الحوثيون يعيشون مأزق الهزيمة والتقهقر، وهم يسعون بقوة لحل سياسي يحفظ ماء الوجه، فلم يعد بين أيديهم إلا نحو 20 % من الأراضي التي احتلوها بمساعدة الرئيس الأسبق المخلوع علي صالح، وفلول الجيش الموالية له بحكم القرابة، الحوثيون دُحروا في كل المعارك، ولم يبق في يدهم من المراكز المهمة إلا العاصمة صنعاء التي كانت نقطة تحول في مسعاهم ومنطلقا نحو المحافظات المجاورة قبل سنة ونصف، وهم اليوم يحاولون الاحتفاظ ببعض مراكز المحافظات والمدن ولاسيما في الشمال كصعدة وحجة وعمران، معاقلهم ومواقعهم الاستراتيجية، ويحاولون في الغرب التمسك بالحديدة ثاني أكبر الموانئ اليمنية ومنافذها البحرية يواجهون فيها مقاومة جسورة، وفي الوسط لم يعد لهم إلا تواجد محدود في محافظات ذمار وإب على الطريق الموصل إلى تعز ثالث أكبر المحافظات التي يحاصرونها منذ سنة، ولم يتمكنوا من اقتحامها لمقاومة أهلها الشجعان، وخسورا مؤخرا أجزاء مهمة من الجوف ومأرب التي كانوا يتمسكون بها لمواقعها النفطية.
سيطرة الحوثيين على مراكز بعض المحافظات والمدن سيطرة شكلية، فمجموعاتهم المسلحة لا تتحكم إلا بمداخل المدن ومراكزها، ومجمعات الحكومة الإدارية، للدعاية والإعلام ورفع معنويات مسلحيهم، ومحاولة كسب موقف في المفاوضات التي تجري بإشراف الأمم المتحدة وأطراف التحالف العربي بقيادة دول الخليج، أما الأحياء والأطراف والمدن المتوسطة والصغيرة في البوادي وقمم الجبال وسفوحها، فلا وجود لهم فيها لخلوها من الزيود أصلا، وكثيرا ما يواجه الحوثيون في تنقلاتهم على الطرق الرئيسية هجمات تتعرض لقوافلهم وإمداداتهم وتكبدهم خسائر فادحة، ففي اليمن 22 محافظة، تضم 333 مديرية ومدينة مركزية، وتضم 2500 عزلة وحي، فضلاً عن خمسين ألف قرية. ولليمن أكثر من مئتي جزيرة، ولا يشكل الحوثيون إلا 10 % من مجموع سكان اليمن البالغ تعدادهم نحو 30 مليون نسمة. وهكذا يتضح أن الحوثيين لولا مناصرة بعض كتائب الجيش الموالية لصالح، وامتلاكها مواقع لإطلاق الصواريخ البلاستيكية وصواريخ سكود الكورية وراجمات في مواقع جبلية وتضاريس وعرة تخدمهم لما استطاعوا الصمود حتى الآن.
الحوثيون اعتادوا النفاق والكذب، والخداع والتضليل، فهم إذا وعدوا أخلفوا، وإذا أتمنوا خانوا، وإذا خاصموا فجروا، وقراءة متواضعة لتاريخهم السياسي والعسكري، تكشف نواياهم وانقلابهم على كل اتفاق، ومشاكستهم لكل توافق. فحزب الإصلاح على سبيل المثال سايرهم وجاملهم ولم يأمن جانبهم، ولم يسلم من غدرهم، وبمجرد أن أيد قادته عاصفة الحزم انقلبوا عليهم وبدأوا يختطفون قياداتهم ويعتقلونهم ويهاجمون مؤسساتهم التعليمية والثقافية والاقتصادية ويدمرونها، وحاربوا صالح عشر سنوت تمردوا عليه وهاجموا الجيش بحجة أنهم يدافعون عن أنفسهم، واشتركوا في أحداث الربيع العربي ضده، ثم بعد أن خلع تحالفوا معه، واشتركوا في الحوار الوطني مع سائر الأحزاب وكانوا عنصرا معطلا، وبعد كل اتفاق ينقضون تعهداتهم وينقلبون على أعقابهم، وما إن هجروا سكان القرى والنواحي غير الزيدية من حولهم بدأوا يهاجمون المدن والمحافظات ويستولون عليها واحدة بعد الأخرى بمساعدة القطعات العسكرية المؤيدة للرئيس المخلوع صالح، حتى كادوا يسيطرون على اليمن قبل ان تتمكن المقاومة بمساعدة قوى التحالف العربي من استرجاع ثلاثة أرباع ما كان بأيديهم من المدن والنواحي.
الحوثيون اليوم يبدون رغبتهم بالحوار خبثا، ويتباكون على التمسك بمقرراته خدعة، وهم أول من انقلب عليه، فهل من الحوار اجتياح العاصمة صنعاء، وحصار تعز، وغزو عدن؟ هل من مقررات الحوار السيطرة على ثكنات الجيش ونهب أسلحتها؟ وهل من الحوار احتجاز الرئيس واعتقال رئيس الحكومة ووزير الدفاع؟ هل من الحوار مداهمة الوزارات ودور الإعلام والصحافة والجامعات وقتل الصحافيين والناشطين؟ في كل مرة يبدون رغبتهم ويحاورون ثم ينقلبون ويتحللون من كل وعد وعهد؟ ويكسبون الوقت والأرض، يستريحون ويرتبون أوضاعهم، فلا ذمة لهم ولا دين، ولا يفون ولا يلتزمون، ومن جرب المجرب ندم، وحذاري من زيفهم وتصديقهم، “فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وآخر علاجهم الكي وقطع الدابر.