تهدئة بالعقل…!!
يجب تصحيح المسارين الثقافي والإعلامي بحزم شديد ، وبدراية تامة ، وحكمة متروية متأملة ، ومعرفة واسعة ، وثقافة عالية ، ومسؤولية وطنية كبرى ، وتمويل كافٍ لإعداد الكوادر الكفوءة ، والدراسة المطلوبة ، والتحليل السليم ، والتصحيح الصحيح ، وقراءة ما بين السطور، ومواجهة الإعلام المعادي لمسيرة العراق الواحد الموحد ، والثقافة الدخيلة الهدّامة ، وتخصيص وزارة لـ (الإعلام الحر) كمرحلة أولية للوصول إلى منظومة الإعلام الوطني الحر الواعي ، فما زال مجتمعنا بحاجة إليها ، فلا يجوز القفز، والتشبه بمن لا يشبهنا ، فالأحداث الدراماتيكية التي دهمت العراق ، والانفلات من الرقابة التسلطية عليهما ، تستوجب مهنية عالية في كيفية نقل المعلومة ، وتوظيفها للصالح العام ضمن تنسيق مهني بين المؤسسات الإعلامية والثقافية ، التي تخضع لقوانين ، وضوابط وطنية وإنسانية . ومن الجدير أن ننوه رؤيتنا تعني تعيين وزيرين مستقلين… مستقلين غير خاضعين لأي تكتل أو محاصصة لكل حقل منهما ، و العراق لم يُعدم من رجاله الوطنيين الغيورين العلماء الأكفاء ، لا بأنصاف الرجال وأرباعهم رجاءً..!!
وفي مثل هذه الظروف المأساوية الرهيبة ، وقد وقع الفاس بالراس ، وفقاً لخطط مرسومة مُسبقاً ، ونفذها من نفذها من أهل الدار المدارين من قبل الأصدقاء والجوار الأعداء !! ويجب أن تهيمن المواضيع الثقافية والفكرية والأدبية والاجتماعية على موقع الصدارة برفقة المقالات والحوارات والندوات …السياسية الموضوعية الحيادية الراقية المثقفة الواعية الفاعلة الهادئة الحكيمة ، وليس لكل من هبّ ودب ، فيسكب ما يشاء من الانفعالات العاطفية ، والمسميات المسمومة ، والتجاذبات المذمومة ، والناس ( على دك الطبل امشي يا رجليه !! ) ، و (يا ستة سويت الستين ) تحت ستار الديمقراطية والفكر الحر ، وبالتالي السقوط في أحابيل الطائفية والقومية الشوفينية والمناطقية ، والأخطار المحدقة بالعراق والأمة قاصمة مقسمة ،ما هكذا ، ما هكذا تورد يا سعد الأبل..!!
وبهذا ، وببث قيم التسامح والأخوة والشهامة والرجولة ، وإعلاء كلمة الوطن ، والوطن فقط هو القدر الجامع… !!
أقول بهذا كلّه يمكن تهدئة الأوضاع ، وتلافي الفتن ، وتوعية العقل الجمعي المتخلف بمئات السنين عن الحضارة العالمية ، والمسيرة الإنسانية ، ولا يعني هذا مطلقاً الخروج عن تقاليدنا وتراثنا وشرائع ديننا الحنيف ، ولكن تفعيلها وإثرائها ، والخيط الرفيع الفاصل بين الرقي والتخلف تفقهه العقول الكبيرة السليمة الواعية ، لا الهزيلة المريضة الجاهلة ، الوضع خطير جداً ، والمسؤولية عظمى ، والثقافة والإعلام الركنان الأساسيان للتقدم والازدهار والرقي والوحدة الوطنية….
شقشقة بالعاطفة …!!
ماذا حلّ بهذا العراق الدامي المتصارع لجهل عقله الجمعي وارتزاق بعضه النفعي ؟ّ!!،
لماذا وصل بنا الحال إلى هذا المآل ، كلّكم مسؤولون ، أيّها المسؤولون ، لا استثني منكم أحداً…!!
لقد انفلت العقال عن العقل ، ألا من رشيد بينكم، يا ساسة النفاق والجهل والارتزاق.. يا ساسة العراق من جميع الآفاق ؟!!
وأنت يا عراق ، نستعير من محلتي البراق ، يقول السيد جعفر الحلي ( بتصرف الكلمة المقوسة) :
ما حلت لي مجالسٌ أنت فيها *** كيف تحلو وأنت عنها بعيدُ؟
إن دعوني أهل (العروش) إليهم **قلت يا قومُ ليس فيكم رشيدُ
أين أخلاقكم الحميدة ؟!
أين حلمكم العتيد ؟!
أين تاريخكم المجيد ؟!
أين صبركم الجميل؟
أين مروءتكم المشهودة ؟!
أين شهامتكم المعهودة ؟!
أين وطنيتكم المتأصلة ؟!
أين العراق ، كلّ العراق بعروقكم؟
العراق لا يقبل القسمة إلا على واحد ، ولن يقبلها إلا واحدا موحداً….
نعم كلها ضاعت ، ولكن كيف ضاعت ؟! لست أدري !!
وأنا أخاطب العقل الجمعي للعموم ومتقدميه على وجه الخصوص ، لأن العقل الفردي في حالة انفصام تام عن العقل الجمعي ، الإنسان العراقي الآن بوجهين منفصمين تماما ، ولك أن تقول مزدوجين للدقة العلمية ، فالانفصام مرض نفسي منطلقه اللاوعي أواللاشعور ، وازدواج النفس مرض اجتماعي يتم بوعيٍّ أوشعور !!
مهما يكن تراه – أعني العراقي – فرداً متحمساً لوطنه ، مخلصاً لشعبه ، شهماً ، رحيماً ، ودوداً ، وتراه جمعاً حاقداً على هذه التشكيلة الرائعة لنسيج شعبه العراقي ، وموزايكيه الجميل البديع ، ولا أعني الجميع !! وأكرر قول شوقي متأملاً ، فتأملوا :
إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ ***وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ**** وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا ***** ركبتمْ في قضيته الظــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قومٌ*** **إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما
كتبت مقالة قبل سنوات ، ونشرت في عشرات المواقع العربية والعراقية تحت عنوان ( الثقافة العربية متهمة …!!) ، واليوم أكتب عن الإعلام العراقي ، فكلاهما سبب تأخر الأمة وانحدارها الخطير ، إذ ثقافة العقل الجمعي – لا الفردي ، نعم يوجد مثقفون كبار وكثيرون في الوطن العربي ، وفي العراق على وجه الخصوص – تسير في وادٍ ، والدنيا تسير في وادٍ آخر، وللإعلام دور رئيسي وفعال في توعية الأمة ، ورقي حضارتها ، وازدهارها ، وانفتاحها على الآخر ، و تلاقحها مع حضارات وثقافات الأمم الأخرى ، والإعلام العربي والعراقي في معظمه ، ولا أقول كلّه ، ليس بمستوى المرحلة مطلقاً . وكان الله في عون العاملين المخلصين .
وإنَّ الإعلام العراقي بكلّ مصنفاته ، وأنواعه ، واتجاهاته من مرئيٍّ ومسموعٍ ومقروءٍ لجميع التيارات والتكتلات والأحزاب والهيئات حتى الدولة متهمٌ بتأجيج هذه الصراعات من حيث يدري أو لا يدري !! لا ينقل إلى مشاهديه ومستمعيه وقرائه غير أخبار القتل والدس والتحامل والتآمر والتفرقة والحقد على طبق رخيص على أنها أخبار سياسية بدلاً من تعويد العقل الجمعي على الفن والشعر والفكر والتراث والأدب كبقية أمم العالم المتحضرة التي تزدحم ساحاتها ومتاحفها وشوارعها بتماثيل وأسماء مبدعيها وعباقرتها في الفنون والآداب والفكر ، والناس بطبعها وتطبعها تميل إلى الأرخص والأسهل والأدنى وتنحدر ، والعملة الهابطة دائماً تطرد العملة الصعبة من الأسواق !! يا لبؤس العراق من هؤلاء البائسين المتزعمين ، وكلّ يدّعي أنه هو الرأس والرئيس !!
رحم الله الشيخ علي الشرقي ، إذ يقول :
قومي رؤوسٌ كلهمْ *** أرأيت مزرعة البصلْ …!!
أيها العراقيون … أيّها الوطنيون …أيّها الإعلاميون !!
هذا صراع داخلي مدفوع بأيادٍ خارجية ، ربما يقود إلى حرب أهلية – لا سمح الله – وليس بصراع خارجي أمام عدوٍ غاشم معروف النوايا والخفايا ،وواضح المعالم ، لذا يجب أن يكون الإعلام هادئ ، والخطاب مدورس ، والكلمة هادفة حتى لا نخلط الحابل بالنابل ، وإذا رميت يصيبني سهمي …
وإذا غسلتم أياديكم من جيلكم المتعوب المنهوك المهزوز عقبى الحروب والصراعات والتكتلات ، أيّاكم …أيّاكم من تسميم عقول النشئ ، وتكريس المفردات الطائفية ، والمناطقية ، والمسميات القومية الشوفينية في أذهان الأجيال القادمة عبر وسائل الإعلام المختلفة..!!
ومن السخرية أنّ كثيراً من الشخصيات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أضحى يمتلك الفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات والمواقع ، وأقل الناس منهم لديه غرف بالتوكية ، أو صفحات تواصل اجتماعية ، وكل يغني على ليلاه ، أو ليلى غيره من العراقيين أو العرب أو الأجانب تحت ستار الديمقراطية والحرية الفكرية ، وطز بالوحدة الوطنية..!!
والمشكلة الكبرى حتى هذه الـ (ليلى) الخيال ، بل الوهم ، تسخر منهم ، وتتبرأ من ألاعيبهم وغوغائهم ، وضوضائهم :
وكلّ يدّعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقرّ لهم بوصلِ
إنّها بصراحة لعبة هلامية قذرة تنفذ خطط ما تسمى بالفوضى الخلاقة ، دون دراية مَن أطلق صافرة الانطلاقة !
وأي فوضى هذه التي تقسّم الأوطان إلى دويلات متناحرة ، متصارعة ، تقدم على دربها عشرات الآلاف من القرابين والضحايا ، وسيولاً من الدماء المطلولة ، وملايين من المهجرين والنازحين ، ناهيك عن الدمار والانهيار ،وتكدّس نيران الفتن في مكامن العقول ، يمكن تأجيجها أنّى شاءت وشاءوا ، والعبيد وساداتهم من وراء القصد..!!
الإنسان أولاً وأخيراً ، هو الوسيلة ، وهو الغاية ، ومن قتل إنساناً دون ذنب ، كأنما قتل الناس آجمعين ، هذا عندي وعندك ، وعند العرب والمسلمين ، كما ورد في السنن والشرائع ، وما توارثناه من السالفين الصالحين…!!
تعال معي تلإعلام – وأنت الأدرى ، مجرد تذكرة – لنطل على الفضائيات العراقية العبقرية التي ليست لها أي مصداقية ، لا وطنية ، ولا اجتماعية ، ولا سياسية ، ولا أخلاقية ، كل واحدة منها تناصب العداء للأخرى ، تكشف عيوب غيرها بحقد مسموم ، وتتستر على أولياء أمرها ، وترفع شأنهم ، وتجهد نفسها لشراء ذمم مشاهديها بالبرامج الهزيلة التي يمكن لمدرسة متوسطة أن تقوم بها ، والهدف منها دفع الصدقات ، وعلى أضعف الإيمان الهبات ، لترفع راية المظلومين والمستضعفين والكادحين ، أو تلجأ للتشهير ، وإثارة النعرات الطائفية ، والدينية ، والقومية على نمط الأتجاه المعاكس السيء الصيت ، لا من حيث مبدأ هذا البرنامج الذي وضع لبيئة أخرى أكثر تحضراً في احترام الرأي الآخر تحت سلطة القوانين النافذة جبراً ، أو اختياراً ، إذ يتفهم أحدهم الآخر ، وزاويته التي ينطلق منها ، وأتذكر كلمة للدكتور العالم المرحوم أحمد زكي ، رئيس تحريرمجلة العربي الأسبق ، حيث كتب ما معناه : ينسى وليد القيروان ما يكون مذهبه لو ولد بالنجف ، وينسى وليد النجف ما يكون مذهبه ، لو ولد في دمشق وكرر الكلمة نفسها الدكتورالخطيب المرحوم أحمد الوائلي من بعد.
ومثل هذه الفضائيات و المواقع الرخيصة الهابطة غير المسؤولة – بمسؤوليها الكبار الصغار، الذين يسعون لمكاسب رخيصة دنيئة على حساب تسميم العقل الجمعي !! – التي تجعل من الثقافة والأدب ، والفكرفي أدنى اهتماماتها ، أو تشطب عليها تماماً ، وكل ما تسعى إليه نشر المقالات والأخبار السياسية المتضاربة المتعاكسة الحاقدة المثيرة في مثل هذه الظروف بالغة السوء حتى النخاع ، إذ يتراكض الناس للتعلق حتى بقشة لتفهم ما يدور ، وما المصير؟! يقرأون ويسمعون ويشاهدون ، ويردّدون بانفعال ، ويقسمون بأغلظ الإيمان ، إنّهم هم الصادقون ، والآخرون مجرمون !! وينسون بإزدواجيتهم أن الآخرين هم أنفسهم من أهلهم وأخوانهم العراقيين..!!
لايصلح القوم فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وطن يشرخ ، وشعب يذبح ، وعرض يجرح ، وتراث يسحق ، وأدب يمحق ، وأخلاق تداس ، ودسائس تحاك، وإعلام سارحٌ في غيّه ، أو منتعشٌ من ريّه ، إلا ما رحم ربي ، ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ…!!
والختام من ختام قصيدي الختام ( عاش العراق ليبقى فوقّ مَن وصفا ) !!
شكراً لتأملكم النبيل ، وصبركم الجميل ، أولاً وأخيراً…..