محمد علي جواد:
عندما نتحدث احياناً عن نواة التمر الصغيرة التي تتحول الى نخلة باسقة وكبيرة، فاننا نقرّ من حيث نريد أو لا نريد بقانون التحدي في الحياة، وأن كل شيء لن يحقق وجوده على الارض، إلا بتجاوز العقبات والمنعطفات، ومواجهة مختلف التحديات من الطبيعة ومن الانسان.
بيد أن مشكلة البعض في فقدان الصبر والبصيرة الى الأفق البعيد، وأهم من كل ذلك الاهداف الكبيرة.
وهذا تحديداً – وغيره كثير- هو ما توفر لدى الناجحين الذين ارتقوا سلّم العلى بانجازاتهم وأعمالهم، ومن هذه الانجازات والاعمال؛ «دائرة المعارف الحسينية» التي تمثل اليوم شجرة باسقة مثقلة بالثمار تمتد باغصانها في كل الاتجاهات وهي تهب الظل والمعرفة لكل باحث عن النهضة الحسينية ما يعمق لديه الثقافة والمبادئ والقيم التي ضحى من أجلها الامام الحسين، عليه السلام، على أرض كربلاء.
لم تكن الصدفة هي التي قادتني الى مكتب هذا الصرح الحسيني الكبير في مدينتي، كربلاء المقدسة، إنما لسابق معرفة قديمة مع استاذي القدير، الدكتور نضير الخزرجي، وهو يحمل صفة «باحث مشارك في دائرة المعارف الحسينية»، مع طلب من مجلة «الهدى» للمساهمة في إثراء ملف العدد حول مؤتمر قادة الأديان المنعقد في الفاتيكان، فكان اللقاء بين الترحيب والاستجابة، وبين العطاء من مسيرة التحدي والرؤية الحضارية، وربما هي العفوية او المناسبة الطيبة، أن نأخذ منه للمجلة، ويعطينا هو بالمقابل عن دائرة المعارف الحسينية، وهو عبارة عن آخر إصداراته «ربع قرن من الإبداع.. دائرة المعارف الحسينية 1987-2014».
في هذا الكتاب يبين لنا الدكتور الخزرجي مسيرة التحدي والابداع الذي طواه صاحب مشروع دائرة المعارف، سماحة آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، ويتحدث بأسلوبه الشيّق وعناوينه المسجّعة الجميلة: «آراء ونظرات من مدينة سفينة النجاة»، «آراء الأعلام والنخب من وحي معارض الكتب»، «زائرون من كل وزارة ودائرة»، ومؤلفات موضوعية من وحي الموسوعة الحسينية».
ويكشف عن المساحة الواسعة التي جال فيها هذا المنجز الثقافي والحضاري من باكستان مروراً بالخليج وإيران، وحتى المغرب العربي وافريقيا، فضلاً عن القارة الاوربية واميركا الشمالية، وخلال ذلك حصد الاعجاب والتفاعل والتضامن من لدن علماء وأدباء ومثقفين وحتى سياسيين، لما يرونه من عظيم الجهد و غزارة الثمار، حيث أتم سماحة الفقيه الكرباسي تأليف (800) مجلداً من هذه الموسوعة، خرج منها الى الضوء حتى الآن (86) مجلداً، تحت عنوان رئيس «دائرة المعارف الحسينية»، وبطابع فني وغلاف موحد يرمز الى وحدة المشروع والهدف، «أي بمعدل خمسة مجلدات في العام الواحد، وهو أمر لا يقدر عليه إلا من ألبسه الله رداء الحظوة وأكسب يراعه مداد البركة».
كما يعبّر الدكتور الخزرجي في كتابه هذا. وفي جدولة رائعة منه، يوضح للقارئ المجالات التي ضمتها المؤلفات المطبوعة، فكانت – على سبيل الإشارة- «أضواء على مدينة الحسين» و”تاريخ المراقد” وقد صدر منها سبعة مجلدات، و»الحسين والتشريع الاسلامي»، وصدر منه أربعة مجلدات، كما هنالك الاهتمام البالغ بالشعر، حيث قدمت هذه الموسوعة للساحة الأدبية، تراجم لشعراء الطف، وبحوث في الشعر، كان أبرزها «ديوان الأبوذية»، وصدر منه عشرة مجلدات، كما هنالك الدواوين العديدة التي بحثت في الشعر الحسيني على مدى القرون الهجرية الماضية، وايضاً «معجم أنصار الحسين»، و”معجم خطباء المنبر الحسيني”.
بالحقيقة؛ التعريف بهذا الكتاب شيء؛ والتعريف بدائرة المعارف الحسينية – موضوع الكتاب- شيء آخر، لذا أجدني أستميح القراء والقائمين على هذا المشروع الضخم، العذر، وربما تسنح فرصة أخرى ومساحة أوسع للحديث عن هذا الجهد الكبير الذي يمكن تلخيصه من خلال قراءتي للكتاب، بأنه؛ مسيرة تحدٍ لكل الظروف من أجل تحقيق هدف سام.
الكتاب؛ من القطع الوزيري، من إصدارات، «بيت العلم للنابهين»، الطبعة الأولى 2014، ويضم (384) صفحة مع الفهرسة، ومع فصل خاص تحت عنوان «حديث الصور»، يبين النشاطات والأعمال في مختلف أنحاء العالم.
مجلة الهدى (277)- العراق