من سردى : ابراهيم امين مؤمن

اكتب اليكِ من منفاى, حيث غياهب السجن والاغلال التى صفّدتْ
قلبى وعنقى ومعصمى وقدماى .
هذه قضبان نُصبتْ بايدى رحيلكِ , عزلتنى عن عالم الاحياء ,
وهذه اغلال التفتْ حولى كلى بنفس الايدي , ايدى رحيلك .
فكان هجركِ بمثابة مسافات تحولتْ
الى قضبان
الى قيود
الى ظلمات
الى منفى
الى صرخات
غادرتِ .. غادرتِ.. فارجعِى..
ارجعى فانى مكبّل حتى التفتْ قيود هجركِ حول احشائى . احشائى التى
تَلَبَّدتْ وتجمدتْ وعسكرتْ واصبحتْ اسيرة تطلب الحرية برجوعك .
تنتابنى رعشة خوف تنبعث من فؤادى , تُجسد لى فواتكِ الحى كما تُجسد لى عدم رجوعك.
اريتينى اشواك هجركِ من بعد مسّ نسيمك.
فذقتُ علقمكِ من بعد شهدكِ .
وشربت اُجاج مائكِ من بعد قوارير سلسبيلك.
ارجعى …..
… غادرتِ…
ارجعى……
قد طال الانتظار , فارجعِ قبل فوات الاوان , قبل ان تجدى جسدا بارادا فى
كفن لا يُدفن .. ميت حى , اما الروح فقد هامتْ تبحث عنكِ مرتدية ثوب
الخاشعين
مرتدية ثوب السائلين
مرتدية ثوب المسبحين
مرتدية ثوب الداعين بجمعك يا ضالتى تعيد الىّ روحى.
فكان جسدى ساكن بالسلاسل وكانت روحى فى مذلة السؤال..
لما غادرتِ ؟؟
الم ارضعكِ بفمى ؟ مسّا متواليا من لذّات ولذّات وعبقا من ازاهير شذى عطر.
الم اطعمكِ رضاب مشاعر قلبى التى تحولتْ الى غلاف احاط بقلبك ؟
قلبى هذا قديس وناسك التف حول قبلة قلبك
فقدّس وقُدس ,
وطهّر وطُهر
وغفر وغُفر له,
واحيا وحيا
فمى بفمك وقلبى اتخذ قلبك قبلة رضاها ..
فكيف هنتُ عليكِ !!!

كدتُ ان اجهر بانك رضعتِ محبتى , وفطمتكِ من فتوّتى , وراقصتكِ على بساط
خَدّى, تقفزين ثم تهبطين , كم كان مرحا طيبا .
حتى اذا ترعرعتِ…..

وهبتكِ تاجى وصولجانى , والبستكِ كسائى , واخضعتُ لك عبيدي وكل لبنة من
قصرى كانت طوع امرك .
وكنت انا المانح وانتِ فى نَهَمٍ متواصل قائلة ( هل من مزيد )
ففاضتْ آنَيتك من الماء وغارت آنَيتى.
وذهب ملكى اليك فنُزعتُ انا ووهبتِ انتِ.
واصبحتُ عارٍ من كل شئ .
الذالك غادرتِ ؟؟؟
لا عليك ..
عودى .
عودى ..

لو اردتى فقولى , لا اكلفك عناء العودة, ولا عناء العتاب .
عندئذ تنهض عزيمتى وتستنفر عبر مقولتك فتصرخ بداخلى وفى كيانى كله عزيمة لا تقهر .
تكسر كل القيود, وتفتح كل الابواب, وتسرى طائرة تحطم كل العقبات ,ليصل
اليك حبى الا عظم المتدفق من معين اهل الجنة , ازيدك عشقا طاهرا لا ينبثق
الا من روحى منزها من جسدى لا عبر بك عبر تاريخ المحبين .
اعبر بك الايام والشهور والسنين نزور اوكار الطيور , ودعاء الخاشعين
العابدين , ونقفا سويا فى ظلمة ليل لا ينادمنا الا السماء بمجراتها , نقص
ونبكى ونتحرر من الاثام التى اغرقتنا فى بئر موحش ما بين سلاسل قيدتنى
فيأستنى واطماع احتوتكِ , ونتوبا توبة تجعل من حبى لك حبا ابديا سرمديا
يخلد عبر التاريخ ثم ينهض من الاجداث مظفرا متوجا واقفا امام الملك
القهار فيشقع ويتشفع ويحيا فى الفردوس الاعلى حياة خلد كان هو واضعها فى
الدنيا الدنيّة ..