرة في إدارة مؤسسات الدولة , فهو الآخر قد سقط سقوطا ذريعا في مستنقع الفساد والصراع على المناصب والنفوذ , وبسبب هذا الصراع والتفكك وعدم وحدة الموقف والمنهج , وجد الآخرون ضالتهم في فرض شروطهم المذّلة وانتزاع ما يمكن انتزاعه منهم , في ظل أجواء تدفع بهم للانبطاح والخنوع والذّل , وثلاثية كردي ينهب وسنّي يذبح وشيعي ينبطح , هي المرآة الحقيقية التي تعكس الصورة القاتمة للوضع في العراق .