مرة أخرى نحن في حرب أهلية .. ما يجري في البلاد يومياً في الليل والنهار من قتل بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وهجمات بالاسلحة المدوية أو مكتومة الصوت هو حرب أهلية بامتياز، يحمل كل مواصفات الحرب الأهلية النموذجية. وحربنا الأهلية طابعها العام طائفي: شيعي – سني.

الذين في قمة السلطة في دولتنا يُزعجهم كلام كهذا.. انهم يكذّبونه ويسفهونه، بل لا يتورعون عن اتهام القائلين به بان لديهم “أهدافاً مشبوهة” .. والواقع انهم يسعون من وراء ذلك الى التستر على حقيقة اننا في حرب أهلية طائفية وعلى واقع انهم هم مشعلو نار هذه الحرب وان وقفها يتوقف على الخلاص منهم، فكل بوصلات حربنا تُشير اليهم وتتوجه نحوهم.

ما هي الحرب الأهلية؟ كيف تكون؟ ما مواصفاتها؟

الموسوعات تقول: الحرب الاهلية حرب داخلية في بلد ما، وتكون أطرافها  جماعات مختلفة من السكان. أسبابها وبواعثها قد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو اقليمية أو مزيجاً من هذه الاسباب.

وتقول الموسوعات أيضاً ان  كل فرد من المنخرطين في الحرب الاهلية  يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائناً لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس المحيط الجغرافي. ولهذا تتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، ولا تفرق بين الأهل والجيران فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعداة البناء والتوازن والوئام.

وبحسب الموسوعات كذلك فان الحروب الأهلية كثيراً ما تشكّل فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة التي تجري فيها الحرب الاهلية، ذلك أن حرباً كهذه تُضعف كثيراً من سيادة الدولة وتطيح التماسك الداخلي في وجه التدخل الخارجي، كما أن احتمالات التغيّر في موازين القوى داخلياً قد يؤثر على الدول المجاورة سلباً وإيجاباً فترى بعض الدول في انتصار فريق على فريق تاميناً لمصالحها، أو تهديداً لأمنها أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم أو على صعيد أوسع.

أليس هذا ما يجري على أرض العراق منذ سنوات عدة؟

في يوم تُفجر سيارات أو أحزمة ناسفة أو تُشن هجمات مسلحة على أهداف شيعية، مدنية ودينية في الغالب، وفي يوم آخر، بل ربما في اليوم نفسه، تجري أعمال مماثلة ضد أهداف سنية مدنية ودينية هي الاخرى. وفي يوم يُقتل كرد أو تركمان وفي يوم آخر يُقتل عرب.. في يوم تستباح كنائس وفي آخر معابد صابئية وازيدية. وفي كل الاحوال فان الضحايا بالمئات في كل مرة .

 أليست هذه حرب أهلية بكامل الأوصاف ؟

من المهم أن نصل الى هذه النتيجة لكي نحدد طريق الخروج من أزمتنا، بل محنتنا الراهنة.. اذا لم نعترف باننا، أو بالاحرى الطبقة السياسية المتنفذة في العملية السياسية، نخوض في غمار حرب أهلية ستتواصل هذه الحرب الى ما لا نهاية، وقد نجد انفسنا ذات يوم في وضع يتطلب تدخلاً دولياً لانقاذ ما يتبقى من العراق والشعب العراقي.

شبيبة العراق هم بالذات من يتعين ان يدركوا حقيقة ما يجري ليطلقوا طاقاتهم الكامنة وللاحتجاج على الواقع الراهن والعمل على تغييره، وربما كانت الخطوة الاولى اللازمة على هذه الطريق بدء حركة للتبرؤ من أمراء الحرب الاهلية الطائفية والسعي لعدم عودتهم الى البرلمان المقبل والحكومة القادمة.