قراءة في كتاب
عنوان الكتاب: المُوضِح عن جهة إعجاز القرآن (الصًّرفة)
المؤلف: الشريف المرتضى
الطبعة الثانية 1429 هـ
تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي
نشر: مؤسسة الطبع والنشر في الأستانة الرضوية المقدسة
يتألف الكتاب من 344 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة وتقديم والعناوين التالية: في بيان مذهب الصرفة والدليل على أن نظم القرآن ليس بمعجز وفي صرف الله تعالى العرب عن المعارضة ومذهب جماعة المعتزلة وإعجاز القرآن في نظمه وإعجاز القرآن في إخباره عن الغيوب وإعجاز القرآن في نفي الاختلاف عنه ومذهب القائلين أن إعجاز القرآن كونه قديما، فصل فيما يلزم مخالفي الصرفة، فصل في بليغ ما ذكره صاحب كتاب (المغني) مما يتعلق بالصرفة، مسألة تتعلق بالصرفة، فصل في الدلالة على وقوع التحدي بالقرآن، فصل في أن القرآن لم يعارَض، فصل في أن معارضة القرآن لم تقع لتعذرها، فصل في أن تعذر المعارضة كان مخالفا للعادة. وهنالك مصادر وفهارس للأعلام، والأقوام والجماعات والطوائف والمصطلحات الكلامية والكتب المذكورة في الكتاب والأمكنة والبلدان والمواضع والأيام والوقائع والمصطلحات المتعلقة بالقرآن واللغة.
فما المقصود بالصَّرفة؟
وقف العرب إزاء لغة القرآن الكريم-وهم أرباب اللغة آنذاك- مشدوهين. فبرز اثر ذلك تياران: يسمى الأول (نظرية النظم) التي ظهرت مبكرا، فقال بعضهم(أن القرآن معجز بنظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد). وكان عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة471 هـ أوسع من كتب في الموضوع من خلال كتابه (دلائل الإعجاز).
أما التيار الثاني فهو المشتمل على فكرة أخرى إلى جوار فكرة النظم، وهي فكرة (الصرفة) التي تعني (أن الله تعالى أراد أن يثبت أن القرآن منزَّل من عنده وليس من اصطناع البشر، فصد العرب عن معارضته ودفعهم عن مجاراته، أي أنه منعهم منعا قهريا أن يأتوا بمثل القرآن، وصرفهم عنه صرفا مقصودا يدركون معه أنهم معجَزون أمامه، على الرغم من وفرة قدراتهم البيانية وبراعتهم في القول). وقد ذهب طرف آخر-وقد يعتبر طرفا ثالثا- إلى أن الإعجاز يكون من جهة الصرفة والإخبار عن الغيب معا، وهو قول أبي اسحق إبراهيم بن أحمد الاسفراييني المتوفى سنة418هـ.
نشأت فكرة الصَّرفة في بيئة المتكلمين في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجريين. وكان المعتزلة أول من لفت النظر إليها إضافة إلى الفكرة الأولى أي (نظرية النظم). وكان إبراهيم بن سيار النظّام كبير المعتزلة المتوفى سنة224 هـ أول من ذهب هذا المذهب. تبعه في ذلك تلميذه الجاحظ. لكنهما لم يبسطا فيه القول. بيد أن من استوفى الكلام عن هذا المذهب هو المتكلم الإمامي الفقيه الأديب الشريف المرتضى المتوفى سنة436 هـ، كما يقول كاتب مقدمة هذا الكتاب الأستاذ علي البصري. والقول بالصَّرفة بحد ذاته فكرة جريئة لأنها تعارض الفكرة السائدة التي تركز على الإعجاز القرآني الداخلي-أي النظم. وقد واجه القول بالصَّرفة(استنكارا واسعا منذ أن خرج إلى الأوساط العلمية ببغداد في بدايات القرن الثالث الهجري). وقد انبرى الكثير من المتكلمين للدفاع عن معجزية نظم القرآن ونصه بتأليفهم الكتب والرسائل، في حين دافع عن فكرة الصَّرفة فريق آخر من المتكلمين.
وكان الشريف المرتضى أبرز متكلم قال بالصَّرفة. وقام من بعده تلميذه الشيخ الطوسي بشرح هذا المذهب. فالشريف المرتضى يعتقد من بين مسائل أخرى أن النظم (لا يكفي وحده في التحدي به، بل لا بد أن يقع التحدي بالنظم والفصاحة معا). كما تبنى ذلك المذهب الشيخ المفيد.
ومما يدل على صحة وجهة النظر هذه-أي تعذر معارضة القرآن- أن الكفار في أحوال قوتهم وغلبتهم وتمكنهم لم يعارضوا القرآن لا تقية منهم وهم يثيرون الحروب ضد المسلمين(وإذ لم يفعلوا فقد صح أنّ تعذُر المعارضة كان على وجه مخالف للعادة. وهذا بيّن لمن تأمله ونصح نفسه). كما أنه لو وقعت معارضة القرآن لجرت في النقل مجرى القرآن. في حين أن من حاول أن يأتي بمثل ما أتى به القرآن جاء ضعيفا ومثيرا للسخرية والاستهزاء. وهناك أمثلة على بعض ذلك الإتيان من قبيل ما ينسب إلى مسيلمة الكذاب وغيره، مثل ادعاء البعض للمعارضة في قولهم(إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وبادر، إن شانئك لكافر). فهو بالإضافة إلى كونه تغييرا من خلال القرآن وباستخدام بعض ألفاظه، ضعيف ولا تدخل على عاقل به شبهة.
وختاما، فالكتاب من أروع ما كُتب في موضوع الصَّرفة. وفيه من نقاط القوة الكثير. فهو يعرض آراء المعارضين والموافقين للمذهب وبالتفصيل الدقيق. فالمرتضى متميز بأسلوبه في الطرح وفي إثبات وتفنيد الآراء وإلزام الحجة. فلا بد للقارئ الكريم من قراءته بالكامل للتعرف على هذا المذهب بدقة.
بقلم: أ د حميد حسون بجية