المثل يقول: “من كان بيته من زجاج، فلا يقذف الناس بالحجارة”..
والمثل يصدق تماماً علي الرئيس التركي، طيب أردوغان، الذي بدأت الاتهامات تطوله منذ فترة، من فساد المحيطين به، من رجاله المقربين جداً داخل حزبه، وبجواره في حكومته السابقة، وبعض أقاربه، وحتي أولاده أنفسهم الذين تعرضوا للعديد من الأقاويل، والاتهامات كان أقلها الفساد، والرشوة، واستغلال النفوذ.
أما آخر الاتهامات لأردوغان ذاته، فكانت البذخ الشديد والأموال الطائلة، التي شيد بها قصره الرئاسي الجديد، وذمته المالية التي تضخمت بصورة مبالغ فيها بعد وصوله للسلطة، منذ عقد من الزمان.
القصة.. عمرها أكثر من عام
بدأت، بقضية فساد ضد 53 شخصاًً بينهم (بلال) ابن رجب طيب أردوغان، طالتهم جميعاً تهم تتعلق بالفساد، واستغلال النفوذ، وتسخير موارد وأجهزة الدولة السيادية والاقتصادية للتربح، وعقد صفقات مشبوهة، وكان من بين المتهمين أبناء وزراء سابقين مقربين، من أردوغان، وصفهم المعارضون بأنهم كانوا يمثلون الدائرة المغلقة حوله، سواء في الحكومة أو في حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركياً.
كانت تلك الاتهامات، هي التحدي الأكبر الذي واجه الرجل، الذي وصل للحكم بتوليه رئاسة الوزراء، لمدة 11 عاماً، قبل أن يخوض الانتخابات الرئاسية ويفوز بها، وأدت تلك الاتهامات، فور الكشف عنها، لعدة إجراءات صارمة لحفظ ماء الوجه، له ولحزبه، فتم عزل 3 وزراء وإقالتهم من حكومته، لصلتهم بالفساد، وإجراء حركة تغييرات واسعة لقيادات في أجهزة أمنية سيادية، وفي الشرطة، وحتي القضاء ذاته، الذي طالته يد التطهير، وكان كل هؤلاء من رجال الحزب، أو رجال لأردوغان نفسه، الذي استعان ببعضهم في الماضي للوصول لكرسي رئاسة الوزراء في تركيا.
وبعد مناقشات ومداولات قرر القضاء التركي إسقاط القضية، وبعد أن وصل الأمر لهروب بلال أردوغان، إلي دولة (أذربيجان) المجاورة، إحدي دول الاتحاد السوفيتي السابق، حتي لا تطاله الألسنة، أو يد القضاء.
واستند القضاء التركي في رفعه دعوي الإسقاط للقضية، علي أنها لم تكن مستوفية الأدلة، ولم تتضمن أوراقها الحديث عن جرائم تم ارتكابها أو وجود عصابات قامت بعمليات الفساد أو الرشوة، وهي دعوي إن كانت تؤكد سقوط القضية، فإنها عملياً لم تنكر وجودها في الأساس.
ورغم ذلك، مازال الشارع التركي كما تقول شبكة c.n.n. الأمريكية يتندر بفساد رجال أردوغان، وأبناء بعض وزرائه، وبعض رجال البنوك، ورجال حزبه، وإن كان الحزب قد خاض بعد الفضيحة، الانتخابات المحلية، منذ 8 شهور، ونجح فيها باكتساح وسط دهشة المراقبين المحليين والدوليين، كما فاز أردوغان في أغسطس الماضي، برئاسة تركيا بأغلبية بسيطة، مكنته من الجلوس علي كرس الرئاسة لأول مرة.
أردوغان ذاته، وصف القضية بأنها تهدف لإسقاطه شخصياً بعد أن طالت رجاله، وابنه بلال، ورغم إسقاطها إلا أنه اتهم معارضه الأصولي رجل الدين، فتح الله كولن، بتدبيرها لإسقاطه.
والغريب، أن كولن الذي يوصف بنفوذه القوي داخل تركيا، وبعض أجهزتها الأمنية الضالعة في البلاد، يقيم منذ فترة في أمريكا.
ليس هذا فقط، فقد بدأ الأخذ والرد يعود حول أردوغان، وتضخم ثروته المالية، وبالذات بعد توليه الرئاسة، ومن قبل ذلك خلال سنواته الأخيرة، في رئاسة الوزراء، وبذخه الشديد، وإنفاقه الأموال لنفسه، وللمقربين منه، كما بدأ الحديث مؤخراً حول قصره الرئاسي الجديد، الذي يفوق فخامة عن قصر (باكنجهام) الملكي في بريطانيا، و(الإليزيه) في فرنسا، ويتكون من أكثر من ألف حجرة، وتكلف 616 مليون دولار أمريكي.
صحيفة (الفانيننشيال تايمز) البريطانية، قالت إن القصر كما تؤكد المعارضة بداية سقوط أردوغان الذي يصرف ببذخ، في بلد به 3 ملايين عاطل، وأنه تم تشييده من أموال دافعي الضرائب الأتراك.
ويلمح البعض لشبهة وجود تربح مالي، وفساد وراء إقامة القصر الذي بني علي أراض تخضع لمحميات طبيعية، ولا يجوز البناء عليها، بأي حال من الأحوال، بما يضع أردوغان كرجل فوق سلطة الدولة.
فضيحة ثالثة، حدثت عقب إعلان وزير المالية، عن نيته شراء طائرة رئاسية جديدة لأردوغان، ربما لتلائم قصره الجديد الفخم، وستكلف تركيا هذه المرة نحو 180 مليون دولار أمريكي، وستكون من أفخر الطائرات الأمريكية الصنع.
المراقبون يؤكدون، أن هدف أردوغان هو إعادة عظمة الدولة العثمانية القديمة، وأنه يجد في نفسه (سلطانا جديداً) لتركيا، انطلاقا من عاصمته الجديدة (أنقرة) وليس أسطنبول عاصمة الخلافة التاريخية.