سلسلة ” وين بيها وشلون تاليها ” الحلقة (1)
#لاتُطَبِّعوا مع الكيان فشؤم التطبيع باد للعيان !!
احمد الحاج
إن كنت أعجب فعجبي على فئة من الكتاب والمثقفين لاتنفك ومنذ نعومة أظافرها عن تعليق صور الثوريين الأمميين ممن تخطى صيت ثوريتهم حدود بلدانهم وقومياتهم على جدران منازلهم نحو ” سبارتاكوس ، عبد الكريم الخطابي ، عمر المختار ، الشيخ أحمد ياسين ، غاندي ، جيفارا ، باتريس لومومبا ، نيلسون مانديلا ، فيدل كاسترو ، مالكوم اكس ، مارتن لوثر كينغ ..الخ ” بصرف النظر عن قناعتك أو عدم قناعتك ببعض أو بكل المذكورة أسمائهم آنفا ، فهذا ليس موضوعنا هاهنا البتة ، وحديثنا منصب على من لايتوقفون عن رسم صور الثوريين الامميين بين دفتي دفاترهم، وخط مقولاتهم ونشر حكمهم على صفحاتهم أو على جدران مدارسهم وجامعاتهم ونقاباتهم ، ولا يتوقفون عن الكتابة عن مآثرهم في صحفهم ومجلاتهم ومنصاتهم ، فتجد أحدهم وهو لايكل ولا يمل من الحديث عن الثوريين، والتغني ببطولاتهم ، ونظم القصائد للثناء على مواقفهم ،إنه يحاضر فيهم ، يناظر لأجلهم ، يخاصم ويعادي بهم ، يتحالف ويسالم في سبيلهم ، بمناسبة ومن دون مناسبة ، إلا أن ثوريا واحدا لو خرج قريبا منه وفي أي بلد عربي ” ولاشك أن ثوريي أي بلد عربي تماما كمطربة الحي العربي،لاتطرب !!” ليطالب ولو بجزئ يسير مما طالب به المعلقة صورهم على جدران منزله، والمحتفى بهم في مقالاته ورواياته ودواوينه ، فإنه سيتهمه بالتخابر والعمالة للأجنبي ، وبأنه شخص يروم اثارة القلاقل ، وشق وحدة الصف الوطني، وإيقاظ الفتن ، ماظهر منها وما بطن ، ولابد من إجلاسه على الخازوق ، أو تعليقه على أعواد المشانق ، مع الاحتفاء بهذا الإجلاس القسري ، والتعليق القهري بل و تبريره ايضا ، الحقيقة أن هؤلاء وأمثالهم لا أسميهم بما سماهم به عزيز السيد جاسم ، ووصمهم بعنوان كتابه “الثوري اللاثوري” وإنما واحدهم وبتوصيف أدق هو ” اللاثوري اللاثوري ” وإن شئت أسميته بـ”المنافق الثوري” ولقد علمتني تجارب الحياة بأن كثرة التغني بالثوريين على لسان بعض دعاة الثورية ومدعيها ولاسيما في صفوف المزيفين منهم ، لايفصح بالضرورة عن ثورية داخلية يتصف بها صاحبها يتوق لاقتباسها ولو ظرفيا ، ولو شكليا ، ولو موضعيا بقدر افصاحها عن ” تورية ظاهرية ” مقيتة في محاولة خائبة “من قبل مستأنس ،زاحف، انبطاحي ، ذيل ، طبال سلطة ، واعظ سلطان ،جوكر أحزاب، قره قوز إعلام ،نمر تنظير من ورق ، جحا جماهير مغلوبة على أمرها كل مهمته في الحياة هي إضحاك الجماهير المسحوقة داخل تنور معاناتها ، وتسطيح كوارثها في خضم وأتون مأساتها ، وترقيص المقهورين والمغلوبين على أمرهم فوق جراحاتهم وكأنك بلسان حالهم لا مقالهم يردد “لاتحسبوا رقصي بينكم طربا …فالطير يرقص مذبوحا من الالم ” كل ذلك لدفع التهمة عن” انبطاحه الدائم ” وإن كان غير منظور، وموالاته للمستعمرين والرقص بين أيديهم وإن كان غير مشهور في كل الحقب والعصورولسان حاله يردد ” اللي يزوج أمي، أقول له عمي” ، ولو أن من ينبطح بين أيديهم ، ويزحف بحضرتهم قد طبعوا مع الكيان المسخ ، ولو أنهم قد تحالفوا مع كل سقط متاع حول العالم ومسخ ، ولو أنهم قد فتحوا حدود بلدانهم على مصاريعها ومهدوا وباركوا وهللوا لدخول كل مارد أجنبي وغاز ومسخ ، فستجده في مقدمة المباركين ، ومن أشد المهللين ، ومن أكثر المطبلين ، ولدفع التهمة فإنه لايجد بدا من التغني بثوريين أممين عاشوا وماتوا في مشارق الارض ومغاربها بعيدا عن بلده ، عن مجتمعه ، عن حدوده ، أو في عمق التاريخ بعيدا عن واقعه المعاش ، وعن حاضره مدلهم الخطوب الذي لابصيص من أمل يبدو للعيان في نهاية نفقه المظلم ، ولاريب أن حال هؤلاء ممن لاناقة لهم في ثورية السابقين واللاحقين ولا جمل ، تماما كحال بخيل لطالما تغنى بكرم حاتم الطائي ، ليغطي على بخله ، كجبان لطالما تباهى بشجاعة عمر المختار، ليغطي على خنوعه وجبنه ، كمسرف لطالما نظم قصائد بزهد الجنيد البغدادي ليغطي على سرفه ، كجاهل لطالما أبدى اعجابه بعلم ابي حنيفة النعمان ، ليغطي على جهله ، كمجاهر بالمعاصي لطالما حاضر في تقوى الحسن البصري، ليغطي على سفهه ، كظالم لطالما ناظر في عدل عمر بن عبد العزيز ، ليغطي على ظلمه ، وقس على ذلك ما شئت من أمثلة لا حصر لها وخلاصتها ” القرعة تتباهى بشعر أختها !” وكلها تدور في اطار نقيض لا يفتأ المدعي الموهوم يتغنى ويتغزل بنقيضه للتغطية على عيوبه ولسترها بين الناس من خلال هذا التغني الظاهري المحموم وإيهام الناس بأن ظاهره بخلاف ما يبطن، وأن سريرته على النقيض مما يعلن !
اليوم تحديدا بت أشخص” ثوريين”مزعومين في عالمنا العربي ومن شتى القوميات والشرائح والطوائف والملل لطالما تغنوا بالمقاومة الفلسطينية الباسلة وعلى مدار عقود ونظموا القصائد بأيقوناتها ونضالاتها وكفاحها، الا أنهم باتوا يطالبون ويطبلون للتطبيع مع الكيان المسخ ويباركونه ويدعون إليه ، بل ويردون على كل من يقف بوجه التطبيع ويناهضونه بهذه الذريعة أو بتلك ، وكأن التطبيع مع الكيان المسخ ، ودويلة الاحتلال الغاشمة ، قد صار قدرا لا بد للجميع من الاستسلام له ، والانحناء أمامه ، والإذعان أوالركون إليه ، والهرولة خلفه !
وأقول” أيها اللاثوري اللاثوري “، ياثوار”الملاهي والبارات” ، يا مناضلي “الحمص بطحينة والتبولة والبابا غنوج والفتوش” حسبكم فإن من سوء خاتمة المرء افصاحه عن حقيقة ما يعتمل في صدره ، وما يدور في ذهنه من عوار لطالما أخفاه عن الناظرين ليظهره أواخر أيامه في لحظة قد تكون مفصلية وبما لاينفع معها التنصل أو التراجع أو الاعتذار مستقبلا ، لتنسف كل ماضيه المبدئي الموهوم ، فيوصم بما أفصح به وعلى لسانه آخرا ، لا بما زعمه ماضيا ، ولا بما عاش مثرثرا به بين المخدوعين ، ليعتاش ويقتات عليه، حاله في ذلك حال المتاجرين بالشعارات التي لاتكفلهم أكثر من الصبغ والقماش الذي تخط عليه ، والعبرة بالخواتيم ..ياقوم .
وأذكر بأن مصر السادات قد طبَّعَت أولا فغرقت بديونها وبواقع 163.5 مليار دولار !
وطبعت الاردن ثانيا فإنكفأت ووصل اجمالي ديونها الى 44.3 مليار دولار !
وطبعت سودان دقلو والبرهان فاقتتلت وجاعت وتشردت بواقع 3 ملايين نازح في الداخل والخارج وبإجمالي ديون بلغت 60 مليار دولار ماقبل اندلاع الحرب الاهلية ، فما بالكم بعدها وقد أحرقت الحرب أخضر السودان ويابسها ؟!
المغرب طبعت ولم تكن بحاجة للتطبيع ، فزلزلت !
وزيرة خارجية ليبيا المعزولة نجلاء المنقوش ،سعت من خلف الكواليس الى فتح باب التطبيع مع الكيان خلسة خلال لقائها وزير خارجية الكيان ايلي كوهين،ولولا تغريدته على صفحته بمنصة إكس ” تويتر سابقا ” لما علم أحد بهذه الخطوة التي أثارت جدلا كبيرا ولغطا لم يهدأ بعد …فغرقت !
وكأننا وبمجمل هذه الوقائع غير السارة أمام سيل عرم من رسائل جلية ومتتالية مفادها ” لاتطبع ” لأن ما بعد التطبيع وبخلاف الرخاء والازدهار والسلام المزعوم ، وعلى النقيض من الربيع الاقتصادي الموهوم ، والذي لايفتأ الكيان بإغراء المطبعين به وهو لا يملكه ، ولا يحبذه ، ولا يعتقده، ولا يتمناه، لوهبه – إعلاميا فقط – الى من بنظره لا يستحقه وإن تسابق وحث الخطى قدما للتطبيع معه ، ليس كما قبله ، فهل من متعظ ؟!
وأنوه ومن باب شحذ الذاكرة العربية الضعيفة لا لزهايمر أو باركنسون جمعي ألمَّ بها من جراء تتابع القلاقل والفتن التي يُنسي بعضها بعضا كنظام بال قُطِعَ سلكهُ فتتابعت حباته سقوطا على الأرض، الى ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية خلال العام الماضي 2022 والذي لم يكن كبقية الأعوام في الضفة الغربية وقطاع غزة ،حيث كشف عن وقوع المزيد من عمليات الدهم والاعتقال التعسفي فيما ارتفعت أعداد الشهداء ارتفاعا غير مسبوق منذ العام 2005 لتصل الى 230 شهيدا، بينما صادقت دويلة الاحتلال الغاصب على 116 مخططاً ،لبناء 13 ألف وحدة استيطانية جديدة مشفوعة بزيادة القيود المفروضة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ومصادرة الاراضي ، وتوسع الاستيطان ول المستوطنين ، فالتطبيع مع دويلة الاحتلال، وإبرام اتفاقات ابراهام ، مع بعض الدول العربية قد أغرى الكيان المسخ ليصبح أكثر دموية ، وأشد عدوانية،وعلى قول المثل العربي الدارج ” غاب القط ، العب يافار” وعلى قول المثل العراقي الشهير ” اذا سكر الفار ، رقص على شوارب البزون ” ولاشك أن سكرة التطبيع المتلاحق والمتسارع خلافا لثوريات وشعارات طبقت الافاق طويلا قد أفقدت الكيان المسخ صوابه وشجعته للرقصين الشر..قي والغربي منتشيا على شوارب ، ولحى ، وعمائم ، وطاقيات ، وعقل ، وغتر ، وخوذ ، وبيريات ، وقبعات ، وعباءات من كان يخشاهم طيلة العقود الماضية ، ويحسب لصمودهم ، ورفضهم التطبيع وبأي شكل من الأشكال 100 ألف حساب وحساب ، حتى أن مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط (تور وينسلاند) كان قد أكد في كلمته أمام مجلس الأمن بأن العام 2022 كان الأكثر دموية للفلسطينيين منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتتبع عدد الشهداء الفلسطينيين في عام 2005 ولله در القائل :
يا أمة َ المليارِ هل من رجفةٍ …تحيي الضمير وتشعل الألبابا
وتخوض بحراً من ظلامٍ دامسٍ …تمضى بأنحاء الظلامِ شهابا
أودعناكم اغاتي