دخلت الحلاق.. وأخذت مكاني .. وشرعت في قراءة كتاب .. “قصة حياة” .. للإمام الفقيه ..الأستاذ احمد فواتيح ميلود .. وحين حان دوري .. تنازلت لمن هو بعدي.. إلى غاية أن إنتهيت من قراءة الكتاب.. في نفس الجلسة فكانت هذه الأسطر ..
ميلود والمولد.. يقول الشيخ..أطلق علي إسم ميلود.. تيمنا بالمولد النبوي الشريف.. وكانت لعائلة فواتيح .. وهي من العائلات العريقة .. مكانة متميزة في العهد العثماني.
الوالدين والأخوة.. والده 1914-1985.. بقرية بني هاشم.. هو الأخضر بن فيلالي بن بوعمران بن ماموش بن أحمد فواتيح .. وهو من حفظة كتاب الله تعالى.. بجامع سيدي دحمان.. الموجود بمدينة القلعة.. وتولى التدريس بجامع قرية بني هاشم.. وتولى تحفيظ القرآن بكتاب القرية.. فأصبح محل احترام سكانها .. وأثناء الثورة الجزائرية.. كلف بمهمة القضاء في منطقته .. وسجن من طرف الاستدمار مرتين .. وحفظ الشيخ.. كتاب الله تعالى في قريته على يد والده رحمة الله عليه..
ووالدته 1924- 2003 .. هي رابحة حرطاني بنت جلول .. والشيخ .. أخ لثلاثة بنين.. وثلاث بنات.
أثر جمال القرية والصالحين.. يتحدث عن قرية بني هاشم .. بفخر واعتزاز.. ويقول، أن .. “هي من أجمل القرى التي حباها الله بالمياه العذبة وحقول الأشجار المثمرة والهواء المنعش في وسط طبيعة خلابة تسر الناظرين” .. ويقول عنها أيضا ..”وقرية بني هاشم هي أحب إلى القلب والنفس”..
وفي كل مرة يذكر.. أن قريته يحدها من الجهات الأربع.. أضرحة لأولياء الله الصالحين.. ويذكرهم بالإسم وتاريخ الميلاد والوفاة .. حين يثق في المعلومة التي بين يديه .
ويبدو أن صفاء الطبيعة .. وصفاء ساكنيها الأوائل .. أثر على صفاء فكره .. وحفظه.. وسلامة الصدر.
الوعدة.. عرفت قريته ومازال .. بيوم يعرف بالوعدة.. ويقول عن فضائلها.. “تحمل كل معاني التضامن والتراحم والتآلف والتقارب فيما بين الناس، لأنه يجمع أبناء القرية وضيوفها من القرى والمدن المجاورة في هذه الوعدة لتجديد المحبة والمودة وتمتين أواصر الألفة والقرابة.”.
مدرس القرآن والقرية.. يصف المكان الذي تعلم فيه القرآن، فيقول.. “كان تعليم أطفال القرية في كتاب صغير مفروش بالتراب، سقفه من خشب وقصب، جدرانه مبنية بالحجارة، وكنا نطلق عليه إسم “الشريعة”، ولكنه كان عامرا بالايمان ونور القرؤآن، وكانت السعادة تغمر قلوب الجميع، الشيخ والمتعلم وسكان القرية. وكان الناس يعتقدون أن القرية الخالية من الشيخ المدرس لتعليم القرآن الكريم فالشيطان هو شيخها.”.
الدراسة والشيخ والظروف.. في سنة 1965-1967 .. أرسله والده إلى مدينة القلعة.. لمواصلة دراسته في كتاب سيدي دحمان..التي يعود تاريخها إلى القرن السادس الهجري.. وكانت عاصمة لبايلك الغرب الجزائري .. ومشهورة بعلماءها العاملين..
ورغم أن الكتّاب.. يشبه الكهف.. إلا أنه تخرج الكثير من حفظة القرآن الكريم .. والتحقوا بالثورة الجزائرية.. وقد تعلم على شيخه سي العربي القلعي.. ويصفه قائلا ..
” كان مدرسا بشوشا هادئا في مشيه وكلامه، يحذرنا في كل لحظة من الكسل والغياب عن الكتّاب، ويوصينا بنظافة الجسد واللباس وزالنفس والمحيط الذي نعيش فيه.. كانت حياة الطالب في المسجد صعبة وشاقة يعاني فيها آلام الجوع القاتل والبرد القارص وكان معظم الناس في هذه الفترة يعانون الفقر المدقع”.
وعن ظروف العيش ، يقول..” كنا نأكل في الكتّاب الذي يتحول إلى مرقد في الليل، إذ كنا نتناول فيه خبز الشعير بالماء وفي أحسن الأحوال باللبن”.
أدوات العلم.. يتحدث عن أدوات العلم، فيقول.. “كان الصبر سلاحنا لحفظ القرآن وطلب العلم، ومن أدواتنا للتعلم أذكر أولا اللوحة رفيقتنا الدائمة في جلساتنا الطويلة، والقلم مصقول من قصب حر، والدواة”.
حافظ القرآن.. يصف حافظ القرآن، قائلا.. “كان محل ثقة عند كل الناس ويتولى عدة مهام في المجتمع ومنها فض النزاعات وفك الخصومات وإصلاح ذات البين وتوجيه الناس على ضوء كتاب الله وعقد قران النكاح”.
إلى وهران 1967-1971.. يقول عن دراسته.. في سنة 1967 سافرت إلى وهران لمواصلة دراستي.. لاستكمال حفظ القرآن الكريم على يد شيخ مغربي اشتهر بتعليمه كتاب الله برواية ورش وعلى الطريقة المغربية، بالإضافة إلى شرح معاني القرآن الكريم بمسجد حاسي المحقن ..
ثم أرزيو.. “تنقلت إلى مسجد القطن.. وكنت أتلقى دروسا متنوعة في مساجد أخرى، ومنها دروس الفقه التي كنت أتلقاها على يد الشيخ سي محمد بلفرد، إمام مسجد الكبير. ويصف شيخه ، فيقول..
“كان شيخا جليلا عظيما، أعطاه الله بسطة في الجسم والعلم والأخلاق،ولا نراه إلا في لباسه العربي الأصيل من عمامة وعباءة وبرنس، وكان هذا الهندام يزيده مهابة واحتراما بين الناس”.. ويقول بأني.. “وأديت بالناس في هذا المسجد أول صلاة التراويح”.
في الشلف 1971-1993.. إلتحق بعين مران ولاية الشلف، فيقول.. تابعت فيها دراستي في الفقه والعقيدة وعلوم اللغة والأخلاق، تحت إشراف الشيخ الفاضل الحاج أحمد هجان اليوسفي.ويصف شيخه، فيقول..
“وهو فقيه حافظ صاحب أخلاق حميدة وعلم غزير، وكان آيةو في الحفظ والذكاء، يحرص اشد الحرص على تعليم طلابه، وكان لايقبل أبدا من الطالب أي غياب مهما تكن أعذاره. كان شديد الحب لطلبته، يتفقدهم في كل وقت بمرقدهم، وهو من حبب لنا تعلم الفقه والنحو والصرف والعقيدة وغيرها من العلوم الشرعية، وتعرفنا على أمهات الكتب فأصبحنا بفضل توجيهاته نحب المطالعة فتوطدت علاقتنا بالكتاب”.
مع العالم الجيلالي البودالي الفارسي.. أثناء تواجده بالأصنام سابقا، الشلف حاليا .. وبمسجد النور بمدينة أولاد فارس، يقول..
إلتقيت بالمصلح العالم العامل الشيخ الجيلالي الفارسي الذي كان جارا لي ، وكان هذا العالم الجليل يلقي فيه علينا دروسا قيمة في التفسير والسيرة والمنطق واللغة، دامت من 1983 إلى 1993.
40 سنة مع المحراب.. يقول عن نفسه.. قضيت أكثر من أربعين سنة في رحاب المنبر إماما وخطيبا ومدرسا، وكانت بدايتي الأولى سنة 1972، والتحقت بسلك الأئمة بوزارة الشؤون الدينية منذ سنة 1977، وانتدبت للتكوين بمعهدي تمنراست والبليدة 1984-1985. وفي سنة 2001 نجحت في مسابقة المفتشين للمساجد .. ثم تنازلت عن الوظيفة الإدارية مفضلا عليها رسالة الإمام فعدت بشوق إلى رحاب المنبر .. ثم انتقل إلى غليزان سنة 1993.
حضور دائم.. بعد أن عدد المساجد التي مر بها، وألقى بها الدروس، وأمّ فيها الناس، يقول.. خلال كل هذه المراحل التي توليت فيها الإمامة، لم أتخلف يوما عن مهمة التدريس إذ كنت أقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وتعليم علوم الشريعة، وعلوم اللسان، وأحكام التلاوة، للصغار والكبار.. ومنذ 2002 وهو يقوم بتكوين الأئمة بالمعهد الإسلامي لتكوين الإطارات الدينية.
من مؤلفاته ..
- صوت المنبر في خطب الوعظ والإرشاد 2004.
- تراويح في نوادر فواتيح 2013
- الرموزالفقهية في الأحكام الشرعية 2014
- قصة حياة 1435 هـ – 2014
له حصة مع إذاعة غليزان .. بعنوان .. حديث الصباح .. منذ 2007 إلى يومنا هذا.
تأخير الشيوخ.. وأنا أقرأ كتاب .. قصة حياة .. للشيخ الأستاذ ميلود احمد فواتيح .. أول ملاحظة لفتت إنتباهي .. وأول تعليق كتبته في حينه على .. صفحة الإهداء ..
حين أهدى الشيخ كتابه .. وضع شيوخه في المرتبة الأخيرة..
نسأل الله أن تكون زلة قلم .. وهفوة عابرة.. وأن تستدرك في الطبعات القادمة.
خلاصة القارئ.. الكتاب صغير الحجم .. هو إلى السيرة الذاتية أقرب ..تنقصه محطات كثيرة غنية في حياة المؤلف .. رغم أنه إستعان بالصور لتسهيل قراءة الكتاب .. إلا أن حالتها السيئة وعدم وضوحها أساء للكتاب .. ناهيك عن إنعدام أرقام الصفحات..رغم أنها موجودة في الفهرس.. وإنعدام دار النشر، ومكان النشر، وإن كان يبدو .. أنها الطبعة الأولى 1435 هـ – 2014.. وفي منطقة من مناطق الجزائر.. وربما في غرب البلاد.. وعدم إعتماد المؤلف على التاريخ الهجري، حين تستدعي الضرورة ذلك.
ويبقى كتاب .. “قصة حياة ” 1435 هـ – 2014.. للشيخ الأستاذ ميلود أحمد فواتيح .. وسيلة علمية نافعة لطلبة العلم.. وتأريخا لظروف القاسية التي مر بها العلماء في الجزائر.. ونافذة نيرة يطل من خلالها المرء على جهود علماء الجزائر .. الأحياء منهم.. والأموات.