قراءة جمالية وامضة للمعطيات الشعرية الثرّة للشاعر
“عبدالستارنورعلي”!
عبدالجبارنوري
توطئة :
يعتبر الشعر من أرقى أشكال التعبير اللغوي وهو من أوائل الفنون المحلية والأقليمية والعالمية الجميلة والتي تستجيب لحاجات البشر وطموحاتهِ السوية ، وكذا النهج الثقافي الملتزم والمثقف الواعي الثوري الذي يتحسس آلام جروحات شعبه فهو المطلوب في البناء المجتمعي لكونه واعي ومدرك فهو الكود المشفر للتغيير ووضع الجمهور على طريق الألف ميل ، في هذه المدونة الأنسانية الثورية أن نردد خطاب ميرابو الثورة تشي جيفارا وهو يحدد سمات المثقف المطلوب للتغيير( المثقف الذي يلوذ بالصمت أكثر خراباً من النظم الدكتاتورية ) ونحن بحاجة لفسحة أمل وتأمل للوصول إلى اليوتوبيا ( المدينة الفاضلة )المترعة بالأنسنة والحرية والفرد المصلح ، أن ومضات الجمال تشرق من فضاءات قصائدك الجميلة يا أباجوان، وقد قرأتُ لثيودور تيستوفيسكي في الأخوة كارمازوف : الجمال سوف ينقذ العالم ( نحنُ لا نفهم إن الحياة هي الجنة ، وإن علينا أن نفهم ذلك سوف تتحقق في كل جمالها في الحال سنحتضن بعضنا البعض ونذرف الدموع ) .
النص:
عبدالستارنورعلي شاعرالمنفى والحرية عراقي مقيم في السويد مواليد 1942″ فهو شاعر وكاتب ومترجم وناقد أدبي لهُ من ثمرات مستلهماته الشعرية: قصيدة أحبك يا آرنستو، وبين الغربة والجراح ، والورد يجذب الورد ، ولوركا أنهض ، وقصيدة على أثير الجليد ، وقصيدة يا موقد النفس 1985 ، بدأ بكتابة الشعر الكلاسيكي متنقلاً إلى الشعر الحر لشعورهِ إن القديم لا يحقق مساعيه لطموحاتهِ الذاتية قصائد الشاعرعبدالستارنورعلي” وجدانية تصدر من أحاسيس الشاعر وأبداعاتهِ الشخصية وتجاربه الذاتية في أعلان الحرب على مستلبات الحياة الفقروالمرض والجهل والحرمان والموت ، فهو شاعرالواقعية الملتزمة بمحور الأنسنة والحرية بأرقى صورها تتماهى بكبرياء وتصطف مع شعراء كبارفي الوطن والعالم العربي ، الشاعر الأسطورة لك كل المجد لقد أجدت وأبدعت في الشكل والمضمون والتراتيبية المنهجية وبتجلياتها المتنوعة قصائد البيت والتفعيلة وقصائد النثر الأدبي مجملها ترقى لبانوراما متكاملة فأنت الحب والجمال والموسيقى .
وسوف أستعرض خلال هذهِ القراءة الوامضة بالأنبعاثات الجميلة بفضاءاتها الشعرية والأدبية النقدية البعض من نصوص الشاعرالمرهف عبدالستارنورعلي :
التكا مل الجمالي في قصيدتهِ ” لوركا أنهض “، لوحة جميلة بكل المقاييس تأسر القلب والذات وهو يقول :
لوركا أنهض
لا يزال العرسُ دامياً
لا يزال الناس هم الناس
لايزال الفاشست يقتلون الكراسي
والناس سكارى
وما هم بسكارى
ولكن أكثرهم يعلمون
أندهشتُ لبراعة الشاعرفي رسم صورها الحياتية الحيّة على لوحة البؤس اللاتيني أنسنة وحرية وخبزاً ، محيطةً بهالة من التراجيديا المؤلمة والمتعايشة مع وهج الشعر ا لثوري التقدمي ، وبحبكتهِ السحرية الفذة وقدرتهِ الأسطورية في صنع سلالم الحروف والتسامي سامقاً ليعانق الثريا باذخاً حينها مسحة من التكامل الجمالي .
يبدو لي أن هناك غيمة ثرية تسير وتتسع بوحي الشاعر الكبير “عبدالستارنورعلي” لتنثر رذاذها زهرا وطيبا ومسكاً على بساتين وخمائل هذا الكوكب الجميل الذي أحتضن شاعرنا بتكحيل عينيه حباً وجمالاً ليخط يراعهُ المتميّز قصيدته الشعرية الموسومة ( أحبك يا أرنستو )القصيدة منجز أدبي ثقافي رائع متكامل من بنية معمارية وبهندسة لغويةٍ ونصيّة شعرية مثيرة ومبهجة نُشرتَ عام 2005 وثمة أثارة وتأمل وأعجاب في سيمياء العنوان والذي يأسر المتلقي ويدخله صومعة قصائدهِ متوضئا ببعض أبيات القصيدة :
رجل قد جاوز خط الستين
بخطين
يحلمُ بالثورة الدائمة
في كونِ ضاع
بين محطات الظلمة
والقتل
وضباب الرؤية
ليس غريباً
أن يعشق لوحة آرنستو
تشي جيفارا
هوية الثائروالعاشق المتمرد ” آرنستو جيفارا”
——————————————-
هو الطبيب والكاتب والزعيم العسكري وعازف الكيتار والمصور الفوتوغرافي ورئيس دولة الأسطورة ” تشي غيفارا” 1928- 1967 ، بعد نجاح الثورة الكوبية صُنف ثورياً بالرجل الثاني في القيادة للدولة الكوبية الفتية ، فهو أرجنتيني المولد كوبي الأقامة ، وهو نموذج ثوري وطني عالمي ، وجدتهُ أنسان جديد تحركهُ دوافع أخلاقية وليست رغبات مادية ، ومن يقرأ سيرتهُ الذاتية يتألم ويحزن وثم يبكي ، فهو حقاً قامة وطنية تخزن جلٌ صفات القيادة من مطاولة وصمود وصبر وحنكة سياسية ، أضافة إلى أهتماماته الثقافية الأدبية والشعرية حيث كان مولعا بقراءة الماركسية لكون آيديلوجيتهِ أممية ومولع بقراءة أشعار بابلو نيرودا ولوركا ، وقراءة الصفحات السياسية الثورية لكارل ماركس ووليم فوكنر وأندري جييد وجواهر لال نهرو والبير كوما ومعلم البوليتاريا لينين وأنجلز وبول سارتر ، غامر بحياته لمرتين في دول لاتينية وأعدم في دولة ثالثة ، ولهذهِ الشخصية الكاريزمية مؤثرات ديناميكية على شاعرنا المتألق والكبير الأستاذ ” عبدالستار نور” في نسج قصيدته الرائعة ( أحبك آرنستو) :
والعشق ضياءٌ مرسوم في روح الأرض
حيّرأمراء الحرف
وضاعت الكلمات
والثورات
يا أرنستو
لوعادت خيل الوديان تقاوم عاصفة البحر الهائج
لو أن سنابل ارض الفقراء
وبنادقهم
أحلام اللبل
وأنفاس الجدران الصدئة
تقفز من فوق الغابات
والأنهار
والصحراء
لآعتدنا للكافر
بنصاعة عينيك حصيرا
يزهوبالتنوع
أسلوب الشاعر”عبدالستار نورعلي” في نسج عناصر القصيدة وبنيتها التصويرية أتجه نحو(تنويع) ثيمات نصوص قصائدهِ الشعرية ولأنهُ شاعر متمكن في توظيف جميع الأشكال التعبيرية في مضامين قصائدهِ الملحمية .
أتضح لي خلال الدراسة المستفيضة المتواضعة لمجمل نتاجاتهِ الشعرية تزهو ببوح شعري متنوع شكلا في حيثيات سرديات قصائده بثيمات متنوعة لكي يستلب الملل من المتلقي ويرسم في بنية القصيدة تلك التناقضان النصية بين مضامين الحرب والسلام والخير والشر والحب واللاحب
– الشاعر أبو جوان غيمة مطر رذاذها تحطُ حيث الأبداع والتألق ، وقصيدتهُ أحبك آرنستو ذات طابع ” درامي تراجيدي” في بناء رصين تبرز فيه مركزية الأنسان والصراع الطبقي وتناقضاتهِ في زمن التوحش والأذلال والتجويع وأستلابات الروح ، وأنت أيها الشاعر الكبير ” عبدالستارنورعلي “تستحق الأصطفاف مع عظماء الكلمة الحرة بأبطال مناضلين خُلدت أفكارهم كتراث حضاري وخُلدتْ بصماتهم في أرشيف السفر البشري كالحسين أبن علي وأبو ذرالغفاري والحلاج ومحمود محمد طه وسلام عادل وجيفارا وهذا مقطع من القصيدة يستحضرها في :
كم من معشوقٍ قتل العاشق في اللعبة
كم من قلبٍ ذاب على وجع القلب
كم من فقراء
هاموا في رائحة الخبز
فأحترقوا
في تيزاب أولي الأمر
وثمة رغبة متطلعة في البحث عن المزيد من آهاتهِ الشعرية في “الدراما التراجيدية المأساوية ” وجدتُ لهُ قصيدة ” يا موقد النفس “كتبها في العام الدموي للنظام السابق 1985 فيها يقول :
يا موقد النفس إكسيراً لراحلهِ
كأس المنايا يدورُ اليوم ساقيها
وتمطرُ العاصف الموبوء نازلهُ
بالمهلكات أبابيلاً تساقيها
– الميل نحو الحداثة والتجريب بلغة جميلة مهذبة وهو يقول :
لم كل جراحات التوق
من ذا يحظى برنين القلب
ووخز الشوق
من هذا الحائز جائزة الطوق
من أجدى غيرك !؟
آرنستو
– الأسطورة والرمزية التصويرية وقصيدة لوركا أنهض التي كتبها في 27آذار2006:
لوركا أنهض
فرانكو يرتدي بدلة مكوية
وربطة عنق
من معامل تجهيز الرقاب
على مقياس رختر
والأدمغة على مقياس حالة الطقس
هذا اليوم
بيت برنارد ألبا مسرحية للشاعر لوركا ( في 27 أذار2006 )
– الديستوبيا : تعني التراكم الكمي والنوعي للمخرجات السلبية للحكم الشمولي الدكتاتوري وأنهيار القيم الحضارية بسبب القبح التكويني للثقافة الرأسمالية المتوحشة ، ولأن شاعر القصيدة متمكن وبحبكة فنية وهواهُ اليساري التقدمي ألقى الضوء على مساحة واسعة من المخرجات السيئة للحكم الشمولي للمدينة الفاسدة البغيضة التي تحصي الأنفاس بهدف ترويج ثقافة الخوف وتكاد تكون ثيمة الدستوبيا النهج البارزللقصيدة ، في هذه الأبيات الشعرية
يا آرنيستو
تلك القمم الشاهقة
بين سماوات جبال الأنديز تعشق فيك سيجارة هافانا
ولباس الجوريلا
والأقسا م
يا اذا الأيام نداولها
بين بيوت القصب
والغابات المكتضة في أحضا ن الأ مزون
هذهِ أزقة سانتياغو الحافية
لازات تعشق مملكة الحب
السحرية
في أشعار بابلو نيرودآ
-تبرز ثيمة الفنتازيا واضحة في تكحيل القصيدة ، فالحكايات الأسطورية الأفتراضية سمة تلازم الشعراء الكبارقديماً وحديثاً عالميا أعتبرت من أهم الذخائر الثرة والثرية في خزانة الفكر الأنساني ، وقصد شاعرنا الوصول إلى (اليوتوبيا ) المدينة الفاضلة وقال في قصيدة أحبك يا آرنستو:
ليس بيدي
يا آرنستو
أو بيد الزمن الغافي
في تعليلات الحرس الأقدم والأجدد
والقادم فوق حصان من خشب
أو تحليلات من خبراء الزمن الخائب
أن أحصر وجهك في شق الذاكرة
في أسوار الكتب
-ثيمة الغربة في حياة الشاعر رذاذ مؤذي ومستلب على بستان الشاعر الجميل نور علي ، إن الغربة جرحَ تسع جغرافية الوطن إنها الموت اليومي ، قيل لآحد الأعراب ما الغبطة ؟ قال الكفاية مع لزوم الأوطان والجلوس مع الأخوان ! وقيل لهُ وما الذلة؟ قال التنقل بين البلدان والتنحي عن الأوطان ، وبالتأكيد شرب الشاعر عبدالستارمن كأس الغربة حد الثمالة في البعد القسري أكثر من نصف قرن ولم يتمكن من أخفاء عشقهِ الصوفي لوطنه الأم ، لذا أعلن آلامها في مجموعته الشعرية ( على أثير الجليد ) بأوضح صورها الشعرية وهو يقول :
دق طفل مشرقي باب الفرح
لم يجيبهُ أحد
تزاحم الخيول
تنتظر السباق نحو ساحة الفرح
فأنطلقت صفارة الأنذار
قد كُسرت سارية الفرح !؟
فمالت الزهرة فوق راحة العشب
تشرب من برودة الندى
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
تشرين ثاني 2023