صراع الدب الروسي والديك الفرنسي في القارة السمراء !
احمد الحاج
تتسارع الأحداث وبوتيرة متصاعدة ومثيرة للقلق في عموم القارة السمراء وآخرها وليس أخيرها انقلاب (النيجر) بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني،البالغ من العمر 59 عاما،الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم (64 عاماً) وكان حليفاً رئيساً للغرب ولاسيما فرنسا، وقد طلب الانقلابيون الجدد المساعدة من مجموعة “فاغنر” الروسية،بعدما هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ” إيكواس” والتي تضم 15 دولة افريقية بالتدخل العسكري في النيجر لاعادة “بازوم” الى السلطة ، وقبلها كان هناك انقلاب في غينيا ومثله في مالي عام 2021 أعقبهما انقلاب عسكري في (بوركينا فاسو)بقيادة النقيب إبراهيم تراوري، في ايلول 2022 والذي سارعت مجموعة فاغنر الروسية لوصف قائده الشاب بـ”الرجل الشجاع والابن البار” لبوركينا فاسو ، فيما يحتدم الصراع في اثيوبيا مع ميليشيا (فانو) في إقليم أمهرة ، والجبهة الشعبية في تيغراي !
كل ذلك يجري فيما تزداد وتيرة الأحداث والصراع المحتدم في السودان سخونة بين الجيش بقيادة البرهان ، وميليشيا الدعم السريع المدعومة من قبل قوات فاغنر الروسية بقيادة حميدتي ،كنتيجة حتمية لخلافات على الحكم والسلطة والنفوذ ..ومناجم الذهب ، والتي لن تنتهي ابدا قبل تقسيم السودان وفقا لخارطة ومخطط برنارد لويس ، أو بقضاء أحد طرفي النزاع على الاخر ، أو بتمدد الحرب المستعرة الى دول الجوارومعظم القرن الافريقي الاكبر ” ويشمل اثيوبيا وجيبوتي والصومال وارتيريا واجزاء من كينيا واوغندا وبروندي وتنزانيا وقد يزحف الصراع الى ليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى وجنوب السودان ايضا وكلها دول رخوة ، واقتصادات هشة ، وديمقراطيات ناشئة تعاني ما يعانيه السودان من صِدام بين أبناء البلد الواحد ممن تتحكم بهم النعرات والعصبيات والعشائريات والقبليات ” ليصبح صراع دقلو والبرهان ساعتها من حكايا وقصص الماضي القريب وبصيغة ” كان ياما كان ..في قريب الزمان ، صراع مسلح بين دقلو والبرهان سرعان ما امتد الى دول جوار السودان فذهل المؤرخون عن الأصل ، وتمسكوا كعادتهم دوما بالفروع والاغصان !” .
صدامات وانقلابات عسكرية عنيفة ومتتالية تبدو لوهلة على أنها صراعات داخلية، وتطفو للسطح وكأنها أزمات محلية، لتسوق في نشرات الاخبار العربية – الطك عطية – على أنها مجرد جماعات انقلابية أو ميليشيات متمردة تحارب الانظمة الحاكمة ، إلا أن باطنها المستتر وجانبها الخفي المتواري عن الأنظار هو صراع كسر عظم ” روسي- فرنسي – صيني ” حتى النخاع للسيطرة على افريقيا الغنية بالمعادن والثروات والمتخمة بالخيرات والطاقات برمتها في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة حرفت الانظار تجاه القارة الاكثر غنى على سطح الكوكب من حيث الثروات ، والأفقر بلدانا وشعوبا من حيث الواردات والعائدات !
وبنظرة خاطفة على الثروات الطبيعية في كل من النيجر وبوركينا فاسو والتي لطالما سخر منها ما يسمى بالزعيم عادل إمام “في مسرحيته الزعيم ” الملطوشة “من فيلم “الديكتاتور العظيم ” إخراج و تأليف وتمثيل شارلي شابلن، تماما كمسرحيته ” مدرسة المشاغبين” المأخوذة عن الفيلم البريطاني (إلى المعلم مع الحب) انتاج عام 1967 ، وتماما كمسرحيته “شاهد ما شافش حاجة “المقتبسة بالكامل عن قصة بعنوان “اليوم فيه 42.200 ثانية” للسير” بيتر أوستينوف ” عام 1959،حيث أطال عادل إمام السخرية من أسماء الدول الافريقية ومن سفرائها ودبلوماسييها في مسرحية الزعيم بدءا بموزمبيق التي وصفها بـ “الزمبوق الكبير” ليثني ببوركينا فاسو ، قائلا ” فسو ، ما فسوش ..واحنه مالنه !!” وكان حري بالدول الافريقية أن تقاضيه أمام محكمة العدل الدولية،لخرقه الأعراف والتقاليد الدبلوماسية بغية إضحاك الناس عليها ومادرى بأن أفريقيا ستضحك قريبا ليس على – الهلفوت – وحده فحسب وإنما على من نصبوه زعيما وهميا ونمرا من ورق كذلك، ولله در فارس المنابر عبد الحميد كشك ، القائل ” كنا ننتظر ظهور إمام عادل ، فخرج علينا عادل إمام !” فهذه النيجر غنية بـ اليورانيوم والذهب والفوسفات والفحم وخام الحديد والقصدير، أما بوركينا فاسو فإنها غنية بالمنغنيز والذهب والفوسفات والحجر الجيري والرخام كما أنها تمتلك تنوعا بيولوجيا يضم أنواعا لاحصر لها من الحيوانات بعضها نادرة الوجود في أرجاء العالم ،فلماذا هذا الصراع المحموم على أفريقيا ولمن ستكون الغلبة وبما يصدق عليه المثل الافريقي الشهير”عندما يتشاجر فيلان ، فإن العشب هو الذي يتأذى” ، ولاشك أن الفيلين اليوم هما روسيا وفرنسا ،أما العشب الجميل الطاهر الأخضر فهي أفريقيا العذراء كلها ولكن وبما أن إفريقيا أسد لم يتعلم الكتابة بعد ، ولم يزأر كما ينبغي له أن يزأر ، فالنتيجة الحتمية لكل ذلك وعلى قول الأفارقة في حكمهم الشهيرة “إلى أن يتعلم الأسد الكتابة، ستظل كل القصص تمجد الصياد !”.
لاشك أن افريقيا تحن اليوم الى ماضيها التحرري القريب والذي لايفتأ بوتين بتذكيرهم به – صوت وصورة – وكلما سنحت له الفرصة لذلك وآخرها حين تغنى بباتريس لومومبا ، ونيلسون مانديلا ، وعبد الناصر ، واحمد بن بله ، وكوامي نكروما ، وكينيث كاوندا ، وعمر المختار ، وسامورا ماشيل ،وجوليوس تيريري ، بعدما تكالبت عليها القوى العظمى مجددا لتستعبدها من جديد ،فحيثما وجدت اقتصادات افريقية هشة ، وأزمات سياسية خانقة ، ومشاكل أمنية حادة ،وأينما اكتشفت ثروات طبيعية هائلة ظهر الروس ليحلوا بدلا من فرنسا انطلاقا من مبدأ الازاحة و” التخلية قبل التحلية ” أو ” الإحلال والإبدال ” ففرنسا ذات التاريخ – الاستدماري – العنيف والطويل في القارة السمراء لطالما عانت من السوفيات الذين أسهموا سابقا – ليس حبا بأفريقيا طبعا – وإنما كجزء وكرجع صدى للحرب الباردة في دعم حركات التحرر الافريقية لدحر فرنسا والتضييق عليها من خلال تقديم الدعم المادي والعسكري واللوجستي للعديد من الجمهوريات الافريقية فيما تحاول روسيا اليوم تسويق نفسها على أنها – المرضعة البديلة والماما الحنينة والبيبي سيتر – ولكن النائحة المستأجرة لن تكون يوما ومهما أجادت التمثيل ، وأتقنت لعب الدور كالنائحة الثكلى ، بينما يسعى الكرملين لإحياء شراكات استراتيجية سابقة نجحت فرنسا في فسخها وفصم عراها واحدة تلو الأخرى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، ولطالما شحذت روسيا – بوتين – الذاكرة الافريقية الضعيفة خلال القمم الروسية – الافريقية المتتابعة بحضور (43) رئيس دولة أفريقية لتذكرهم بانتهاكات حقوق الانسان الاوروبية والاستعمار الفرنسي القديم – الجديد مقابل تلكؤ فرنسا في دعم الجيوش الافريقية بمواجهة الجماعات المتمردة خشية الانقلابات العسكرية على الانظمة الموالية لها هناك ، بل وارسال المزيد من قواتها بدلا من ذلك ، والشروع ببناء المزيد من القواعد العسكرية الفرنسية ولاسيما في غرب إفريقيا والساحل ووسط افريقا ايضا ما بات يفسر محليا وافريقيا على أنه احتلال فرنسي جديد لأفريقيا يتوجب صده وإزاحته مبكرا بمساعدة الروس الطامحين بدورهم بثروات وخيرات افريقيا التي تتطلع الى السلام والرخاء والازدهار حيث مناجم الذهب والفضة واليورانيوم والألماس والثروات البشرية والطبيعية الهائلة والارض العذراء التي يسيل لها لعاب القوى العظمى والتي فشلت فرنسا باستثمارها على الوجه الأمثل تماما كفشلها باسترضاء شعوب القارة السمراء وما يزال وسيظل تاريخها الاستعماري الدموي حاضرا في القلوب ،وماثلا في الاذهان ،وكلما خبا اواره تجدد في أروقة القمم الافريقية – الروسية ما فسح المجال واسعا أمام البروباغندا الروسية والصينية أو” أجندة الدب والتنين ” للتوغل والتغول افريقيا على حساب الديك الفرنسي – منتوف الريش – حاليا والنتيجة هي انقلابات عسكرية متتالية واضطرابات أمنية وعرقية وسياسية متلاحقة ونفوذ قبلي مسلح يتوسع باطراد تغذيه القوى العظمى المتنافسة فيما بينها بشكل أو بآخر لتبقى أجندات المتصارعين على افريقيا بعيدة كل البعد عن أحلام افريقيا المجهضة وشعوبها الجائعة ، فالدب الروسي يبحث عن أطواق نجاة وعن مخارج آمنة للمأزق الأوكراني الخانق للنفاذ مع قبضة العقوبات المفروضة عليه ،وتعويض نقص الإمدادات من خلال افريقيا ومعظم نخبها الحاكمة كانت قد تخرجت في الجامعات الروسية كما أن الدول الإفريقية هي الأكثر امتناعا عن التصويت لصالح فرض عقوبات على روسيا داخل أروقة الأمم المتحدة وفقا للإيكونوميست، أما بالنسبة للديك الفرنسي فإنه لا يتمنى لمستعمراته السابقة التي تبيض له ذهبا، وتفيض خمرا وعسلا أن تفلت من قبضة يده هكذا بين عشية وضحاها لتذهب الى غرمائه من دون ردود أفعال توازيها في القوة وتعاسكها في الاتجاه ، ولايختلف الحال مع الصين التي تسعى جاهدة لتحويل افريقيا الى معين جيو – سياسي لاينضب ، والى حديقة خلفية لطريق الحرير الصيني البحري والبري الجديد !
فهل ستنجح فرنسا وروسيا بإقصاء كل منهما أم أنهما سيكتفيان بتقاسم الكعكة فيما بينهما قبل دخول أميركا والصين منافسا على خط الازمة في عهد ترامب القادم قطعا أو منافسه الجمهوري أما عن الديمقراطيين بقيادة بايدن – زحليكة – فهؤلاء كالخشب المرفع يضر ولا ينفع وشغلهم الشاغل في الحياة هو اشاعة ثقافة الجندر والنوع الاجتماعي والريبنو والاجهاض ومنع الحمل وتحديد النسل وما شاكل ؟!
وحقا ما قاله الأفارقة في أمثالهم قديما “عند رؤية آثار قط ، فإنك لن ترى آثار فأر البتة ” فمابالك إذا ما تحول المواطن الافريقي الجائع ، النازح ، المهجر ، المثخن بالألم والندوب والجراح الى فهد أو نمر أو أسد فهل سترى في عموم افريقيا بعد ذلك جرذا – استعماريا – واحدا يعتاش على ثرواتها وخيراتها التي لاتحصى قط ؟! اودعناكم اغاتي